دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 11:31 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(44) سليمان:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (44) سليمان
مر بك في تضاعيف هذا الكتاب أن «فعلان» العربية على الصفة، مثل ظمآن وأمثالها، تجيء في العبرية على «فعلون»، مثل يثرون وشمعون وجدعون وأمثالها. ومر بك أيضًا أن النون في «فعلون» العبرية يجوز حذفها استخفافًا كما قيل في «يثرون» «يثرو».
وعلى «فعلون» جاء «شلومو» (بغير نون) اسم نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام في النص العبراني لتوراة الأنبياء والكتبة، أي في أسفار العهد القديم: «شلومو» أصلها «شلومون» عبريًا، حذفت نونها استخفافًا، كما حذفت النون استخفافًا من «يثرون» حمى موسى فقيل «يثرو». دليلك في هذا بقاء نون «شلومو» في السريانية «شلمون»، وبقاؤها أيضًا في النص اليوناني للأناجيل Solomon «سولومون»، على إبدال السين من الشين كدأب اليونان، وعن اليونانية أخذت اللغات الأوروبية جميعًا هذا الرسم اليوناني.
رغم هذا، رغم استقرار علماء العبرية ونُحاتها على أن «فعلو» العبرية أصلها «فعلون» حذفت نونها استخفافًا، إلا أن أدعياء الاستشراق المنكرين الوحي على القرآن عجبوا من مجيء القرآن بهذا الاسم «شلومو» مزيدًا بالنون في «سليمان»، رغم اعترافهم بأن سلمان وسليمان كليهما اسمان عرفهما العرب قبل نزول القرآن، بل وقعوا في حيص بيص من هذه النون التي زادها القرآن في اسم «سليمانج: قالوا ربما انتقلت إلى العرب من السريان الذي قالوها «شلمون» كما مر بك، أو العكس، أي أن العرب هم الذين أخذوا «شلومو» العبرية من اليهود فتحرفت عليهم إلى «سليمان»،
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/159]
وانتقلت بصورتها هذه إلى السريان فقالوا «شلمن». وفات هؤلاء الأدعياء أن «فعلان»، ومصغره «فعيلان»، لا يتزنان على موازين العربية إلا بالنون في النعت على المذكر، لا تحذف نونه إلا في المؤنث منه، «فعيلى»، كما تجد في «سلمى»، «سلمان»، وكما تجد في مصغرهما «سليمى»، سليمان. وفات هؤلاء الأدعياء أيضًا قبل هذا أن «شلومو» العبرية أصلها بالنون «شلومون»، فلا معنى لكل ما قالوه، ولكنهم في تحريهم إثبات نقل القرآن عن أهل الكتاب يذهبون بعيدًا، فيحاولون إثبات أن العرب وجدوا بعد أن وجد أهل الكتاب، وأن اللغة العربية نشأت في حضن العبرية والآرامية، فهي ناقلة عن الواحدة أو الأخرى، حتى في نحت الأسماء الأعلام، وكأن العرب في شبه جزيرتهم كانوا قومًا بكمًا، لا ينسبون ببنت شفة حتى يستمعوا على اليهود أو السريان، وكأن العربية ليست هي أم الساميات جميعًا حيثما كان للساميين في هذه الأرض مكان، لا يقول اليوم بغير هذا إلا جاهل كما مر بك في تضاعيف هذا الكتاب. أما دعوى النقل والتلقين التي تصايح بها المنكرون الوحي على القرآن، فقد مات بها أصحابها كمدا، لأن «التلميذ» الناقل يعلم «أستاذه» ما لم يكن يعلم، ويصوب له ما أخطأ فيه، ويصحح له ما تحرف عليه، ويذكره بما أنسيه، ويرد عليه مقالته، بل ويعنف عليه، حين تزل بأستاذه القدم، أو يشتط به الهوى فيفترى على الله عز وجل، أو يتطاول على مقام رسل الله وأنبيائه، غالى بهم أو أوضع فيهم. ولا يصح هذا من «تلميذ» ناقل، وإنما يصح فحسب من المصدق المهيمن.
أما «شلومو» العبرية هذه فهي من الجذر العبري «شلم» (مكافئ «سلم» العربي بكل معانيه). والمصدر منه «شلوم» يعني عربيًا السلم والسلم والسلام، كلها بمعنى السلام. وتجيء السلم بفتح السين على الصفة أيضًا في العربية، فيقال «رجل سلم لرجل» يعني هو له ماسلم، فالسلم على الصفة عربيًا يعني «المسالم». والسلم العربية هذه على الصفة هي نفسها «شلوم» على مقتضى النحو العبري – حين يضاف إليها مقطع الزيادة بالواو والنون الذي في «شلومون» - تخطف فتحتها البادئة على الشين فتتحول إلى صوت بين الفتح والكسر (حركة «شوا» العبرية) لا يكاد يحس، وربما
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/160]
هي إلى السكون أقرب، فتقول بدلاً من شلومون: شلومون أو شلومون، ثم تحذف النون، فتقول «شلومو» اسم نبي الله سليمان عليه السلام، من السلم بمعنى المسالم.
ورغم أن «سليمان» عربية قح، لا تحتاج من القرآن أن يفسرها للعرب على منهجنا في هذا الكتاب، فإن القرآن في قصة سليمان مع ملكة سبأ يجيء عقب «سليمان» بالمرادف القريب الذي يجلي لك المعنى المخصوص الذي يفهمه القرآن من هذا الاسم العلم من بين مختلف معاني الجذر «سلم»، فيقول: {قالت يا أيها الملأ إني ألقى إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} [النمل: 29 – 31]، يعني جيئوني سلما مسالمين.
أما لماذا جاءت «سليمان» العربية في القرآن ممنوعة من الصرف لا تقبل التنوين، فهذا في العربية هو شأن كل مذكر مزيد بالنون يتأنث بفقد النون: فعلى وفعلان، وأيضًا مصغرهما فعيلى وفعيلان، كما تقول سلمى وسلمان، وسليمى وسليمان.
وقد يظن الجاهل بفقه اللغة العبرية، كما ظن أدعياء الاستشراق، أن القرآن أخطأ في تصغير «سلمان» التي جاء بها على «سليمان»، لأن «شلومو» العبرية تقابل «سلمان» العربية ولا تقابل «سليمان» على التصغير.
ولكن علماء العبرية يقولون إن الزيادة في «فعلون» بالواو والنون، كما تجيء على الصفة واسم الفعل، تجيء أيضًا لإفادة التصغير، ومثاله «إيشون» العبرية المزيدة بالواو والنون من «إيش» العبرية يعني «إنسان»، فيقولون أن «إيشون» هي مصغر «إيش» فهي «أنيسان» على التصغير من «إنسان»، ويقال من «إيشون» العبرية هذه «إيشون بيت عين» يريدون ذلك «الأنيسان» الذي تراه في عين محدثك حين تحدق فيه، فهو «إنسان العين»، أي بؤبؤها. وليس المراد من بنية التصغير في كل الأحوال – على ما يعرف اللغويون جميعًا – هو صغر الحجم أو صغر القدر – فمن العرب من سموا «كليبا» وهم ملوك – وتقول لابنك وقد شبت وشاب معك: يا بني! كناية عن الحب والودادة والإعزاز.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/161]
وقد علم القرآن مراد داود من تسمية ابنه يوم ولد فأسماه «شلومو» («شلومون»)، على التصغير من «شلوم» العبري الصفة لا المصدر، لا يصح في تفسير «شلومو»، عبريًا، إلا هذا: لو كانت «شلومو» (شلومون) محض الصفة لا مصغرها لقيل «شلمون» على زنة «فعلون»، كما قال العرب في الصفة «سلمان» على «فعلان» من سلم، ولكن نبي الله سليمان عليه السلام اسمه «شلومو» (شلومون) لا «شلمون» فهو مصغر «شلوم» يعني السلم أو سلمان على الصفة، إن صغرت «شلوم» قلت «شلومون»، وإن صغرت «سلمان» قلت سليمان.
جاء القرآن باسم نبي الله «شلومو» (شلومون) على «سليمان» فأصاب المعنى وأصاب البنية، أي بناء الاسم على التصغير. وسبحان العليم الخبير.
وقد خاض كتبة العهد القديم في سفر صموئيل الثاني (راجع صموئيل الثاني 11 – 12) بفحش لا مثيل له في قصة داود عليه السلام مع «بتشبع» امرأة ضابطة «أوريا الحثى»، فقالوا إن داود اطلع عليها من سطح بيته وهي تستحم في بيتها، وكانت رائعة الجمال، فسأل عمن تكون، فقيل له هي بتشبع بنت إليعام امرأة أوريا، فلم يتورع، زوجها في صفوف القتال، أن يرسل إليها من يأخذها إلى بيت «داود» فدخلت إليه فاضجع معها وهي مطهرة من طمثها ثم رجعت إلى بيتها (صموئيل الثاني 11/ 4). زنا بها داود إذن في غيبة زوجها على مرأى ومسمع من حاشيته، لم يتأثم ولم يتأثموا من جرم عقوبته في توراة موسى الرجم للزاني والزانية، وغن حرص وحرصوا على أن تكون «طاهرًا غير طامث» ويعود الضابط المثلوم العرض ليفاجأ بالفضيحة فيمتنع عن الدخول على امرأته وينام على باب قصر داود، ويخبر داود فيستفسر منه عن السبب ويقول له لماذا لم تنزل إلى بيتك وقد جئت من السفر؟ ويرد صاحب العرض الجريح وكأنه يعظ داود: «إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام، وسيدي يؤاب وعبيد سيدي (يعني يؤاب وجنوده ويؤاب هو القائد الأعلى للجيش) نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي لآكل واشرب وأضجع مع امرأتي؟ وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر» (صموئيل الثاني 11/ 11). ولا تختلج عضلة في وجه داود الملك الذي يكتب الكاتب سيرته، ولكنه وقد شاعت الفضيحة
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/162]
يعتز بإثمه فيولم لهذا الضابط يأكل معه ويشرب ويسكر، ثم يبلغ من عتوه أن يحمل أوريا من غده رسالة مطوية فيها الأمر ليؤاب قائد الجيش تقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت (صموئيل الثاني 11/ 15) ويقتل أوريا بالفعل في المعركة صريع جمال امرأته وغدر داود. أما المرأة فندبت بعلها، وأما داود فلم يتلبث أن مضت «المناحة» حتى أرسل إليها فضمها إلى بيته وصارت له امرأة. وتضع المرأة ابنا لداود من زناه بها. ويرسل الرب ناثان النبي إلى داود يضرب له مثل الرجلين، صاحب النعجة الوحيدة التي اقتناها ورباها وكبرت معه ومع بنيه جميعًا، تأكل من لقمته وتشرب من كأسه وتنام في حضنه وكانت له كابنة، يريد بتشبع امرأة أوريا، والرجل الآخر ذي الوفرة من الغنم والبقر الذي نزل عليه ضيف فاستكثر أن يولم له من غنمه بل بلغ من عتوه أن يأخذ نعجة الرجل الفقير يولم بها لضيفه ولم يأبه، فعل داود مع أوريا. ويحمي غضب داود على هذا الظالم ويقضي عليه بقوله: يقتل هذا الظالم وترد النعجة إلى صاحبها أربعة أضعاف! فيقول له ناثان النبي: بل أنت هذا الرجل! قتلت الرجل وأخذت امرأته لك امرأة، ولم تذكر آلاء الله عليك. فعلت في السر والله يفعل بك في العلن: يأخذ الرب نساءك أمام عينيك، ويعطيهن لمن يضجع معهن في عين هذه الشمس. يفعل بهن هذا قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس. قال داود لناثان قد أخطأت إلى الرب. فأجابه ناثان قائلاً الرب أيضًا قد نقل عنك خطيئتك. لا تموت (أي لا يعاقبك بالقتل جزاء فعلتك) ولكن الابن المولود لك منها يموت. (ربما أراد الكاتب أن يمهد لما حدث من بعد لداود فيما يحكيه هذا السفر من أحدثا حرب لداود مع الفلسطينيين كانت لهم فيها سبابا من نساء داود وأهل بيته وكأنها عقوبة لداود على فعلته مع أوريا). ويمرض المولود ويموت. ولكن داود يُعزي بتشبع عن ابنهما ويدخل إليها ويضجع معها فتحمل وتلد له ابنا يدعوه سليمان: «فولدت له ابنا فدعا اسمه سليمان (شلومو) والرب أحبه. وأرسل بيد ناثان النبي ودعا اسمه يديديا من أجل الرب» (صموئيل الثاني 12/ 23 - 25) أي لأن الرب أحب سليمان كناه أبوه «يديديا» يعني «حب الله» كما مر بك. وكأنما قد كان مولد سليمان لداود علامة على السلم والسلام مع الله عز وجل الذي غفر له ما فعل.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/163]
هذا هو معنى تسمية سليمان «شلومو» ومناسبتها، فلا غرو أن يجيء بها داود على التصغير من «شلوم»، توددا وتحببا.
وقد قصصت عليك فأطلت، كي تعلم إلى أي مدى يلغ الكتبة في أعراض أنبياء الله ورسله، لا يتأثمون من شيء مهما عظم: نبي يغتصب امرأة صاحب جنده في غيبته، يجيء بها إلى عصبة من رجاله ليزني بها علنًا في بيته، ويعود زوجها فيطلب إليه داود الدخول إليها كي يختلف الماءان فلا يعرف من كان الأب، ويمتنع الزوج الذي اكتشف الفضيحة، ولكنه لا يجرؤ أن ينبس ببنت شفة، ويولم له داود «العشاء الأخير» قبل أن يبعث به من غده إلى ساحة الموت يحمل أمر إعدامه بيده إلى قائد الجيش «يؤاب» فينفذه غير مبال، ثم يبلغ داود بأنه قد تم! ولا يزيد داود على أن يقول: «لا يسوء في عينيك هذا المر (يعزيه في ثلم شرف الجندية!) لأن السيف يأكل هذا وذاك!» (صموئيل الثاني 12/ 25). ألا ما أقذع هذا وما أبشعه.
قارن هذا بما قاله القرآن العظيم في هذه النازلة التي ابتلى بها داود (الآيات من 21 إلى 25 من سورة ص): لم يزن داود بالمرأة ولم يقتل زوجها، ولكن استزله هواه ففتن بها، ولم يستعصم، فاستدعى إليه زوجها وعزم عليه في طلاقها كي يتزوجها هو: {قال أكفلنيها وعزني في الخطاب} [ص: 23] أي شدد علي بسلطانه، ويذعن الرجل ويضعف تحت وطأة هذا السلطان، ويعود إلى موقعه على الجبهة وقد أجبر على فراق زوجته بسلطان الهيبة وسلطان الملك، ربما هانت عليه نفسه فاسترخص الموت، ولم يعنه عليه يؤاب قائد الجيش بأمر من داود، فلا يصح بهذا ملك، ولا يصبر على هذا جيش. ولكنك لا تعتذر لداود عما فعل، فمجرد رغته في تطليق امرأة من زوجها ليتزوجها هو ضمن حريم يكاد يبلغ المائة، ظلم صراح، وبغي لا يصح من أفراد الناس، فما بالك بملك، ناهيك بنبي! قد قالها داود بنفسه: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}[ص: 24]، وينتبه داود إلى أنه بفعلته مع أوريا لم يعد من القليل الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلا يبغون على خلطائهم (ولعل أوريا كان ضابطا مقربًا إليه)، فهالته المصيبة التي لا
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/164]
تعدلها عند المؤمن مصيبة، بل قد أيقن أنه فُتن: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} [ص: 24]. وقد غفر الله لداود هذه الزلة لأن داود كانت له عند الله قربى بسالف العمل، موعود بحسن المآل: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [ص: 25]. ولكن الله عز وجل يعظ بها داود في نفسه وعظا بليغًا، لو سمعه ملوك الأرض لتفطرت قلوبهم هلعًا من يوم الحساب: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}[ص: 26]، أي ليس لمن ملكه الله على الناس أن يتبع هواه، وخير لمن يتبع هواه أن ينأى بنفسه عن المهالك فينأى بنفسه عن المُلْك ويعتزل الناس، وإلا فمصيره إلى النار وبئس القرار.
ذكر القرآن حقائق ما كان: الفتنة والتوبة، والإنابة والاستغفار والمغفرة، وثنى بعد الموعظة بالوعيد. أما ذلك الكاتب في العهد القديم فقد لغط قلمه بما لغت به ألسنة الوالغين في أعراض الناس بالباطل، يبغون لهو الحديث، فما افلت منهم نبي ولا صديق. ولعلك لاحظت أيضًا أن الكاتب في العهد القديم لم يكن لديه علم بتلك الملائكة الذين تسوروا على داود في محرابه يعظونه، ويضربون له المثل ويذكرونه، حتى يسترجع داود وتتفلت منه العبرات، ويغفر الله له فيبشرونه بالتوبة والمغفرة مشروطتين بالاستقامة على عهد الله عز وجل، لا يتبع من بعدى الهوى المضل. لم يعلم الكاتب بهذا، فماذا يفعل؟ يلجأ لنبي اسمه ناثان يرأب به الثغرة، فينقل ناثان وحي الله إلى داود، يضرب نفس المثل الذي في القرآن أو يكاد، ولا يزد داود على أن يقول: قد أخطأت إلى الرب! ويقول له ناثان: والرب أيضًا قد نقل عنك خطيئتك! (لا يقتله بها وإنما يقتل مولوده من الزنا). ويمثل ناثان هذا أمامك معلما لداود ونبيا فوق نبي، وما هكذا تكون الأنبياء.
قارن بين الروايتين واحكم بنفسك: أي الروايتين كلام من الله نزل؟ القرآن الذي ينطق بالحق ويميط الأذى عن أنبياء الله ورسله، أم كلام ذلك الكاتب الذي يضع نبي الله داود في صفوف الزناة والقتلة؟
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/165]
على أنك «تحمد» للكاتب شيئًا واحدًا، وهو تعففه عن الغمر في مولد سليمان عليه السلام، فلم يجعله ابنا لداود من الزنا، وإنما ابتدع «المولود الأول» لداود من بتشبع، ثم أماته، ليجيء سليمان من بعد «ابن رشدة»، أي بعد موت أوريا وزواج داود في الحل من أرملة أوريا. ولكنك تجزم معي بأن هذا المولود الأول المُفترى به على داود وبتشبع لم يكن له قط وجود، بل هو من بنات أفكار الكاتب، يحكم به نسيج قصته).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/ 159-166]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir