دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 16 ربيع الثاني 1443هـ/21-11-2021م, 10:38 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(3) أسباب سكوت علماء بني إسرائيل عن أخطاء المفسرين في بيان معاني أعجمي القرآن:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (3)
يكثر في العبرية – كما في الآرامية – التسمية بالفعل المضارع مسندًا إلى المفرد الغائب، لا يعنون منها الفعل، وإنما يقصدون منها اسم الفاعل، وكأن «يقول» بمعنى «قائل» و«يسمع» بمعنى «سامع». ومن هنا كثرة العلم العبراني المبدوء بياء المضارعة، ومثال ذلك «يصحاق» (إسحاق في القرآن) مضارع الفعل العبراني «صحق» (وهي ضحك بالعربية)، التي لا يقصد منها الفعل «يضحك»، وإنما يقصد منها اسم الفاعل من «ضحك»، أي «الضاحك»، وهذا هو اسم نبي الله إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، وقد سمى العرب بمعناه على المبالغة، فقالوا «الضحاك».
وللتسمية بالفعل المضارع نظير باق في العربية، تجده في أمثال «يزيد» و«يثرب» و«ينبع». والأصل في هذا أن الفعل المضارع يتضمن معنى الاستمرار، فيصلح للحال كما يصلح للاستقبال، والتسمية به تسمية على التيمن والتفاؤل، أي «يضحك» وسيظل، فهو ضاحك وضحوك.
وقس على ذلك أمثال «يعقوب» ومعناها العاقب، و«يوسف» بمعنى يزيد.
والذي يستوقف النظر هو سكوت «علماء بني إسرائيل» الذين عاصروا القرآن وعايشوا مفسريه إبان الدولتين الأموية والعباسية عن «تصويب» ما وقع فيه بعض
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 91]
هؤلاء المفسرين الذين تصدوا بغير علم – ولا سند من قرآن أو سنة – لتفسير معاني الأعلام الأعجمية في القرآن – وخاصة أعلام أنبياء بني إسرائيل وكلها عبراني – بالعربية وحدها، فقالوا على سبيل المثال إن إسحاق من «السحق»، ويوسف من «الأسف»، ويونس من «الإيناس»، في حين أن أبسط علم بالعبرية – ناهيك بيهودي من أهلها – يكفي كي تعرف أن يونس يعني حمامة، وأن يوسف يعني يزيد، وأن إسحاق يعني ضحوك، لا سحق ثم ولا انسحاق.
وربما بلغ بك العجب وقد علمت أن من علماء بني إسرائيل هؤلاء من أسلم على عصر الرسول حقًا وصدقًا فحسن إسلامه، بل ومنهم من زكاه الحق تبارك وتعالى فقال فيه: {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم} [الأحقاف: 10] كما قال عز وجل: {أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل} [الشعراء: 197].
فكيف سكت أمثال هؤلاء عن هذا العبث، وهم من هم في العلم بالعبرية التي يتدارسون بها التوراة؟
يدفع هذا الاعتراض أن تفسير أسماء الأنبياء لم يثر على عهده صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثر عنه في المسألة حديث صحيح، وإذن فلم يكن بأمثال ابن سلام ومن في طبقته ورتبته حاجة إلى الرد أو إلى التصويب.
أما من جاءوا من بعدهم، من يهود أسلموا فحسن إسلامهم، أو يهود أسلموا تقية ولما يدخل الإسلام في قلوبهم، أو يهود ظلوا على يهوديتهم، فهؤلاء وأولئك فِرَق: الفرقة الأولى مسلم حسن إسلامه فانقطعت صلته بتوراته وعبريته، والثانية يهودي أسلم على دَخَل يريد أن يترك وشأنه لا يزن بريبة فيبرأ من توراته ومن عبريته، لا يسمع له في المسألة قول وإن علم، والثالثة يهودي في دار إسلام انقطعت صلته بالعبرية ولم تنقطع بالتوراة، ولكنه لا يعلم التوراة إلا «أماني» أي تلاوة فحسب، ولا يفقه كثيرًا مما يردده في صلواته وأذكاره، شأن مسلم فلبيني لا يعرف من العربية إلا «الفاتحة» التي لقنها في طفولته ليقرأ بها في صلاته، أو شأن قبطي في مطلع القرن الرابع الهجري لا يفهم إلا العربية وحدها يقرأ في صلواته من إنجيله اليوناني. مثل هذا ينأى بنفسه عن مواطن الزلل فيحاذر الخوض فيما لم يعد له به علم.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 92]
أما الفرقة الرابعة، المعنية باللوم، أو المعنية بالتساؤل، فهم أحبار اليهود، ورؤساء الملة، المتضلعون من العبرية ومن التوراة، المتقنون العربية كأبنائها ومثقفيها. لماذا سكتوا؟
أفلم يكن من بينهم من يعلم أن يوسف ليست من الأسف وإنما هي بمعنى «يزيد»؟ أو ليس تفسير اسم يوسف واردًا بنصه العبراني على لسان والدته «راحيل» حين وضعته: «وتقرا إت – شمو يوسف ليمر يوسف يهوا لي بن أحير» (يعني) ودعت اسمه يوسف قائلة يزيدني يهوا ابنا آخر، أي سميته يزيد ويزيدني الله ابنا آخر؟ (تكوين 30/24).
هل سكتوا يأسا أن يصدقهم أولئك المفسرون، وقد وصم القرآن آباءهم من قبل بالكذب على التوراة؟
أم سكتوا ضنا بعلمهم أن يعينوا أولئك المفسرين على تصويب أخطائهم، أي سكتوا ضغنا على الإسلام وأهله أن يمنعوا من اللغو في قرآنهم؟
أم لم تكن لمفسري القرآن وأصحاب السير صلة بأحبار يهود؟
كيف، وقد نقلوا عنهم ما نقوله من «إسرائيليات» واضحة الزيف، ليس أقلها ما يروى عن «كعب الأحبار» من قوله في سورة «آل عمران»: اسمها في التوراة طيبة فلا تدري – وليس في التوراة من هذا شيء – أساءت طوية كعب فقالها تملقًا وتدليسًا، أم قالها تعالما بما لا يعلم؟
قل في هذا أو ذاك ما شئت، فقد كان من هؤلاء الأحبار مخلص ليهوديته، باقٍ على وهمه، القرآن عنده مدسوس كله على الله عز وجل، حبذا لو لغا فيه بعض أهله، ولكنه يئس من مناطحة القرآن بالتوراة أو لعله جبن، فانصرف على توراته لا يسمع منه قول في غيرها. وكان منهم أيضًا الذي كاد للقرآن وأهله، بكتمان ما علمه الله، أو بالتزييف على التوراة، آمنًا ألا يفضحه مسلم يجهل العبرية ويصدف عن مطالعة التوراة. وكان من هؤلاء الأحبار أيضًا – لا نشك في هذا – أولئك الذين وصفهم الحق تبارك وتعالى بقوله: {لا يعلمون الكتاب إلا أمان}.
أما الذي يجب أن تعلمه أنت وتطمئن إليه، فهو أن التوراة عصر تصنيف تفاسير القرآن، بل وإلى عصر جد متأخر، لم تحظ ببحث لغوي نقدي تحليلي جدير بهذا الوصف، وأن الذين ضربوا بسهم موفور في هذا البحث كانوا – على عكس ما
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 93]
قد تظن – مسيحيين مؤمنين أو ملحدين يرون جميعًا أن التوراة جزء لا يتجزأ من كتابهم المقدس، على خلاف ما بينهم في التفسير بالهوى أو بالعقيدة.
ولكن القرآن سبق ففصل.
ليس «يوسف» من الأسف، وليس بالضرورة «يزيد»: القرآن يدلك على معنى آخر لاسم هذا النبي الكريم، الذي ائتمر به أخوته فكان «ضيف» الله في «الجب»، وكادت له النسوة والتي هو في بيتها فكان «ضيف» الله في «السجن». وشاء عز وجل – بيوسف – أن يوطئ لبني إسرائيل في مصر كي يخرج من بينهم – وليس شيء على الله بعزيز – من ينشأ في بلاط طاغوت علا في الأرض، يتخذه ولدًا ليكون له من بعد عدوًا وحزنا: يلتقط موسى من اليم ليدسه موسى في ظلمات اليم الأعظم، بعد أن أقام الله عليه الحجة: ما كان لرسالة موسى عليه السلام أن تولد في قصر فرعون لو لم يأت الله بيوسف من قبل «ضيفا» على مصر عند ملك يستخلصه لنفسه فيقيمه على خزائن الأرض، ويستأذن يوسف الملك فيأذن له في الإتيان بأهله إلى مصر جميعًا، ليتم الدور المقدور لهذا النبي الكريم: «ايواء» بني إسرائيل أو «حضانتهم» في مصر إلى حين، فتنة لفرعون سيأتي حينه، وإرصادًا له بنبي مصري، من ذرية إبراهيم الآرامي – العبراني، عبر إسحاق، كما سيحدث بعد نحو ألفي سنة أو أقل، بنبي عربي من ذرية إبراهيم أيضًا، عبر إسماعيل، صلوات الله وسلامه على رسله وأنبيائه، يهدم به الله الطواغيت أجمع، على فارق في مدى ما بين الرسالتين عظيم.
نعم، كان يوسف عليه السلام «ضيف» الله في مصر، وكان عليه السلام أيضًا لبني إسرائيل في مصر «الآوى» المضيف.
وتندهش إذ تعلم – كما سترى – أن اسم النبي يوسف عليه السلام الذي ينطق في العبرية بكسر السين، يعني أيضًا، بنفس النطق في العبرية، «الآوي» المضيف.
فأي إعجاز، وأي علم!
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 94]
على أنك قد تلتمس العذر لأولئك المفسرين الذين اعتمدوا في تفسير أسماء أنبياء بني إسرائيل على المعجم العربي وحده، فالتشابه القوي بين جذور اللغتين من نفس الفصيلة – أي بين العربية والعبرية على ما مر بك – قمين بالاشتباه، إن تصب مرة فقد أخطأت مرات. لا يكفي أن تكون لفظة «عين» العربية هي نفسها «عين» العبرية – الآرامية، كي تقرر دون تثبت، ودون الرجوع إلى المعاجم العبرية – الآرامية، أن اسم زوج إبراهيم عليهما السلام «سارة» من السرور، أو أن اسم نبي الله «نوح» عليه السلام من النواح، أو أن اسم «يوسف» عليه السلام مشتق من الأسف على نحو ما قال بعضهم، كما مر بك. نعم، قد أصابوا في أن «يعقوب» من العاقبة، وهو صحيح، ولكن ما كل مرة تسلم الجرة كما يقول المثل.
وأنا أيها القارئ العزيز – إن كنت لا تعرف عبرية التوراة أو يونانية الأناجيل بما في هذه وتلك من أعلام آرامية بل ومصرية أحيانًا – لا أريد لك أن يفوتك شيء من حلاوة بحث أريد أن أحبره لك تحبيرًا: أريد منك أن تشترط علي توثيق ما أحدثك به، فلا أكيل لك القول جزافًا آمنًا ألا تكشف زيفي، لأنك لا تعلم شيئًا من أمر تلك اللغات التي ذكرت لك. ليس هذا من العلم في شيء، وإنما هو من التدليس، كمن قال لك إن «إبراهيم» تعني «الأب الرحيم» لمجرد أنه يرى أن «رحيم» العربية تقابل «رهيم» في الآرامية، ولا تملك أن ترد عليه، فهي كما قال، لأنك لا تدري ما الخطأ وما الصواب في لغة لا تفهمها، ولا علم لك بأن «رهيم» هذه لا وجود لها في الآرامية، ولا في العبرية كذلك، وأن «الرحمة» في هذه وتلك جميعًا، بالحاء لا بالهاء، كالعربية تمامًا. كان على مثل هذا القائل أن يدلك علام استند في اشتقاق تلك اللفظة التي ابتدعها في الآرامية، أو على معجم آرامي وجد جذرها فيه، أو على موضع في التوراة (أو ترجمتها العربية) يفسر معنى «إبراهيم» بالأب الرحيم. مثل هذا القائل الذي لا يحترم عقلك لا يصح أن توليه ثقتك، بل عليك أن تكون منه دائمًا على حذر في كل ما يقوله لك. بل ما أدراك أن «إسحاق» هي «يصحاق» أو أن «يصحاق» تعني «الضحوك»، أو أن «يونس» هي «يونا» وأن «يونا» يعني «حمامة»، إلى آخر ما دبجته لك أنا فيما سبق وأمثاله مما سوف يلي؟ لا تقبله مني إلا إذا وثقته لك، ورجعت بك معي إلى مراجعي فيه.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 95]
فأنا لا أرضى لك متابعتي متابعة صماء فيما أحدثك به، فتسلم لي بكل ما أقول، تاركًا العهدة علي فيما أقصه عليك. ولا أرضى لك أيضًا أن تقفز على التفاصيل سريعًا إلى نتيجة تشبع لديك فضولاً ربما استثاره عنوان هذا الكتاب، أي إلى معرفة مجملة لمعنى العلم الأعجمي في القرآن – أشخاصًا ومواضع – غير مبال بالاشتقاق والتأصيل وكأن هذا أو ذاك لا يعنيك. إن فعلت، فسوف يفوتك الكثير، لأن هذه التفاصيل لا تخلو من أسرار هذا اللون من إعجاز القرآن الذي أريد أن أدلك عليه.
ثق أنني لن أشق عليك بعون الله. عليك فقط بالتؤدة والأناة، وأنا ضامن لك بإذن الله ألا تمل.
على أن القرآن لا يكتفي بتفسير أعلامه الأعجمية – موضوعنا في هذا الكتاب – ولكنه يفسر أيضًا اللفظ العربي الأصيل المجعول في حكم العلم من مثل «الملك» واحد الملائكة صلوات الله عليهم، أو من مثل «الشيطان»، إبليس اللعين، مما تفاوت اللغويون العرب في تحديد أصل اشتقاقه في العربية، ومن ثم تفاوتوا في تأصيل معناه، لا يقطعون فيه بيقين. ولكن القرآن سبق فحسم الخلاف، وأصل المعنى.
من ذلك ما تلاحظه من تردد المعجم العربي في اشتقاق لفظة «الملك» واحد الملائكة، أو مطلق جنس الملائكة، هل هو من «المُلْك» و«الملكوت»، أم هو من «الإلاكة» و«الملأكة» إن كانت الأولى فهو الملك المملوك، وإن كانت الثانية فهو الرسول المرسل.
أما «الملك» في القرآن فهي تسمية بالمصدر الميمي «مَفْعَل» من الجذر لأك ومقلوبة ألك، فهو «الملأك» على المصدر، بمعنى الرسالة والرسول، سهلت فيها الهمزة فصارت «الملك». وهي نفسها على التطابق في الآرامية والعبرية، بل وفي الحبشية أيضًا، ملاك، بإثبات الهمزة وتسهيلها وتنطق في الآرامية والعبرية بالخاء: «ملآخ» و«ملاخ» لتحرك ما قبل الكاف كما مر بك. وعبرية التوراة لا تفرق بين «ملآخ» و«ملاخ» لتحرك ما قبل الكاف كما مر بك. وعبرية التوراة لا تفرق بين «ملآخ» بمعنى «الملك» وبين «ملآخ» بمعنى «الرسول». وإنما هما فيها واحد، كما تجد في سفر حجاى: ويمر حجاى ملآخ يهوا بملأخوت يهوا،
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 96]
أي: «وقال حجاى رسول الله برسالة الله» (حجاي 1: 13) فتفهم أن «ملآخ» و«ملأخوت» العبريتين بمعنى الرسول والرسالة، لا «الملك» أو «الملكوت».
الملك والرسول إذن واحد في أصل معناهما، ولكن عربية القرآن تخصص لفظ الملك لرسل الله من أهل السماء، تفرقة بينهم وبين رسل الله من أهل الأرض، صلوات الله وسلامه على ملائكته وأنبيائه. ولعلك تلمس هنا الدقة البالغة لهذا القرآن من نصه في سورة الأحزاب على «خاتم النبيين» ولا يقول «خاتم الرسل»، ليس فقط اكتفاء بدلالة العام على الخاص كما مر بك، وإنما وبالأخص لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما خُتمت به الرسل من أهل الأرض فحسب، ولا ختام لرسول الله من أهل السماء أي الملائكة صلوات الله عليهم، لأن الرسالة بهم في ملكوت السموات والأرض لا تنقطع.
أما أسلوب القرآن في النص على أن «الملك» معناها «الرسول»، فهو التفسير بالترادف على التجاور، كما تجد في قوله عز وجل: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} [الإسراء: 95] في مقابل قوله عز وجل: {قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} [الإسراء: 93]، وقس على ذلك قوله عز وجل: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} [الحج: 75]، وإبدال «الرسل» من الملائكة مطلقًا، أي إثبات «الرسل» في موضع الملائكة، في مثل قوله عز وجل: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]، {قل الله أسرع مكرا * إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} [يونس: 21]، {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} [هود: 69]، {ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا} [هود: 77] إلخ، والرسل في هذا كله تعني الملائكة بلا خلاف.
أما لفظة «الشيطان» علمًا على إبليس اللعين، فقد اختلف اللغويون والمفسرون في نونه هل هي زائدة فتكون «شيطان» على وزن «فَعْلان» من شاط يشيط شَيْطا أي احترق، حُكْما على الرجيم بمآله، أم هي أصلية فتكون «شيطان» على وزن «فَيْعَال» من شَطَن يشْطُن شُطونا، أي بعد فهو الخاسئ المبُعد، أو شطنه شَطْنَا أي ناوأه وخالفه في القصد والوجهة، فهو المناوئ المعاند؟
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 97]
والصحيح – بمقتضى «النحو» وحده – أنها «فيعال» من شطن، وليست «فعلان» من شاط، لأن «فعلان» كما تعلم يمتنع تنوينه، و«شيطان» مصروفة في كل القرآن، منونة بالألف نصبًا، ف يمثل قوله عز وجل: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قري} [الزخرف: 36]، فهو الخاسئ المبعد المناوئ المعاند.
أما «سطن» العبرية – الآرامية، ومنها «ساطان»، أي «شيطان» العربية، فهي في العبرية – الآرامية بمعنى المناوئ المخاصم، أي العدو. والعداوة في العربية من المعاداة، أي المباعدة والمناوأة والمخالفة، ومنها «العدوة» أي شاطئ الوادي وجانبه، تقف فيه قُبالة الواقف في «العدوة» الأخرى.
ولأن «الشيطان» عند الجاهليين لم يكن علما على إبليس اللعين، وإنما كان مرتبطًا في ذهنهم الوثني بنقيض معناه اللغوي، فكان عندهم بمعنى المُوالي المعين على الإتيان بالأمر العبقري أو الطريف المعجب، كما تجد في مثل «شيطان» الشعر وغيره، فقد رده القرآن إلى أصل معناه في اللغة، أي العدو المناوئ المخالف.
أما أسلوب القرآن في تفسير الشيطان بالعدو، فهو إيراد اللفظتين على التجاور في أكثر من آية: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة: 168، 208]، {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} [يوسف: 5]، {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو} [الكف: 50]، {قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين}[القصص: 15]، {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} [فاطر: 6]، {أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} [يس: 90]، {ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين} [الزخرف: 62]. وغيره كثير.
لو التفت اللغويون والمفسرون إلى هذا التنصيص القرآني على معنى «المَلَك» ومعنى «الشيطان» لما ترددت فيهما المعاجم، ولما تخبط المتحذلقون المتفيهقون.
ولكن ... لم يفطن إلى هذا من اللغويين والمفسرين أحد.
هذا الجناس المعنوي المفسر، إعجازٌ مقصود.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 98]
وكما فات هذا الإعجاز مفسري القرآن من أهله، فقد اعتجم أيضًا على أدعياء الاستشراق المتطفلين على مباحث اللغة، الذين وهموا أن القرآن – على أصالة لفظي «المَلَك» و«الشيطان» في العربية – استعارهما رأسًا من «التوراة» على العلمية المجردة من المعنى في «ملآخ» و«ساطان».
ولكنك لا تستكثر شيئًا على مرضى الهوى والغرض. أما إن أضفت الجهل والجهالة، فحدث ولا حرج: قد قالوا مثله في «فرقان» و«صديق» و«طهارة» و«صدقات» و«زكاة»، بل وفي «سلم»، ناهيك برب العالمين. هذا كله صغار يضلون به القارئين لهم، وما يضلون إلا أنفسهم. فأولى لهم، ثم أولى لهم).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 91-99]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir