دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1443هـ/21-11-2021م, 10:31 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,754
افتراضي

(4) تلقيح اللغات بعضها البعض؛ عوامله وآثاره
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (4)
تحدثنا فيما سبق عن أوجه التقابل والتغاير بين العربية والعبرية داخل الفصيلة السامية، وما ذكرناه بشأن العربية والعبرية ينطبق في جملته، مع بعض تفاوت، على ما بين العربية والآرامية، وعلى ماب ين الآرامية والعبرية تلك اللغات السامية الثلاث الألصق بموضوع هذا الكتاب. ما أردناه هو التمثل لوجوه التقابل والتغاير بين أفراد الفصيلة اللغوية الواحدة، التي تجعل إحداها كلامًا أعجميًا في سمع أهل اللغة الأخرى من نفس الفصيلة، وفيما ذكرناه كفاية. بل قد أطنبنا إطنابًا نعتذر لك عنه أيها القارئ العزيز، وعذرنا أن الإفاضة بعض الشيء في المقارنة بين العربية والعبرية بالذات، تفيدنا في استجلاء «عجمة» العلم العبراني الذي نتصدى له فيما يلي من فصول الكتاب.
هذا التقارب، والتغاير أيضًا، بين أفراد فصيلة لغوية معينة، ولتكن الفصيلة السامية، داخل أسرة لغوية معينة، ولتكن أسرة اللغات الإفريقية – الآسيوية، يدلان على أن التقارب قد كان منشؤه التجاور في الزمان والمكان حقبة من الدهر بين أبناء الفصيلة اللغوية الواحدة، لأن اللغات تُتَعلم بالمحاكاة والتقليد، وهذا لا يتسنى إلا في بيئة معيشية مشتركة.
على أن التقارب – وهو دون التطابق – يفيد بذاته وجود مغايرة بقدر ما بين اللغتين من ذات الفصيلة، لا يمكن تفسيره إلا بحدوث انفصال بيئي بنفس القدر بين أبناء هاتين اللغتين تعرضت إحداهما خلاله – بالمحاكاة والتقليد أيضًا – لتأثيرات لغوية من حضارات مجاورة، أو غزوات لغوية – حضارية شنها أقوام يتحدثون غير اللغة. ليس هذا فحسب. بل إن هذا الانفصال البيئي ربما صاحبه انفصال حضاري في اتجاه
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 67]
مغاير، استتبع تطور اللغة في اتجاه مغاير لتطور اللغة التي انشقت منها، فتتباعدان إلى حد التعاجم.
ذلك أن اللغات، بغض النظر عن الغزو اللغوي – الحضاري، لا تثبت قط على حال، بل تنمو وتتحور أيضًا، لا بفعل المؤثرات الخارجية وحدها، وإنما أيضًا بفعل ارتقاء – أو ارتكاس – الحضارة الذاتية لأبناء اللغة: تنتعش الحضارة فتغنى اللغة، وينضب معين الحضارة فتذوى اللغة أو تموت. والأصل في هذا أن الألفاظ أوعية المعاني، تمامًا كما أن الجسد وعاء الروح: لا يولد في اللغة لفظ جديد إلا متلبسًا بمعنى جد لأهل اللغة.
والحضارة التي يصيبها العقم فلا تتطور ولا تُبدع ولا تبتكر، تعقم لغة أهلها أيضًا فلا تولد فيها الفاظ جديدة لمعان ومسميات جديدة سبقهم إلى الوقوع عليها أبناء الحضارة الغالبة، أصحاب الحق الأول في تسمية ما يكتشفونه ويبتدعونه. وبقدر ما تتهجن الحضارات التوابع، تتهجن اللغة، لأن اللغة التي عقمت بعقم حضارة أهلها لا تجمد مفرداتها فحسب على ما جمدت عليه حضارتهم، ولا تضمر مفرداتها فحسب وتشيخ، وإنما يهجرها أهلها أيضًا إلى ألفاظ «أعجمية» تلتوي بها ألسنتهم، هي تلك الألفاظ التي اصطنعها أصحاب الحضارة الغالبة لما استحدثوه أو تطوروا إليه من أنماط حياة وأدوات حياة.
وعيبُ اللفظ المنقول على أصله الأعجمي إلى اللغة المستعيرة أنه ليس دالاً بذاته على أصل معناه في لغة المنقول عنهم، فيلتبس على غير المتخصص من أبناء اللغة المستعيرة، وربما استخدم في غير ما وضع له. يحدث هذا بالتحديد في ألفاظ «المعاني»، أي الألفاظ الدالة على الفعل وهيئة الفعل، من مثل «الاستراتيجية» و«الديمقراطية»، إلخ، في اللغات المعاصرة، مما ليس له مقابل مادي خارج الذهن، يوضحه ويجليه ويذكر به، أكثر مما يحدث في أسماء الأشياء والمنتجات والمصنوعات والعُدد والآلات والمكتشفات والمخترعات التي سبقت غليها الحضارة الغالبة مثل «الرادار» وغيره، مما له خارج الذهن مقابل مادي يوضحه ويجليه ويذكر به.
أما اللغة التي تستعير من غيرها معاني الأفعال وأسماء الأفعال، فهي لغة قد عقم تفكير أهلها وضحل، ينتظرون من غيرهم أن يفكر لهم، ثم يأخذوا عنه أخذ الببغاء والقردة، فيزدادوا تبعية ويمعنوا ارتكاسًا، لغة أهل الحضارة الغالبة هي المثل
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 68]
على تطور اللغة بتطور الحضارة الذاتية لأبناء اللغة، ولغة الحضارة التابعة هي المثل على تحور اللغة بتأثير الغزو اللغوي – الحضاري.
ولأن الألفاظ هي أوعية المعاني، تمامًا كما أن الجسد وعاء الروح، تستطيع أن تقول إن المعاني يتوالد بعضها من بعض بقدر ما تتوالد الألفاظ بعضها من بعض، أي بقدر ما تكون اللغة قادرة على نحت الألفاظ واشتقاق اللفظ من اللفظ.
وتستطيع أن ترتب على هذا – مصيبًا غير مخطئ – أن اللغة الأغزر ألفاظًا أو الأقدر على نحت جذور الألفاظ، هي اللغة الأقدر على توليد المعاني، وأنها اللغة الأدق عبارة، الأوضح فكرة، الأطوع لتشقيق المعاني، الأقوى على التخيل والإبداع، الأملك لعنان الفكر، الأثبت في وجه الغزو اللغوي – الحضاري.
ولأن الحروف – أي الأصوات – هي لبنات الألفاظ، تستطيع أن تقول إن اللغة الأقدر على نحت جذور الألفاظ، هي اللغة الأكثر احتواء لكافة الأصوات المفردة الممكنة، أي الأوفر أصواتًا وحروف نطق.
وتستطيع أن تضيف إلى هذا أن اللغات الصرفية ذوات الأوزان، كما هو الحال في اللغات السامية، وأمها العربية، هي وحدها – دون اللغات الغروية – الأقدر على تمثل الألفاظ الأعجمية وهضمها، لأنها – وبالذات اللغة العربية – لا تقبل اللفظ الأعجمي على صورته في لغته، وإنما تعربه فتجانس بين حروفه على مقتضى مخارج أصواتها، ثم تقولبه في قوالبها وتصبه في أوزانها، ثم تشتق منه، وتتصرف فيه، حتى يبدو اللفظ الأعجمي لغير المتخصص وكأنما ولد عربيًا لأب عربي.
واللغة العربية في هذا كله – دون سائر اللغات – فرس لا يداني، لأنها الأكثر حروفًا، الأغزر جذورًا، الأوفر أوزانًا، الأضبط نحوًا موازين صرف. ولكنها أيضًا – ولنفس الأسباب – اللغة الأقمن باشتباه الأعجمي فيها بالعربي، لأن اللفظ المنقول إليها ذابت عجمة معناه في عروبة صورته بعد تعريبه.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 69]
على أن النقلة العرب في العصر الحديث، لا سيما في نصف هذا القرن الأخير، لم يلتزموا قواعد التعريب التي تقتضيها أوزان اللغة العربية ومخارج أصواتها: عربوا «الخط» ولم يعربوا «اللفظ»، فأساءوا ولم يحسنوا. وقد مهد لهذا – رغم جهود محو الأمية ونشر التعليم في عصرنا – شيوع العامية وتراجع الفصحى على الألسنة، لا في لغة الحديث اليومي فحسب، بل وفي الخطابة وفي الإذاعة والتلفزة، حتى استجازتها الصحف فتسللت إلى أقلام أهل الفكر والفن والأدب، وحتى أصبح استيعاب قواعد النحو والصرف والإعراب وتعلمها وتعليمها، على بساطتها في العربية وانضباطها، مشكلة كبرى لجمهرة المثقفين أنفسهم، فما بالك بغيرهم؟
بمثل هذا – وقد بدأ بالفعل – تستحيل اللغة رطانة شائهة هجينة، تعتجم على القائل والسامع. والذي تشوه لغته وتعتجم لا يحسن القول ولا يحسن الفكر، ومن ثم لا يحسن التلقي ولا يحسن العمل. لأن اللغة ليست أداة التعبير فحسب، ولكنها أيضًا – وبالدرجة الأولى – أداة العقل والفكر.
والغريب أن دعاة «التحضر» في هذا العصر، لا يُعيرون هذه «القضية الحضارية» التفاتًا. والأعجب أن دعاة القومية «العربية» في هذا العصر – واللغة العربية عنصرها الأول والأهم – هم دعاة «التغريب» أيضًا. ويا له من تناقض!
على أن اللغة العربية – والقرآن كافلها وكفيلها – أكرم على الله عز وجل من أن تهان، وأسمى من أن تبتذل، وأقوى من أن تهزم، وأخلد من أن تبيد.
تلك كبوة حضارية عابرة، ليست القاصمة. وكم صادف أهل القرآن كلما تنكبوا صراط القرآن كبوات.
لن تقوم الساعة حتى يتلى القرآن عربيًا فلا يفهم، ويدعى به فلا يستجاب.
فهل آن لأهل القرآن أن ينتبهوا من غفلتهم، فيردعوا سفهاءهم؟
قال صلى الله عليه وسلم يأمر أهل القبلة: «أيها الناس، إن لكم معالم، فانتهوا إلى معالمكم» .
نعم. لا علاج لهذه القضية الحضارية إلا العلاج الحضاري الشامل. وهو لهذه
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 70]
الأمة – كما كان لها في كل زمن – عودة أهل القبلة إلى قبلتهم، أي ثوبان المسلمين إلى قرآنهم الذي اتخذوه اليوم وراءهم ظهريا ...
فالآن الآن ... وإلا فلا.
أما كيف السبيل وما المنهج، فالحديث في هذا يطول، ليس موضعه بالطبع هذا الكتاب، وإنما عليك به في كتاب آخر «مدققًا مفصلاً» ولنرجع نحن الآن إلى ما كنا فيه قبل هذا الاستطراد، لنصل ما انقطع).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 67-71]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir