دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 16 ربيع الثاني 1443هـ/21-11-2021م, 10:45 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(2) بيان شيوع الرسم اليوناني قبل نزول القرآن في ترجمة التوراة والإنجيل وعلاقته بإعجاز القرآن في تفسير أعجمي القرآن:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (2)
الأعلام الأعجمية المذكورة في القرآن ورد أغلبها على أصل لفظه الأعجمي في أسفار اليهود والنصارى، أو – اختصارًا – في التوراة والإنجيل.
وقد ضم المسيحيون أسفارهم إلى أسفار اليهود (على خلاف بينهم في إنكار بعض وإضافة بعض) في مجلد واحد من جزأين هما «العهد القديم» (التوراة) و«العهد الجديد» (الإنجيل)، تحت اسم «الكتاب المقدس»، سلموا لهما جميعًا بالوحي من الله، ليس فقط لأن اللاحق يبنى على السابق فحسب كما مر بك، وإنما أيضًا وبالأخص اتباعًا لقول المسيح عليه السلام في الأناجيل: ما جئت لأهدم الناموس (أي التوراة)، وإنما جئت لأكمل (أي بالإنجيل).
أما اليهود فهم بالطبع لا يسلمون بالوحي لكتابات «العهد الجديد»، وإلا لما بقوا على يهوديتهم. وهم لا يسلمون بالوحي أيضًا لأسفار أضافتها الكنائس المسيحية إلى أسفارهم المعتبرة عندهم (على خلاف في هذا بين الكنائس المسيحية).
وقد توقفت «النبوات» في بني إسرائيل قبل قرون من مولد عيسى عليه السلام. ومن هنا يفهم خلو أسفار التوراة من النص على أعلام المسيحية الأربعة: زكريا، يحيى (يوحنا)، مريم، عيسى، عليهم السلام. ولم تذكر أيضًا عمران جد عيسى.
ويلاحظ أن أسفار «العهد القديم» (أي التوراة) مكتوبة كلها بالعبرية، ما عدا أجزاء قليلة كتبت بالآرامية رأسًا أو متأثرة بها، منها عبارات في سفر
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 115]
التكوين نفسه، أول أسفار العهد القديم، ومنها بعض إصحاحات متفرقة في أسفار ثلاثة هي أسفار أرميا، ودانيال، وعزرا (عزيز في القرآن). وإذا علمت أن عزرا – كاتب «شريعة الله» بعد سبى بابل – كان من أعلام القرن الخامس قبل الميلاد، فقد علمت مدى طغيان هذه الآرامية على السنة الناس، حتى حلت تمامًا أو تكاد محل العبرية في ربوع فلسطين منذ ثلاثمائة سنة على الأقل سبقت مولد المسيح، فكان بها جل كلامه عليه السلام.
ولكن أسفار «العهد الجديد» لم تكتب بالآرامية أو العبرية أو بمزيج من هذه وتلك، وإنما الموجود منها بين يديك الآن مكتوب كله – عدا بضع كلمات آرامية أو عبرية – بلغة «يونانية» متأخرة، تعرف باليونانية «الكنسية» لاصطناعها ألفاظًا وتراكيب لم تسمع في اليونانية قبل عصر المسيح. ومهما قيل من أن إنجيل «متى» وبعض رسائل الحواريين والآخذين عنهم قد كان لها أصل عبراني ترجمت منه إلى تلك «الأصول» اليونانية التي بين يديك، فهذا الأصل «العبراني« مفقود، لا سبيل لك إليه لتطابقها عليه: ليس لديك من «العهد الجديد» سوى هذه الأصول اليونانية التي بين يديك، وترجمات منها مباشرة إلى مختلف اللغات.
ولئن كان موضوع «العهد الجديد» هو رسالة عيسى عليه السلام، آخر رسل الله إلى بني إسرائيل، فهو لا يسمى فقط أعلام المسيحية المذكورين في القرآن، ولكنه يتحدث أيضًا بالتوراة فيذكر بعضًا من أعلامها الذين سماهم القرآن. ولأن «العهد الجديد» يوناني اللسان، فهو حين يذكر أعلامًا من التوراة يسميهم بالطبع على اللفظ اليوناني، لا اللفظ الآرامي – العبري. ومن هنا اختلاف نطق العلم «الإنجيلي» عن سميه في التوراة.
من ذلك أن اليونان لا ينطقون الشين، فأبدلوا كل شينات التوراة سينًا. واليونان أيضًا لا يستطيعون الحاء والعين. ويهمسون الهاء، فأهملوها جملة، إلا أن
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 116]
تكون الحاء والعين بادئتين، فتبدل منهما الهمزة، وفي اليونانية كذلك علامات «إعراب»، منها إضافة السين للرفع وإضافة النون للنصب، فتظهران هذه أو تلك في نهاية الاسم العلم بحسب موقعه من «الإعراب» في الجملة، ويظنها من لا يعرف أصل الاسم جزءًا منه: فعلوا هذا في أعلام التوراة وفي أعلام الإنجيل.
من ذلك «يونا» (يونس في القرآن): يونانيتها «يوناس» Ionans (السين للرفع) وهي نفسها «يونان» التي تقرؤها في الترجمات العربية للعهد الجديد، أخذوها بصورة الاسم منصوبًا. من ذلك أيضًا «يوحنا» (يحيى في القرآن): ذهبت حاؤه، وأضيفت سينُ الرفع فصار Ionnes أي «يُوَنِّس». ناهيك بالاسم العلم الأكبر في المسيحية، عيسى عليه السلام، واصله العبري «يشوع» فصار «يسوس» في الرفع، و«يسون» في النصب، و«يسو» في غير ذلك.
ورغم أن «مسيحي المشرق» ساميون يستطيعون نطق أعلام الإنجيل على أصل لفظها العبري – الآرامي، فقد التزموا في حالات كثيرة الاقتراب من رسمها اليوناني في العهد الجديد، ضاربين صفحًا عن أصلها العبري – الآرامي، وإن خالف الرسم اليوناني أصل الاسم في التوراة. وما كان لك أن تتوقع غير هذا وهم يقرأون في صلواتهم من إنجيل يوناني، يحتاج فهمه وتدارسه إلى علم كاف بتلك اللغة. وقد كانت اليونانية هي اللغة «الرسمية» للكنيسة طوال قرون المسيحية الأولى: بها كتبت مباحث اللاهوت، وبها دارت المناظرات واحتدم الجدل. أضف إلى هذا – بل قل قبل هذا – الرغبة في «التبرك» الناشئ عن التقديس: المسيحي يؤمن بأن «العهد الجديد» كلام موحي به من الله، أو من الروح القدس، على كتبة الأناجيل، وهو يرتب على هذا أن الله هكذا تكلم، أو هكذا أوحى، بتلك الأعلام في لفظها اليوناني ويرسمها المكتوب في تلك الأناجيل اليونانية، أو في أقل القليل أن الإنجيلي، «كاتب الوحي»، كتب ما كتب و«روح القدس» عليه، إنه إذن كلام مقدس لا بمصدره فحسب، وإنما بأصل لفظه أيضًا في رسمه اليوناني الذي جرى به قلم الكاتب.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 117]
وعلك تعلم أيضًا أن أسفار «العهد القديم»، أي أسفار التوراة، قد كانت لها قبل عصر المسيح ترجمات إلى اليونانية أشهرها قاطبة الترجمة السبعينية، التي سبقت مولد المسيح بنحو ثلاثة قرون، موجهة إلى يهود الإسكندرية ومتهوديها، وإلى من «تأغرق» منهم في غيرها، الذين أنسوا عبرية التوراة. وقد تضمنت الترجمة بالطبع تحويل صورة العلم التوراتي عن أصله العبري – الآرامي إلى «صورة» يونانية، جرت بالتأكيد على ألسنة «متأغرقي» اليهود في أوروبا فقط بل وفي مصر والشام أيضًا.
وتستطيع أن تقول – مصيبًا غير مخطئ – أن كتبة الأناجيل اليونانية استفادوا من هذا الرسم اليوناني «الجاهز» في الترجمة السبعينية فنسجوا على منواله في «العهد الجديد». وتستطيع أن تقول أيضًا أن كتبة الإنجيل حين اقتبسوا من التوراة نصوصًا يستشهدون بها في العهد الجديد، لم يرجعوا إلى أصل التوراة العبراني، وإنما رجعوا رأسًا إلى تلك «السبعينية»، يستقون منها ترجمتهم اليونانية لما أرادوا اقتباسه من التوراة. وهذا يفسر لك سببًا من أسباب عدم تطابق بعض تلك الاقتباسات مع أصلها في التوراة كما مر بك، لأن في «السبعينية» أخطاء استدركت بعد عصر المسيح بقرون.
ولأنك – مسيحيًا كنت أو مسلمًا – تحيل على المسيح صلوات الله عليه أن يخطئ في الاقتباس من التوراة في عبارات نسبت الأناجيل اقتباسها إليه، فليس أمامك إلا التسليم بأن كتبة الأناجيل اليونانية كتبوا ما كتبوه بوحي من ذاكرة تسعف وتخون، أو رجعوا إلى الأصل العبراني ولكنهم لم يحسنوا الفهم أو الترجمة، أو تعجلوا فاستخدموا ترجمات يونانية جاهزة شاعت من قبل، أو أنهم كتبوا لجمهور يوناني اللسان، جادلوه بما يقرأ من ترجمات يونانية للتوراة في السبعينية أو في غيرها. وربما اشتطت بك الغلواء فقلت إن كتبة الأناجيل اليونانية الأربعة أو معظمهم، وبالذات لوقا ويوحنا، ما كانوا يتقنون العبرية شأنهم شأن يهود مصر والشام على عصر المسيح، وما كانوا بالتالي يقرأون من توراة عبرية، بل من ترجمات لها. هذا وذاك أبرأ لدينك من أن تقول أصاب كتبة الأناجيل وأخطأ المسيح
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 118]
معاذ الله – ناهيك بروح القدس جبريل – صلوات الله وسلامه على جميع ملائكته وأنبيائه.
على أننا – في مقاصد هذا الكتاب على الأقل – لا يعنينا هذا أو ذاك – وإنما الذي أردنا التنبيه إليه هو شيوع الرسم اليوناني والنطق اليوناني قبل نزول القرآن بقرون، لا لأعلام المسيحية فحسب، وإنما أيضًا لأعلام ذكرت في التوراة بلفظها العبري وتأغرقت في الأناجيل، بين مسيحي المشرق ومن سمعوا منهم أو اتصلوا بهم من العرب.
هذا يفسر لك لماذا عرب القرآن أعلامًا في التوراة على رسمها الذي شاع بين الناس، أي على رسمها اليوناني لا العبري، من ذلك «إلياس» المعربة لا عن العبرية «إيليا» وإنما عن اليونانية «إيلياس»، وأيضًا «يونس» المعربة لا عن العبرية «يونا» وإنما عن اليونانية «يوناس»، بإضافة سين الرفع اليونانية في اللفظين.
نخلص من هذا إلى أن التعريب القرآن لأعلام المسيحية لا ينظر إلى «التوراة» التي لم تنص بداهة عليهم، وإنما ينظر إلى رسمها اليوناني الوارد في «العهد الجديد». أما أعلام التوراة المذكورة في الأناجيل، فهو يعربها غير ناظر بالضرورة إلى رسمها العبري في التوراة، إنما يعربها على لفظها الشائع عصر نزوله، أي المتأثر بالرسم اليوناني، وإن خالف أصلها في التوراة.
ولكن القرآن، وهذا إعجازه، «يعلم» الذي كان، فيفسر العلم الأعجمي المطموس معناه في رسمه اليوناني، بأصله في لغة المتسمى به من أعلام التوراة – أيا كانت لغته – متقدمًا بقرون وقرون على «تفاسير» لعلماء تلك اللغات بدأت ولم تنته بعد، أو توقفت دون القطع بيقين).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 115-119]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir