دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 21 ربيع الثاني 1443هـ/26-11-2021م, 01:39 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(4) بيان بعض الفوارق الإضافية بين العربية والعبرية:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة:( (4)
استعرضنا في الفصل الأول من هذا الكتاب الفوارق الأساسية التي تفصل ما بين العربية وبين أختيها العبرية والآرامية على رغم اتحاد الجذور وتقارب مخارج الأصوات، وعللنا إسهابنا هناك بأنه يفيد في استجلاء معنى العلم العبراني في التوراة والإنجيل. ونحن نضيف هنا فوارق أخرى بين العربية والعبرية يتعين الإلمام بها قبل المُضي في البحث، كي يسهل على القارئ الذي لا يعرف تلك اللغة متابعةُ المقابلة بين لفظ العلم العبراني في التوراة والإنجيل وبين صورته الواردة في القرآن.
وسنقتصر بالطبع من تلك الفوارق على الضروري منها لمباحث هذا الكتاب دون أن نُغْفِل فوارق ما بين العبرية والآرامية حالَ ضرورتها لما نتحد عنه.
1- أداة التعريف:
أداة التعريف في العبرية ليست هي الألف واللام (الـ)، وإنما هي الهاء والألف (هَا). وعلماء العبرية يقولون إن أصلها قد كان الهاء واللام (هَلْ)، وكأنها هي نفسها (الـ) العربية، أبدلت ألفها هاء. والعبرية أيضًا تسقط الحرف الثاني من أداة التعريف «ها»، أي ألف المد، وتستعيض عنه بتضعيف أول الاسم المعرف. من ذلك، «هاتورا» (أي التوراة)، التي تصبح «هتورا»، حذف ألف «ها» وضعفت التاء. يستثنى منذ لك أن يبدأ الاسم بأحد أحرف خمسة: أ – هـ - حـ - عـ - ر، عندئذ تظل «ها» ممدودة على أصلها ولا يضعف ما بعدها، كما في «ها أرص» (أي الأرض). وهذا يذكرك بما يسمى «اللام الشمسية»، «اللام القمرية»، في العربية.
أما أداة التعريف في الآرامية فليست (الـ) العربية، ولا (ها) العبرية، وإنما هي ألف مد، يختم بها الاسم ولا تبدؤه، وكأنها كما يقول علماء الآرامية أثارة
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/129]
من ألف تنوين المنصوب في العربية سقطت نون تنوينه عند الوقف عليه في مثل «وبالوالدين إحسانا»، لا يظهر التنوين في «إحسانا» وإن بقيت علامته في النطق ألفا ممدودة في آخر الاسم، لوقوفك على رأس آية وانتهاء الكلام. من ذلك في الآرامية «مَلْكا» (أي المَلِك) عرفت بزيادة ألف ممدودة في آخرها.
وأداة التعريف الآرامية، وكذلك العبرية، تصلح أيضًا أداة للنداء. من ذلك في الآرامية قول عيسى عليه السلام للصبية التي حسبت ميتة: «طاليثا قُومي» (مرقس 5/41)، أي «قومي يا طلوة»، واصلها «طاليث» زيت بألف التعريف على النداء في آخرها. ومنه أيضًا في الآرامية «أبا»، واصلها «آب» زيدت بألف التعريف الممدودة في آخرها على النداء، وضعفت الباء بديلاً من تقصير مد الألف البادئة، فأصبح معنها «أيها الأب». تجد «أبا» هذه على لسان المسيح في الأصول اليونانية (مرقس 14/36) في عبارة Pater o Abba اليونانية: أضاف مرقس Pater اليونانية على التكرار ليترجم «أبا» الآرامية لقارئه اليوناني. وإن لم يقلها المسيح بالطبع، الذي اكتفى بـ «أبا» الآرامية التي لا يفهم غيرها حواريوه، لا يحتاجون أن يترجمها لهم المسيح، ناهيك بأن يترجمها لربه الذي يناجيه. ولكن المترجم العربي لم يرد أن يسقط حرفًا مما قاله مرقس في إنجيله اليوناني، فترجم عبارة مرقس اليونانية هكذا: «يا أبا الآب»، فأعضلت على القارئ العربي. صحيح أن «أبا» عربيًا لغةٌ في «أب» كما يقول المعجم العربي، ولكن ما الداعي للمجيء بلفظة «الآب» بعدها؟ أيترجم عربيا بعربي؟ ألا يخشى على القارئ المتعجل الذي يفوته الشكل والنقط أن يفهمها على المنادى المضاف إلى «الآب»، وكأن المسيح يناجي بها أبًا للآب؟ إن أراد التبرك بلفظ المسيح «أبا» فاستبقاه على آراميته، لكان يجمل به أن يقول: «أبًا! أيها الآب!» كما فعل مرقس في إنجيله اليوناني. أو لقال على الترجمة: أبًا! (يعني أيها الآب).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/130]
2- ألف التحلية:
يحدث في العبرية إضافة ألف في أول بعض الأسماء، لا لمعنى، ولا لوزن أو اشتقاق، وإنما للاسمية فقط، فهي الألف الزائدة للتحلية. يحدث هذا في الاسم المعنوي، كما يحدث في الاسم العلم. من ذلك في الاسم المعنوي أمثال «أكزاب» (وتنطق كافها خاء لتحرك الهمزة قبلها كما مر بك)، وأصلها «كزاب» يعني «كذوب» تطلق على الجدول الذي يغيض ماؤه. ومنها أيضًا «أدون» يعني «سيد»، وأصلها «دون» تسمية بالمصدر من دان / يدون العبري (وهو دان / يدين العربي). ومن ذلك في الاسم العلم أمثال «أهارون» وهي «هارون» في القرآن، وسيأتي.
3- المزيد بالنون:

يُزاد بالألف والنون في العربية لمعانٍ منها الصفة، مثل غضبان، ومنها النسب، مثل إنسان (المنسوب إلى الإنس) أو دعامة للنسب مثل رباني (المنسوب إلى الرب)، ومنها المصدر واسم الفعل مثل غُفران وعصيان وغليان وطُوفان، ومنها مجرد الاسم مثل عقربان (ذكر العقرب)، وثعبان، وعثمان (فخر الثعبان أو فخر «الحبارى» الطائر المعروف). وقد تقع الزيادة أيضًا في العربية بالواو والنون وصفا على المبالغة، كما في مَيْسون، وحَيْزَبوُن، وهو قليل.
والأكثر في العبرية هو وقوع الزيادة بالواو والنون. وتجيء أيضًا لمعان منها إفادة التصغير مثل «إيشون» مُصَغر «إيش» (إيش = إنسان) أي «أنيسان»، ومنها المبالغة مثل «عليون» على المبالغة في العلو، ومثل «شمرون» (شمر = حفظ) فهو «حفيظ»، ومنها الصفة على النسب مثل «إشتون» (إشت = امرأة) فهو «المتأنث» الذي يحاكي النساء، ومنها الصفة على الفاعلية مثل «حارون» (حَرَا = حَمِىَ أو احْتَر) فهو الحمي أو الحرور المحتر، ومنها كذلك المصدرية واسم الفعل مثل «هريون» (هرا = حبلت المرأة) فهو الحمل والحبل.
على أن العبرية لا تخلو أيضًا من الزيادة بالألف والنون، والأمثلة كثيرة، منها «هاران» اسم أخ لإبراهيم (هار = جبل) فهو «الجبلى» المنسوب إلى الجبال،
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/131]
ومنها «زمران» (زَمَر = غنى) أي «المغني»، ومنها «كوشان» يعني الحبشي (نسبة إلى «كوش» بن نوح)، إلخ.
وأحيانًا تضع العبرية الميم موضع النون في هذا وذاك، فتقول «فديوم» تريد «فديون» يعني «الفدية» وتقول «مريام» والأصل «مريان» مصدرًا من «مرا» العبري بمعنى المراء والتمري، وهو قول علماء العبرية وعلماء التوراة في تفسير معنى اسم أخت موسى وهارون «مريام» وسيأتي. وربما قلت إن «عمرام» اسم أبي موسى في التوراة هو نفسه «عمران» الذي في القرآن أبدلت نونه ميمًا.
ويحدث في العربية أيضًا حذف النون جملة، استخفافًا، كما تجد في «يثرو» اسم حَمِى موسى في التوراة، من الثراء والثروة والتنعم، وأصلها «يثرون»، وكما تجد في «شلومو» وهو سليمان بن داود عليهم السلام، وأصلها «شلومون».
وكما تحذف العبرية النون أحيانًا من الوزن «فعلون»، تحذف أيضًا ياءه البادئة استخفافًا حين تكون مادة الجذر مبدوءة بالياء، في مثل «يَشَر» العبري بمعنى الاستواء والاستقامة، فتقول «يشرون»، ثم تخففها فتقول «شارون» أي السوي المستقيم. وهذا أحد وجوه تفسير الاسم «هارون»، تأخذه من «يهر» العبري بمعنى علا، فتقول أولا «يهرون» ثم تخففها إلى «هارون» ثم تضيف ألف التحلية، فتصبح «أهارون» كما تقرؤها في التوراة العبرانية. ومن هذا أيضًا «قارون» التي في القرآن كما نرجح نحن: صيغت على حذف الياء من يَقَر العبري (وهو «وقر» العربي) فقيل «قارون» أي «الموقر غنى». وسيأتي.
4- المبادلة بالأحرف والأصوات:
تتألف الأبجدية العربية (وهي نفسها الأبجدية الآرامية) من 22 حرفًا يجمعها قولك: أبجد – هوز – حطى – كملن – سعفص – قرشت، ليس فيها المجموعتان (ثخذ – ضظغ) اللتان تختص بهما العربية وحدها. وقد أدى افتقادُ العبرية والآرامية هذه الأحرف الستة الموجودة ي العربية (ث – خ – ذ – ض – ظ – غ) إلى مغايرة بين العربية وبين هاتين اللغتين في أحرف الجذر المشترك حين يدخل في أصله العربي واحد من أحرف المجموعتين (ثخذ – ضظغ) فتبدل منه العبرية والآرامية حرفًا آخر
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/132]
قريبًا من مخرجه. وقد مر بك من هذا «ضحك» العربية، «صحق» العبرية بنفس المعنى، كما مر بك «ظبي» العربية التي تقابلها «صبي» في العبرية، وهلم جرا. من ذلك أيضًا «غدن» العربية بمعنى استرخى ولان، ومنه «اغدودن»، بمعنى طال والتف، أو كان ناعمًا متثنيًا، واغدودن النبت أي أخضر حتى مال إلى السواد من شدة ريه: ليس في العبرية أو الآرامية «غين»، فتستعملان «العين» (غير منقوطة) موضع الغين، في «غدن» العربية، فتصبح «عدن»، وهو اسم جنة عدن في التوراة بمعنى «جنة النعيم»، فلا تدري هل عرب القرآن «عدن» العبرية إلى «عدن»، أم أن القرآن يريد المعنى الآخر من «عدن» العربية بمعنى «أقام»، وتكون «جنات عدن» جنات إقامة، وسيأتي. كذلك ليس في العبرية والآرامية خاء أصلية، وحين تشتركان مع العربية في جذر تدخل فيه الخاء، يتحول توا في العبرية والآرامية إلى حاء (غير منقوطة)، فتصبح «خلق» العربية مثلا «حلق» في العبرية والآرامية، أما ما كان أصلاً في العربية بالحاء فيظل على أصله العربي، فلا تدري هل اسم نوح عليه السلام في التوراة (وينطق «نوح») من النواح، أم هو من الإناخة والتنوخ، أي البقيا والتلبث، وقد فصل القرآن في هذا كما سترى، ولكن المفسرين لم يفطنوا إليه، سيأتي. وقس على ذلك باقي الحروف الستة المشار إليها، مما يأتي في موضعه حين الحاجة إليه.
5- التحورات في الجذر الثلاثي:
لا تكتفي العبرية والآرامية بمغايرة العربية لضرورة أملاها افتقارهما إلى تلك الأحرف الستة التي ذكرت لك، ولكن العبرية (والآرامية أيضًا) تغاير العربية بتنويعات في أحرف الجذر الثلاثي رغم وجود نفس الأحرف في الأبجدية العبرية – الآرامية. وهي تنويعات لا بد أن تتوقعها في لغات من نفس الفصيلة، وإلا لما اختلفت. من ذلك أن الفعل العربي «نصر» بمعنى أيد وأعان، لا وجود له في العبرية بهذا المعنى، رغم امتلاك العبرية لهذه الأحرف الثلاثة، وإنما «نصر» العبري هو بمعنى «نطر» العربي، أي حفظ وراقب (ومنه النواطير في بيت المتنبي «نامت نواطير مصر عن ثعالبها» أي الرقباء الحراس الحفاظ، (أو حرام الكرم خاصة)، أما الجذر العبري «نطر» فهو ليس نطر العربي، وإنما معناه احتجز، ومنه «مطارا»
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/133]
(وأصلها «منطارا») بمعنى «السجن». هذا وغيره كثير يجعلك تلتزم الحذر في تفسير العبري بالعربي عند تطابق الحروف، بل لا بد لك من استشارة المعجم العبري.
من ذلك أيضًا أن السين العربية تنقلب شينا في العبرية، ومن ثم تفهم أن «يسوع» أصلها العبري «يشوع»، والخاء العبرية أصلها كاف في العبرية، فتفهم لماذا أصبحت «ميخائيل» ميكائيل (ميكال في القرآن).
كل هذا وما جرى مجراه، يسمى الإبدال، أي وضع حرف مكان حرف. سواء تطابق المعنى أو تفاوت. ومن أهم أنواع الإبدال التي تغاير العبرية بها العربية وضع الياء موضع الواو البادئة في الجذر العربي (وهي قاعدة لا تتخلف في العبرية والآرامية)، من ذلك أن «وسع» العربية تصح «يشع»، ولكنه في العبرية بمعنى «نجا» أي «أوسع له وفرج عنه»، ومنه اسم عيسى عليه السلام كما سترى. أما الفعل العربي المعتل الآخر بالألف (وقد ترسم في الخط العربي ياء مثل «جرى») فهو في العبرية ينتهي أيضًا في النطق بالألف الممدودة، ولكنه يرسم ألفًا في النادر، ويرسم غالبًا بالهاء، ولكنها هاء خاملة، لا صوت لها إلا المد. ولكننا سنلتزم في هذا الكتاب رسمها دوما بالألف منعًا للخلط بينها وبين الجذر العربي. من ذلك «ورى» العربية تصبح «يرا»، ومنها اشتقت «هتورا» (أي التوراة)، وسيأتي. والمهم أن تلاحظ أن هذه الياء في «يرا»، «يشع» وأمثالهما ليست ياء المضارعة وإنما هي ياء فعل ماض بدئ جذره بالياء، مثل «يسر» العربية بمعنى سهل وأمكن.
ومن الفوارق أيضًا في تصريف الأفعال وصيغ الفعل، أن صيغة «أفعل» التي يسميها النحاة (صيغة التعدية بالهمزة)، تصبح في العبرية «هفعيل» بتغيير الهمزة هاء، وتظهر الهاء في المصدر (إفعال في العربية) أيضًا، مثل «هوشيع» أي «إيساع» العربية، من التوسعة، وهي في العبرية بمعنى الإنجاء والتخليص والنصرة (وهو شيع اسم نبي لبني إسرائيل). ومن ذلك أيضًا صيغة «انفعل» (المسمى بصيغة المطاوعة من فعل)، وهي في العبرية «نفعل» بحذف الهمزة تمامًا وإسقاط كسرتها على النون. وتظهر هذه النون في اسم الفاعل، فيصبح «نوشع» بمعنى «منصور» أو «منتصر)
ونحن نكتفي بهذا القدر، على سبيل التمهيد لما سنوضحه بالنسبة لكل علم عبراني نتناوله بالتحليل في موضعه.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/134]
في اللغة العربية – كما في غيرها من اللغات – جذور أميتت، أعني خرجت من نطاق الاستعمال كفعل يشتق منه ويتصرف فيه، وتبقى منها فقط في الاستعمال صيغ جامدة يعكف اللغويون على ردها إلى أصل مفترض، مستعينين بالسياق الذي تستخدم فيه، فيقتربون من الصواب، ولكنهم لا يحسمون.
أما اللغويون الأثبات فهم يلجأون إلى أداة أكثر حسمًا، وأقمن بالإصابة، فيبحثون عن الجذر المفقود في لغة من ذات الفصيلة، وقد يتسعون فيلتمسون الجذر المفقود في جميع لغات الأسرة اللغوية بكل فصائلها. وهم يستندون في هذا إلى حقيقة ثابتة: الجذر الممات في لغة ما قد يظل حيا في أخواتها، وفي بنات عمومتها.
والجذور التي أميتت في العبرية والآرامية وبقيت حية نابضة في لغتنا العربية، كَمُّ ضخم. أما الذي أميت في العربية وبقي حيًا في العبرية والآرامية، فهو نزر قليل. والذي يعنينا من هذا النزر القليل من مقاصد هذا الكتاب لفظتان اثنتان: «ليس»، «ويب».
أما النحاة فيقولون لك إن «ليس» فعل جامد (ناقص) لا ماضي له ولا مصدر ولا اسم فاعل، يستفاد منه نفي المضارعة من الفعل «كان»، أي أن «ليس» تفيد نفي الكينونة، نفي الوجود، نفي الحدوث، نفي التحقق. ولكن، مم اشتقت «ليس»؟ أصح ما قيل في هذا أنها: لفظ مزجي «مركب من شقين (لا + أيس) أي هي نفي أيس».
ولكن ما «أيس» هذه؟ إنها صيغة ممماتة الجذر أيضًا، يقول لك المعجم العربي إنها ضد «ليس»، بدليل عبارة وقعت في كلام العرب: ائت به من حيث أيس وليس. أي ائت به على كل حال، من حيث وجد أم لم يوجد. لم تقع «أيس» في كلام العرب إلا في هذه العبارة، على التضاد من «ليس». وإذا كانت «ليس» موضوعة لنفي الصفة والحال، ونفي الوجود والتحقق، فلا بد أن تكون «أيس» لإثبات الصفة والحال، وإثبات الوجود والتحقق. أفتكون «أيس» بمعنى الوجود و«ليس» بمعنى العدم؟
ولكن «أيس» أميتت، وبقيت «ليس».
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/135]
على أن «أيس» لم تمت في الآرامية والعبرية. فهي في العبرية «يش» بمعنى التحقق والوجود، ومنها عبارة «يش لي»، أي يوجد لدي. ومنها أيضًا عبارة «برا يش مئين» أي برأ الوجود من عدم، تقولها متحدثًا عن الباري عز وجل. ولكن «ليس» هي التي أميتت في العبرية، وحلت محلها «إين» (على الإمالة) وهي التي في «مئين» في «برا يش مئين»، وأصلها (مِنْ + إين). أما في الآرامية، فقد عاشت «أيس» وعاشت «ليس» كلتاهما، ولكن بالتاء المنقوطة ثاء، فهما «إيث» و«ليث»، الأولى لإثبات الوجود والصفة، والثانية لنفي الوجود والصفة. وتجيء «ليث» الآرامية أيضًا اسمًا بمعنى البطلان والعدم.
هذا الائتناس بالجذر الحي في لغة من ذات الفصيلة يجلي فهمك «أيس» بمعنى الوجود والتحقق، ويجلي فهمك «ليس» بمعنى الانتفاء والبطلان واللاوجود.
أفتكون «إبليس» من «ليس»، أي «أبو ليس» بمعنى «أبو الباطل»، مركبة من (أب + ليس) و- وهي في الآرامية «آب + ليث» - كنية صارت عليه علما لحظة فسق اللعين عن أمر ربه ألأنه أول من تأبى على خالقه واستن به بعده كل العصاة، ألأنه أول من قال «لا» لمولاه؟ ألأن عصيانه بدأ بقوله حين أمر بالسجود لآدم: لست بساجد (وهي بالآرامية «ليث أنا يسجد»)؟ إن صح هذا، كانت «إبليس» اسما مزجيا (أب + ليس)، صيغ على زنة نادرة في العربية (إفعيل).
ولن الاسم المزجي يمنع من الصرف وجوبًا، مثل «حضرموت» و«معد يكرب» و«تأبط شرا»، فربما كانت «إبليس» ممنوعة من الصرف في القرآن لهذا السبب وحده، لا لعجمتها.
هذا ما لم تكن «إبليس» عربية من «الابلاس» كما قال بعض المفسرين. ولنا في هذا كلامٌ يأتي بإذن الله في موضعه من هذا الكتاب عند تحليل اسم «إبليس».
ولا عليك الآن من «ويب» بمعنى الويل والضر والمكروه، فقد فهمت ما أعني.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/136]
من أعلام التوراة والإنجيل ما يجيء على النبوءة، وكأن الذي سماه يتنبأ له بما سيصير إليه، فيصدق. وهذا سائغ مقبول إذا كان المسمى هو الله تبارك وتعالى. أي بوحي منه عز وجل. من ذلك قوله تباركت أسماؤه: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} [آل عمران: 45] تنصيصًا على تسميته من الله عز وجل باسمه هذا الذي تقرؤه في الأناجيل اليونانية «يسوس» كما تقرؤه في الترجمات العربية «يسوع»، تأصيلاً على جذر عبري هو «يشع / ييشع» أو «شاع / يشوع» (مقلوب الجذر العربي «وسع») من السعة والفرج، أي الذي يوسع له ويفرج عنه، فيخلص وينجو، فهو الناجي، الذي يخلصه الله من كيد شانئيه ومبغضيه وطالبي دمه، فيرفعه إليه، فكان كما سماه الله عز وجل.
أما أن يجيء الاسم العلم على النبوءة من غير الله عز وجل، أي بغير وحي منه تبارك وتعالى، ثم تصدق النبوءة بحذافيرها في المسمى، فهذا رجم بالغيب لا يصح أن تفترضه في المسمى، ولا يليق بك أن تظن به القدرة عليه، وإن صَدف: قد يولد لك ابن فتسميه باسم «صادق» فيكون أو لا يكون. أما أن يولد لك ابن فتسميه يوم مولده «السقا»، وإذا هو يشب فيمتهن «السقاية» بالفعل، فهذا بعيد وغير مقبول. الصحيح أن أصحاب تلك الأسماء وأمثالها لم يتسموا بها يوم ولدوا، وإنما هم شهروا بها بعد تحقق الصفة والحال. من ذلك اسم «أيوب» عليه السلام، حين تشتقه – لا من الأوب والتوب كما فعل المفسرون الذين افترضوا عربية هذا الاسم – وإنما من «الويب» بمعنى الويل والضر والمكروه كما يفعل العبرانيون الذين يشتقونه من جذر عبري غير ممات هو «أيب» العبري بمعنى ضار / يضير أو ضر / يضر، فهو «الضرير المبتلى، أي ذو الضر، كما تجده في القرآن مفسرًا بهذا المعنى ذاته: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]، فلا تكاد تشك لحظة في أن أبا أيوب لم يسم ابنه بهذا الاسم يوم مولده «تيمنًا» بما سيقع لابنه من صنوف الضروالبلوى، بل تجرح أن «أيوب» شهرة شُهِرَ بها إمام المبتلين بعد أن «تأيب».
وغير «أيوب» من الأعلام كثير، حتى لتظن أن من أعلام التوراة والإنجيل من لم يسموا حتى أسنوا، ولكنها ألقاب وأسماء شهرة كما مر بك.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/137]
على أن الشهرة كالاسم تمامًا، علم على صاحبها عُرِف به. وهذا يوضح لك لماذا يفسر القرآن أحيانًا العلم المقصود بشهرة صاحبه، فيظن الجاهل أن القرآن أخطأ ولم يصب، كما في شاءول وطالوت، ولكن القرآن المعجز لا يترك مثل هذا الجاهل على وهمه، وإنما هو يلم في ثنايا الآيات بما ظن الجاهل أنه جهله أو غفل عنه، فيصوره لك بمعناه، حتى ليخيل إليك أنه ينص عليه نصًا. بل ربما «شخص» لك القرآن العلم المقصود دون أن يتقدم له ذكر في سياق الآيات، وكأنه يكنى عنه، فتفهم اسم من ذا الذي يعني.
ولكن هذا بعض أساليب القرآن في تفسير أعلامه الأعجمية، تلك الأساليب التي ننتقل إليها الآن).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/129-138]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir