دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 11:21 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(39) اليهود:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (39) اليهود
يزعم اليهود (وهي «يهوديم»، «يهودييم» في العبرية و«يهودائين» في الآرامية)، وتنطق دالها في العبرية والآرامية ذالاً، أنهم سموا هكذا نسبة إلى «يهوذا» ابن يعقوب. ولا يصح هذا وإن قاله العبرانيون أنفسهم وتابعهم عليه الخلق أجمع.
لا يصح هذا لأنك لا تتصور أن يتسمى اليهود باسم ابن لأبيهم يعقوب، وأبوهم حي بعد، لم يذهب ببنيه وحفدته إلى مصر في ضيافة يوسف، وقد كانوا في مصر «بني إسرائيل» فحسب، وإسرائيل كنية يعقوب أبي يهوذا وأبيهم. وإذا استجزت النسبة إلى ابن لأبيهم، فلماذا «يهوذا» بالذات وليس هو بكر أبيهم، وإنما بكرهه «رأوبين» على ما مر بك، ولماذا حظى «يهوذا» بهذا الشرف من دونهم وفيهم «يوسف» صاحب الفضل وولي النعمة؟ وإذا لم يتسموا نسبة إلى «يهوذا» في مصر، فكيف ينتسبون إليه وحده في التيه وهم إثنا عشر سبطا أحدهم فحسب سبط يهوذا؟ ولماذا لم ينتسبوا في التيه – إن أرادوا بركة النسب – إلى سبط لاوي، سبط موسى وهرون، لا سيما و«لاوي» هو الثالث في ترتيب أبناء يعقوب و«يهوذا» الرابع؟ وكيف ينتسبون في التيه إلى «يهوذا» وموسى بين ظهرانيهم وموسى «لاوي» لا «يهوذي»؟ أفقد انسل من بينهم موسى؟ فما اليهود أجمع إ ن لم يكن منهم موسى؟ أفهل تسموا بهذا الاسم بعد موت موسى ودخولهم في بعض نواحي فلسطين بقيادة يشوع فتى موسى؟ فكيف يصح هذا وقد تفرقوا فيما بينهم أسباطا كل سبط في مساكنهم؟ وكيف يصح إطلاق هذا الاسم عليهم جميعا بعد افتراقهم مملكتين: مملكة يهوذا في الجنوب ومملكة إسرائيل في الشمال، تضم الأولى سبطى يهوذا وبنيامين، وتضم الأخرى العشرة الأسباط الباقية من بني إسرائيل؟ بل كيف جاز للآرامين أن يسموهم جميعًا «يهودائين»؟
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/118]
تُرَى، ما سر تلك الحظوة التي كانت ليهوذا بن يعقوب في تاريخ اليهود؟
السر كله هو أن كتبة «التوراة» يكتبون أسفارهم في ظل بيت داود الملك، وداود وسليمان من سبط يهوذا.
تقرأ هذه في الترجمة العربية للإصحاح التاسع والأربعين من سفر التكوين، حيث يضع الكاتب على لسان يعقوب تفضيل يهوذا على كل إخوته وإن كان فيهم يوسف، فيبدأ بتنحية الأسن منه، رأوبين وشمعون ولاوي: رأوبين لأنه دنس مضجع أبيه (يريد أنه نكح ما نكح أبوه من قبل وينسى ما سجله على يهوذا الذي زنا بأرلمه ابنه ثامار فاستولدها من هذا الزنا ابنه «فارص»، ينسى هذا عمدًا لأن فارص هذا من آباء داود الملك على عمود النسب المباشر إلى يهوذا). أما شمعون ولاوي فلأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا وفي رضاهما عرقبا ثورا. فيعقوب لهذا يفرقهما في إسرائيل. ويجيء دور «يهوذا» فيعطيه يعقوب كل شيء: «إياك يحمد إخوتك. يدك على قفا أعدائك. يسجد لك بنو أبيك»، «لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه (يعني لا يزال من نسله الملك والمشترع) حتى يأتي شيلو ويكون له خضوع شعوب». وقد كذبت النبوءة أول ما كذبت، في أول ملك ملك على بني إسرائيل، وهو الملك شاؤول (طالوت في القرآن)، وشاؤول من سبط بنيامين لا من سبط يهوذا، ولكن داود الذي من سبط يهوذا ورث شاؤول، وهذا هو سر اجتماع سبطي يهوذا وبنيامين في مملكة يهوذا من بعد داود وسليمان ولم يستقر الملك لبيت داود كما تنبأ الكاتب على لسان يعقوب، فلم يملك رحبعام بن سليمان بن داود حتى انشقت عليه الأسباط العشرة وانفصلوا وحدهم بمملكة إسرائيل، لم يتركوا له إلا سبطي يهوذا وبنيامين. بل إن هذا الملك المحدود لم يستقر لبيت داود كما تنبأ الكاتب، بل تراوح على بيت داود ملوك من أصحاب مملكة إسرائيل، ملكوا على يهوذا وإسرائيل كلتيهما. أما «شيلو» المتنبأ له بخلافة سبط يهوذا في الملك والاشتراع (أي الملك والنبوة) والذي يكون له خضوع شعوب، فقد طال انتظاره، حتى جاء البابليون فقضوا على هذا وذاك، ولم يبق من بيت داود إلا ذكريات وأشجان.
أيا ما كان المر، فقد تأثر أحبار اليهود من بعد هذا الكاتب بنبوءة استقرار الملك والاشتراع (أي الملك والنبوة) في بيت داود الذي من سبط يهوذا كما تنبأ الكاتب
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/119]
على لسان يعقوب، فاشترطوا أن يكون المسيح المنتظر من نسل داود الملك، لأنهم أرادوا، أو تمنوا، أن يكون المسيح ملكًا نبيًا على مثال داود وسليمان، يستردون به العزة الضائعة بعد سبى بابل، وكيلا يزول الملك والاشتراع عن سبط يهوذا كما قالت النبوءة، لا يعبئون بـ «شيلو» هذا من يكون.
وكما تأثر أحبار اليهود بهذه النبوءة، فقد تأثر بها أيضًا «متى» و«لوقا» في إنجيليهما، بحرصهما على تأكيد أن المسيح عيسى ابن مريم هو نفسه المسيح الذي ينتظره اليهود، أي أنه المسيح بن داود، ينسبان كلاهما المسيح عليه السلام إلى داود – لا عَبْرَ والدته مريمَ عليها السلام فهي من سبط لاوي، سبط موسى وهرون، السبط الذي نبذه الكاتب على لسان يعقوب فأعزه الله بموسى وهرون ومريم أم عيسى عليهم جميعا صلوات الله وسلامه – وإنما عبر يوسف النجار خطيبها الذي هو من سبط يهوذا، في محاولة لإقناع اليهود بأنه هو هو المكتوب عنه في «توراة الأنبياء والكتبة» وإن شوشا بهذا على عذرية مولده صلوات الله عليه، فنصا كلاهما على عمود نسب «يوسف النجار» إلى يهوذا عبر داود، وأيضًا «فارص»، المولود كما يدعى سفر التكوين من زنا يهوذا بأرملة ابنه ثامار.
وقد رذل المسيح عليه السلام هذه المقولة كما تعلم، مستنكرًا أن يكون هو ابنًا لداود، فهوي علم كما تعلم، وكما يعلم متى ولوقا والمسيحيون جميعًا، وكما شهد الله عز وجل في قرآنه المصدق المهيمن، أن المسيح عليه السلام مثله مثل آدم، مخلوق بكلمة «كن»، ألقاها عز وجل إلى عذراء لا تزن بريبة، فهو مولود بغير أب.
وقد كان لمتى ولوقا غنية عن هذا لو قالا إن المسيح هو «شيلو» الذي ينتقل إليه الملك والنبوة بعيدًا عن سبط يهوذا. وقد قال بهذا فعلاً علماء المسيحية من بعد، فأسقطوا نبوءة «شيلو» على المسيح، دون التفات إلى أن مضمون النبوءة يوجب أن يكون «شيلو» من غير سبط يهوذا، فلا يحتاج النسابون إلى الارتفاع بنسب المسيح إلى داود. وقد فسروا اسم «شيلو» هذا من الجذر العبري «شلآ» (المأخوذ من «سلا» العربي على معنى كشف الهم والغم أي السلوى والسلوان) فهو المسيح «صانع السلام» والمراد أنه عليه السلام الذي يكون به السلام: سلام المرء مع نفسه، وسلامه مع الناس. وهذا كلام جميل، يصدق في حق النبيين جميعًا دون استثناء، فبهذا جاءت كل
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/120]
رسالات السماء. وفي «شيلوا» قراءة أخرى يرجحها علماء التوراة: إنه «شلو»، يعني «الذي له» في العبرية، أي «الذي يئول الأمر إليه»، فيزداد الغموض غموضًا، شأن كل نبوءات التوراة، إلا أن تفسر «أيلولة الأمر» بمعنى «أيلولة الملك والاشتراع» التي تنبأ بها الكاتب لـ «شيلو».
ولكن المسيح صلوات الله عليه قال: ما جئت لألقي على الأرض سلامًا، بل سيفًا! وما أصدق قوله عليه السلام، فما زال الحق الذي جاء به فتنة لمحبيه وشانئيه على السواء غ الي فيه فريق وأوضع فيه فريق، وهو صلوات الله عليه من هذين براء.
أيضًا لم يملك المسيح كما ملك داود، بل قد رفع المسيح قبل أن يكون له – كما تنبأ الكاتب لـ «شيلو» - خضوع شعوب.
ليس المسيح عليه السلام هو «شيلو»، وليس هو أيضًا ابن داود.
أما نحن فنقول أن نبوة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين، تثبت بذاتها، أي بما جاءوا به وبما قالوه أو صنعوه، لا تحتاج إلى كد الذهن في تصيد النبوءات من الكتب السابقة، صدق الكتبة أو زيفوا. ونبوة المسيح عليه السلام من هذا: دليلها من ذاتها لا من خارجها، شأنها شأن النبوات من إبراهيم إلى خاتم النبيين. وهذا حسبك.
وقبل أن نتناول بالتفسير معنى اسم «يهوذا» بن يعقوب، ومعنى لفظة «يهودي» (وتنطق دالها في عبرية التوراة ذالاً كما مر بك) المقول بأنها صفة على النسب إلى «يهوذا» بن يعقوب، يحسن أن نرجع بك إلى معاجم العبرانيين أنفسهم لنستدل منها على وجوه إطلاق لفظة «يهودي» على ما نسميهم نحن الآن باسم «اليهود».
ففي المعجم الحديث لألفاظ توراة الأنبياء والكتبة (هملون هحداش لتناخ) عبري/ عبري، وهو من مراجع هذا الكتاب المتخصصة، يقول لك المعجم المذكور (ص199) إن لفظة «يهودي» تطلق على وجوه ستة هي: (1) الساكن مملكة يهوذا، (2) الذي هو من جلاء يهوذا، أي ممن أجلاهم البابليون عنها، (3) الذي هو من أصلاء يهوذا الذين بقوا بالأرض ولم يجلوا، (4) سبى صهيون الذين ليسوا بكهنة أو لاويين،
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/121]
يعني العامة من بني إسرائيل في هذا السبي خلاف الكهنة واللاويين «يسرائيليم هديوطيم»، (5) لقب اصطلاحي يطلق على من سكنوا «يهوذا»، المقاطعة الفارسية، (6) أبناء سبط «يهوذا»، فهو «اليهوذي» كما تقول «اللاوي»، «الشمعوني» إلى غيرهما من المنتسبين إلى أسباط يعقوب الإثني عشر.
يتضح لك من هذا الكلام أن «اليهودي» في عبرية التوراة ليس هو «الإسرائيلي» بإطلاق، أي أن بني إسرائيل ليسوا كلهم «يهوديم»، وإنما بعضهم فقط: الذي هو من سلالة «يهوذا» بن يعقوب، أي المنتسب إلى أبيه «يهوذا»، وهذا لا خلاف فيه ولا غبار عليه، أما الآخر فهو المنسوب إلى ارض سميت «يهوذا»، كان من سبط «يهوذا» أو لم يكن وسواء بقى على تلك الأرض أو نزح منها.
ويترتب على هذا مباشرة أن يخرج من عداد اليهود – سوى سبط يهوذا – كل أسباط بني إسرائيل الأحد عشر الأخرى الذين لم يسبق لهم سكنى «يهوذا»، بل ويخرج من عدادهم أيضًا موسى وهرون لأنهما أولا من سبط لاوي، وثانيًا لأنهما لم يريا في حياتهما أرض يهوذا، بل أرض فلسطين جميعًا، فقد ولدا في مصر وماتا في تيه سينائها.
ويترتب على قول هذا المعجم المتخصص – والقول ما قاله لا ما نقوله نحن – أن «اليهودي» على النسب إلى شخص «يهوذا» بن يعقوب، وجدت على النسب إليه منذ أن وجد ليهوذا سبط ينسب إليه، أما التسمية على النسب إلى الأرض التي ملك فيها سبطا يهوذا وبنيامين فلا تصح إلا بعد انفصال مملكة «إسرائيل» بأسباطها العشرة من مملكة «يهوذا» في أولى سنى حكم «رحبعام» بن سليمان بن داود بعد حوالي خمسة قرون من خروجهم من مصر، على ما تقرأ في «توراة الأنبياء والكتبة».
النسبة إذن عند صاحب هذا المعجم كما رأيت ليست إلى شخص يهوذا ولا تمت إلى يهوذا هذا بصلة، عدا انطباقها – حين تنطبق – على سبط يهوذا، أي أبناء يهوذا. وإنما اسم «اليهودي» عنده نسبة إلى أرض يهوذا، واليهود عنده هم مواطنو مملكة يهوذا أو من كانوا يوما ما من مواطني مملكة يهوذا منذ عصر ما بعد داود وسليمان لا شأن لهم بغيرهم من بني إسرائيل.
على أن هذا الاسم – شاء صاحب المعجم أم لم يشأ – انطبق على بني إسرائيل جميعًا في أرض الشتات، لا يعرفون بغيره، فقد اختلطت الأسباط من بعد وتمازجت
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/122]
الأنساب، لا تتوقف في تسمية جارك اليهودي أهو من سبط يهوذا أم لا، أكان من مواطني مملكة يهوذا أم لم يكن، يكفيك أنه ينتسب إلى موسى بن عمران.
وقد أصبحت «اليهودية» عند أهلها وعند غير أهلها، هي اسم الدين الذي جاء به موسى، لا اسم له إلا هذا.
ولكن نسبة هذا الدين إلى «يهوذا» بن يعقوب لا تصح، وقد مات يهوذا قبل موسى بنحو خمسة قرون. ولا تصح أيضًا نسبة اليهود كلهم إلى «يهوذا» بن يعقوب، وأكثرهم من غير سبطه. وإنما الشرف في هذا وذاك وقع ليهوذا بن يعقوب محض مصادفة، أن كان من سبطه داود وسليمان اللذان راحا – على قصر ملكهما – بكل ما كان لليهود في غابر الدهر من مجد سياسي على تلك البقعة المحدودة من أرض فلسطين.
والذي نتوقف عنده في هذا السياق أن القرآن المعجز الذي عَلِمَ هذا كله قبل أن يعلمَهُ غيرهُ، لا يجيء قط بلفظة «اليهود» وقد وقعت في كل القرآن ثماني مرات – ولا بلفظ «اليهودي» وقد وقعت في كل القرآن مرة واحدة – إلا مقترنين بلفظي «النصراني»، «النصارى»، يعني أصحاب الملة على ما آل إليه اسمهم في عصره. أما إن أراد القبيلة أو الشعب في عصور سبقت – حتى الذين عبدوا العجل في التيه – فلا يقول إلا «قوم موسى» أو «بني إسرائيل»، وسبحان العليم الخبير.
على أن القرآن يقول أيضًا «الذين هادوا»، وليست هذه كتلك، كما سترى.
يستخدم القرآن في تفسير معنى لفظة «اليهود» أسلوب الترجمة على منهجنا في هذا الكتاب، فيقول: «الذين هادوا» من الجذر العربي هاد/ يهود/ هودا، يأخذها من قول موسى في استغفاره لقومه في فتنة العجل: {قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} [الأعراف: 155 – 156]، أي تبنا وأنبنا.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/123]
وقد تقول – كما أقول – أن القرآن يستخدم عبارة «الذين هادوا» أخذًا لبني إسرائيل بقول موسى على لسانهم: «إنا هدنا إليك»، أي يستخدمها على محمل تبكيت الذين هادوا ثم لم يهودوا، بل عصوا ثم هادوا ثم عصوا من بعد. وهذا جيد. ولكن الذي تندهش له، أن «الذين هادوا» هذه هي أحد وجوه ترجمة اسم «يهوذا» عبريًا – الشخص أو الأرض – لا عبرة بهذا أو ذاك، إن لم يكن أصوب هذه الوجوه.
من معاني اليد في لغتنا العربية الصنيع والإحسان والمعروف، تقول: له على يد، تريد له عندي صنيع أنا له عارف، ممتن شكور. ويجيء على هذا المعنى الجذر العربي «يدي»، مجردًا أو مزيدًا في أوله بهمزة التعدية «أيدي».
وعلى هذا المعنى أيضًا يجيء في العبرية الجذر العبري «يدا» (وأصله بالواو «ودا» الذي تستخدم العبرية المعاصرة مضعفة «ودا» بمعنى الاعتراف والإقرار)، والمعدى منه في العبرية بالهاء (كالمعدى في العربية بالهمزة على ما مر بك) هو «هودا» يعني أقر بالصنيع أو شكر (ومنه في العبرية المعاصرة «هودا» على المصدرية بمعنى عرفان الجميل أو الامتنان وأيضًا: «تودا» يعني: شكرًا). على أن «هودا» تعني أيضًا الاعتراف والإقرار على أصلها، ومنها «هودا بأشمه» يعني أقر بذنبه أو إثمه (والإثم في العبرية بالشين). وعلى هذا الوجه تستطيع أن تترجم إلى العبرية عبارة موسى عليه السلام في القرآن: «إنا هدنا إليك» (الأعراف: 156) بقولك عبريًا: «كي هودينو لخا»من «هودا» العبرية هذه، أي قد أقررنا لك على معنى التوبة والإنابة.
وعلماء التوراة يشتقون اسم يهوذا من «هودا» أيضًا على زنة فعل المضارع المفرد الغائب المبني للمجهول يراد منه اسم المفعول، يشتقونه على معنى الشكر والعرفان فهو يشكر، بمعنى مشكور، استنباطًا من قول سفر التكوين على لسان والدته حين وضعته: «هبعام أوده إت يهوا، عل كن قارءا شمو يهوذا، وتعمد مليدت» (تكوين 9/ 35) التي تجدها في الترجمة العربية هكذا: «هذه المرة أحمد الرب. لذلك دعت ؟؟؟؟ يهوذا. ثم توقفت عن الولادة» (تكوين 29/ 35 – النص العربي).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/124]
هنا تلمح على سن قلم الكاتب أنه يفسر جازمًا معنى «يهوذا» بمعنى الحمد الذي في عبارة والدته «هذه المرة أحمد الرب» على ما ترجمها المترجم العربي لسفر التكوين. والصواب أن تترجم هذه العبارة بقولك: «هذه المرة أشكر الرب» لا «أحمد الرب» لأن «هودا» العبرية بمعنى «شكر» لا بمعنى «حمد». والتفرقة بين الحمد والشكر من دقائق اللغة العربية، لا يفطن إليها كثيرون، ناهيك بغير الساميين الذين هم عن فهم هذه التفرقة أبعد، فهم يخلطون بين الحمد والمدح والشكر، كما تجد على سبيل المثال في الترجمة الإنجليزية لمعنى اسم «يهوذا»، فيقولون Praised يعني «ممدوح». ولو كانت «هودا» بمعنى الحمد لما جاز للعبرية المعاصرة أن تشتق منها «تُودا» يعني «شكرًا» الصحيح على قول سفر التكوين في هذا الموضع أن يهوذا معناها يشكر على البناء للمجهول، أي الذي هو موضع شكر والدته على إنجابها إياه، ذكرًا رابعًا، ولم تنجب بعد أختها وضرتها راحيل. وقد سمى العرب قريبًا من «يشكر» هذه، فكان من أعلامهم مثل «اليشكري».
على هذا يكون معنى «اليهود»، أي «اليهوذيين» المنتسبين إلى «يهوذا»، أي إلى «يشكر» هو «اليشكريون».
وقد تقول إن «ليئة» والدة يهوذا لم تقل هذا الذي قالها على لسانها كاتب سفر التكوين، بدليل أنه يضع في كلامها لفظة «يهوا» بمعنى «الرب» في النص العبراني، ولم تعرف «يهوا» هذه في العبرية إلا في رسالة موسى (خروج 6/ 3)، ولم يولد موسى إلا بعد هذا بخمسة قرون على الأقل. وإنما قال هذا كاتب يكتب عل زمنه عصر داود وسليمان يريد توثيق المعنى الذي يفسر به الاسم من أجل مجد بيت داود الذي من سبط يهوذا، استكمالاً لتفضيله يهوذا على جميع أبناء يعقوب على ما مر بك في موضعه من وصايا يعقوب أو بركاته لبنيه.
وقد تكرر من الكاتب تأصيل معنى «يهوذا» على الفعل «هودا» العبري، لا على لسان ولادته هذه المرة وإنما على لسان أبيه، أعني في «بركات» يعقوب لبنيه، بقوله في الإصحاح التاسع والأربعين من سفر التكوين (النصر العبراني): «يهوذا أتا يوذوخا أحيخا» التي قالها المترجم العربي: «يهوذا إياك يحمد إخوتك» (تكوين
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/125]
49/8) يترجم هذه المرة أيضًا «يوذوخا» (وهي «هودا» في صيغة مضارع جمع الغائب) بمعنى الحمد، ربما متابعة للمترجم الإنجليزي الذي يستخدم فيها هنا أيضًا الفعل To Praise.
ولكن المعجم العبري المتخصص الذي أحلتك إليه (ص197) يُخالف هنا المترجم العربي والمترجم الإنجليزي على السواء، إذ يتخذ من عبارة يعقوب هذه نفسها «أتا يوذوخا أحيخا» (إياك يحمد إخوتك) مثالاً لتفسير أحد معاني الفعل «هودا» العبري، فيقول – والقول ما قاله بالطبع فهو صاحب اللغة -: أتا يوذوخا أحيخا يتانو لخا هود ملخوت، كل هشبطيم يكيرو بعركخا، أي لا «إياك يحمد إخوتك» وإنما: يعطونك مجد الملك، كل الأسباط يقرون بفضلك. أعني أن هذا المعجم العبري المتخصص لا يفسر الفعل العبري «هودا» لا بمعنى «حمد» ولا بمعنى «مدح» أو «شكر»، وإنما يفسره بمعنى الإقرار والاعتراف.
ليس هذا فقط، بل إن هذا المعجم العبري المتخصص يقول لك في نفس الموضع بالنص وهو يسرد عليك مختلف معاني الفعل العبري «هودا» إن «هودا» من معانيها عبريًا، «هتحرط»، يعني: «تاب وندم»، فهي التوبة والمثابة («تشويا» العبرية).
متى صح لك هذا – وهو صحيح بقول شاهد من أهلها – جاز لك أن تفسر اسم «يهوذا» على معنى «الهائد» التائب المنيب.
وكأن «يهوذا» أثارة من اسم النبي «هود» عليه السلام، مأخوذًا من العربية الأولى على ما مر بك في موضعه.
وليس لنا بالطبع في هذا الكتاب أن نطالب المترجم العربي لسفر التكوين بتصحيح ترجمة عبارة «يهوذا إياك يحمد إخوتك» إلى: «يهوذا إليك يثوب إخوتك»، وإنما الذي يعنينا في مقاصد هذا الكتاب الذي نكتب هو أن القرآن المعجز علم من قبل أن معاني «يهوذا» الهائد المنيب، فجانس عليه في وصف «اليهود» المنتسبين إليه، فقال «الذين هادوا»، وكأنه يذكرهم بقول موسى يستغفر لهم ربه في فتنة العجل: {إنا
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/126]
هدنا إ ليك} [الأعراف: 56] التي تقولها عبريًا: «كي هود ينولخا» على ما مر بك، يفسر لهم بها ما تسموا به. وسبحان العليم الخبير.
وكما جاءت «الذين هادوا» عشر مرات في القرآن على الإبدال من «اليهود»، جاءت فيهم أيضًا ثلاث مرات لفظة «هود» (وقد وردت في المرات الثلاث مزيدة بألف تنوين المنصوب «هودا»).
وقد قيل (راجع تفسير القرطبي للآية 111 من سورة البقرة) لمن «هود» هذه هي إما على التخفيف من «يهود» بحذف الياء البادئة، وإما هي «الذين هادوا» نفسها جاءت بصورة جمع الفاعل من «الذي هاد»، وهو الهائد، يجمع على هود. وهناك وجه أقترحه عليك، وهو أن «هود» هذه جاءت تسمية باسم الفعل من هاد يهود هودًا فهو «هود». هذا الوجه هو الراجح عندي، وهو أيضًا الذي إرتأيناه في تحليل اسم النبي «هود» عليه السلام، والتسمية بالمصدر واسم الفعل يستوي فيها المفرد والجمع. وكان هذا أيضًا مذهبنا في تفسير اسم النبي «لوط» عليه السلام من لاط يلوط لوطًا فهو «لوط».
أما «يهود» فلم تقع في القرآن قط مجردة من الألف واللام، وإنما جاءت حيثما وردت، وقد وردت في كل القرآن ثماني مرات، معرفة بالألف واللام «اليهود»، والتعريف بالألف واللام كما تعلم يمنع من الصرف وجوبًا. ومن هنا لا ستبين لك منهج القرآن في جواز تنوين «يهود». والفصيح هو عدم جواز تنوين «يهود» لسببين: إن اعتبرتها أعجمية، فللعجمة، وإن اعتبرتها عربية، من هاد يهود، فلأنها مبدوءة بياء المضارعة كيثرب وينبع ويزيد، وهذا يمنع من الصرف وجوبًا.
والذي أقول به أنا هو أن «يهود» بالذات ليست عربية، وإنما هي من الأعجمي الذي نطق به العرب قبل القرآن، وأنها قيلت بذاتها على معنى الجمع اسمًا لشعب أو قبيلة: تقول «ثلاثة رجال من يهود»، ولا تقول «ثلاثة رجال يهاويد أو ثلاثة رجال يهودين» أما إن أردت التنصيص على المفرد أو المثنى فأنت تقول على النسب «يهودي» أو «يهوديان».
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/127]
وقد وقعت الصفة على النسب إلى «يهود» مرة واحدة فقط في كل القرآن، في قوله عز وجل {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما} [آل عمران: 67].
وجاء في فصيح العربية، بل وفي الصحيح من حديث سيد الفصحاء صلى الله عليه وسلم، لفظة «يهود» معرفة بمحض علميتها لا تحتاج إلى الألف واللام، يراد منها في الغالب ذلك الحي من يهود يثرب، كما تقول «عاد»، «ثمود».
ولكن القرآن المعجز – وقد أتى بلفظة «اليهود» ثماني مرات – لا يأتي بها إلا معرفة بالألف واللام، يقطع شبهة تأويل مقولته فيهم في تلك المواضع الثمانية بأنها تنصرف إلى بعض من يهود دون بعض، من مثل قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} [المائدة: 51]، {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} [المائدة: 82]: إنهم يهود كل مكان وكل عصر، سنة ماضية فيهم إلى يوم القيامة، فخذوا حذركم أيها المؤمنون الذين أسلموا.
وقد مر بك في تقديمنا لهذا الفصل أن «اليهود» تسمية على المدح. ولو فهمها أصحابها على أصلها فعملوا بها لكان خيرًا لهم، ولكن اليهود هادوا ثم عصوا، ثم هادوا، ثم عصوا من بعد.
ومن معاني الهود في اللغة، الهوادة والمهاودة، أي الانصياع وترك التأبي. والهود إلى الله عز وجل هو هذا بالذات: تجيئه مذعنًا قد سكن منك القلب والجوارح. إنه «إسلام الوجه لله» .
من هذا قوله عز وجل في تفسير الذين هادوا: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} [المائدة: 44].
ومنه أيضًا قول القرآن على لسان سليمان: {وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين} [النمل: 42]، أي أوتينا التوراة من قبل وكنا هودًا هائدين.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/128]
بل منه أيضًا تلك الآية الجامعة لا قول بعدها لقائل: {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} [آل عمران: 19] يعني إلا من بعد ما جاءتهم التوراة كما مر بك، فما جاءت التوراة إلا بهذا الإسلام نفسه.
وأخيرًا قال الحق سبحانه: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا} [آل عمران: 20].
هذا هو الدين القيم، لا يُدانُ لله بغيره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
فهل آن للذين هادوا أن «يهودوا»؟
عسى ربهم أن يرحمهم، أو يتوب عليهم ليهودوا).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/ 119-129]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir