دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 29 ربيع الثاني 1443هـ/4-12-2021م, 11:09 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,754
افتراضي

(31) هرون:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (31) هرون
«هارون» في القرآن (التي شاع رسمها على غرار المصحف بغير ألف)، هي تعريب «أهارون» في التوراة، اسم أخي موسى عليهما السلام.
والألف البادئة في «أهارون» العبرية – كما مر بك في تضاعيف هذا الكتاب – هي «ألف التحلية» Prosthetic Aleph والأصل «هارون» كما عَربها القرآن.
وقد تجنب علماء التوراة (راجع «المعجم العبري الآرامي لألفاظ التوراة») تفسير اسم «أهارون»: ربما لم يستبن لهم وجه الصواب في معناه، وربما أيضًا لأن الكاتب في سفر الخروج خالف «مألوفه»، فلم يتصد لتفسيره.
ولم يؤثر أيضًا عن مفسري القرآن تفسير لاسم «هرون»: أجمعوا على عجمته، ولم يتصدوا لتفسيره. وربما التمسوه عند بعض أحبار يهود ولم يظفروا بشيء. وهذا يرجح لديك، كما ترجح لدي، أن هؤلاء الأحبار لم يكن لديهم مأثور يستندون إليه في تفسير اسم «هرون» ويرأبون به الثغرة التي تركها كتبة التوراة بسكوتهم عن تفسيره. وربما تعللت لكتبة التوراة في ذلك بأن شخصية البطل – موسى عليه السلام – شخصية طاغية تملأ مسرح الأحداث، أذهلت الكاتب عن تقديم الشخصيات «الثانوية» للقارئ، وكأنه لا يفطن لهان فلا يسميها، رغم ولوعه كغيره من كتبة التوراة بتحليل الأنساب وتفسير التسميات، بإيراد مناسبة التسمية وسببها.
يبدأ الكاتب سفر الخروج بإصحاح مقتضب، يمهد لظهور موسى على المسرح، تقرأ فيه أن ملكا جديدا اعتلى عرش مصر، لا هم له إلا استئصال شأفة العبرانيين باستصفاء نسلهم، فيأمر قابلتي العبرانيات «شفرة»، «فوعة»، بأن تنظرا المولود: إن كان ذكرًا قتلتاه، وإن كان بنتا فتحيا. ولكن القابلتين خافتا الله كما يقول الكاتب فاحتالتا على فرعون بأن النساء العبرانيات لسن كالمصريات، فهن قويات يلدن قبل أن
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/22]
تأتيهن القابلة. عندئذ أمر فرعون جميع شعبه بأن كل ابن يولد للعبرانيين يطرحونه في النهر، وكل بنت يستحيونها. وكأنما ألقت أم موسى ابنها في اليم عن أمر فرعون، لا عن أمر الله كما تقرأ في القرآن.
ثم ينتقل الكاتب سريعًا إلى الإصحاح الثاني، يتعجل تعليل إفلات موسى من هذا المصير، لا يعنيه ما كان من أمر إخوة سبقوه، بل لا يعنيه شخص أمه وأبيه اللذين منهما ولد، فيذهب بك مباشرة إلى «النهر» حيث ألقى موسى فتستحييه «ابنة» فرعون، ويبدأ الإصحاح هكذا: «وذهب رجل من بيت لاوى وأخذ بنت لاوى. فحبلت المرأة وولدت ابنا. ولما رأت أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر. ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد، أخذت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت ووضعت الولد فيه، ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر. ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يُفْعَلُ به» (خروج 2/ 4 -4).
هذا الكاتب الذي لم يفته وصف «التابوت» بأنه سفط من البردي مطلي بالحمر والزفت، لا علم له بما كان من وحي الله على أم موسى. وهو أيضًا – كأخيه الذي في سفر التكوين – لا يعرف قيمة «المادة» التي بين يديه، فلا يهتم لبلاءات أم موسى وهي تلقي بفلذة كبدها في اليم عن أمر الله. ولكنه في سرده المتعجل ينزلق إلى التهافت المخل: إنه يضع «التابوت» عند مغتسل ابنة فرعون (ومغتسل الملوك كما تعلم يكون قبالة قصرهم)، كما يوضع اللقطاء عند أبواب الأديرة والمساجد. وهو لا يترك التابوت هائمًا بين الأمواج، وإنما يثبته بين الحلفاء التي على حافة النهر قبالة قصر آل فرعون كما مر بك، وكأنه يقتحم به عليهم، كي لا يفوت ابنة فرعون العثور عليه، أو يطوح به التيار بعيدًا عن أعين جواريها. إنه يدس التابوت في أيديهم دسًا، لا يترك مجالاً للصدفة أن يلتقطه غيرهم. وكان أيسر عليه أن يحمل موسى إليه حملاً، يذبحونه
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/23]
أو يستحيونه، كمن يمشي إلى طالبي دمه يحمل على يديه كفنه. وليس في هذا كرامة. ولكن الذي تعجب له عند الكاتب، ولم يلتفت هو إليه، أن «مغتسل» ابنة فرعون كان على مقتضى روايته «حمى» مستباحًا، تغتسل فيه ابنة فرعون مع جواريها على أعين الناس، لا يستترن إلا بتلك الحفاء التي على حافة النهر، لا حرس موضوعًا عليه ليل نهار، ولا رقباء يذودون تطفل المارة. وإلا فكيف تفسر نفاذ من تسلل بالتابوت إلى تلك الحلفاء نفسها، وهو يقول لك إن أخت موسى ما كان لها أن تقترب، وإنما وقفت تنظر من بعيد لتعرف ماذا يفعل به؟ كان على الكاتب أن يرجع إلى القرآن ليعلم منه حقيقة الذي كان، ولكن القرآن لم يكن قد نزل بعدك ألقت أم موسى بالتابوت في اليم أقرب ما يكون إلى بيتها، وتكفلت أمواج اليم بالباقي، عن وحي الله وأمره: {إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن} [طه: 38 – 40]. فانظر إلى هذا الإيجاز المعجز الذي لا يند عنه تفصيل فلا تملك أن تعقب عليه بشيء، وتأمل! هل يستطيعه إلا علام الغيوب؟
والذي يعنينا في هذا السياق أن الكاتب شغله موسى عن هرون فلم يذكر ما كان من أمره: لم يحضر ولادته، ولم يسمه، فلا يفسره. وهو لا يعني أيضًا بأن يفسر لك كيف أفلت هرون من الذبح وقد ولد قبل موسى بنحو ثلاث سنوات وبضعة أشهر، على ما تستخلصه من سفر العدد الذي يقول لك أن هرون مات وهو ابن مائة وثلاث وعشرين سنة، في السنة الأربعين لخروج بني إسرائيل من مصر (عدد 33/ 38 – 39)، ومات موسى بعده في نفس السنة وعمره مائة وعشرون سنة (تثنية 34/ 7). ولا شك أن تذبيح الذكور واستحياء الإناث بدأ قبل موسى بسنوات، بل وقبل زواج عمران من أم موسى، كما تستظهر من الإصحاح الأول من سفر الخروج. فكيف أفلت من الذبح هرون؟
لم يعن بهذا كاتب سفر الخروج. ولكن كان من مفسري القرآن من توقف عنده. ومن طريف ما يروى في هذا – نقلاً عن أقاصيص لأهل الكتاب بالطبع – أن فرعون
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/24]
حين أراد استئصال شأفة العبرانيين في مصر باستصفاء نسلهم، بدأ بتذبيح أبنائهم سنة واستحيائهم سنة، وأن هرون الذي يكبر موسى كان حقه أن يولد سنة الذبح، ولكن الله أطال حمل أمه به كي تضعه سنة الاستحياء فينجو. وإذا علمت أن الجذر العبري «هرا» معناه حبلت (المرأة)، فربما قلت – ولم أقرأ هذا لأحد – أن اسم هرون مشتق من «هرا» العبرية هذه، وكأنه «حبلان» من «الحبل» الذي طال به.
أدى أيضًا طغيان شخصية البطل – موسى عليه السلام – إلى شحوب شخصية هرون وتضاؤل دوره في رسالة موسى عند كتبة التوراة، الذين أعضل عليهم إيجاد دور لهرون إلى جوار موسى، فنحلوا هرون دور «الصبي»: صبي «النبي»، أو صبي «الحاوي». تجد دور «صبي النبي» في قول الكاتب على لسان الله عز وجل مخاطبًا موسى: «أنا جعلتك إلها لفرعون، وهرون أخوك يكون نبيك» (خروج 7/ 1). وتجد «صبي الحاوي» في قول الكاتب على لسان الله عز وجل أيضًا، يأمر موسى بما يفعله حين تطلب منه الآية على صدق دعواه: «تقول لهرون خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فتصير ثعبانا» (خروج 7/ 9)، فلا تندهش – إن كنت مسلما – حين تقرأ في السفر أيضًا أن «عصا هرون» - لا «عصا موسى» - هي التي لقفت حبال السحرة وعصيهم (خروج 7/ 12). كل هذا بالوساطة عن موسى بالطبع، فلا دور على الحقيقة عند الكاتب لهرون.
ولكن الكاتب – وكأنه يثأر لهرون – يقول لك إن هرون «كهن» لموسى، فألبسه موسى عن أمر الله رداء الكهنوت العظم: لا كهانة إلا بهرون وأبناء هرون دون غيرهم من أسباط بني إسرائيل فريضة أبدية (خروج 28)، فاحتاز هرون وبنوه من بعده سلطانا في بني إسرائيل أعظم من سلطان موسى: سلطان الرأي والفكر والفُتيا بالشريعة. وهذا كله دخيل على التوراة التي أنزل الله على موسى، فلا كهنوت ولا كهانة في دين الواحد الحد، ولا وساطة بين العبد وربه. ونحن لا نشك لحظة في أن اليهود صنعوا هذا الكهنوت من بعد موسى ليحاكوا به كهنوتا سحر ألبابهم سلطانه
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/25]
العاتي في ديانة «آمون»: حراس العقيدة وسدنة المعبد. ولا يفسد الدين، وتفسد العقيدة، إلا على أيدي هؤلاء الحراس والسدنة. وقد حارب المسيح عليه السلام هذا الكهنوت من قبل، ففضحه وعراه. ولكن الكهنوت انتصر من بعد، فاصطنعت المسيحية لنفسها في أوروبا كهنوتًا مثله، وربما أعتى. وهبت رياح الإصلاح تريد اقتلاع هذا الكهنوت من جذوره، فلم تفرق بين الديانة والكهانة، وكان ما كان.
والذي نتوقف عنده هنا في أغراض هذا الكتاب الذي نكتب، أن كهنوت هرون وبنيه أورث اللغة العبرية بعد عصر موسى وهرون، مصطلحًا جديدًا: كان موسى وهرون كما تعلم من سبط لاوى بن يعقوب، أي كان هرون وبنون لاويين، فأصبحت لفظة «لاوى» (وتنطق «ليفى» في العبرية المعاصرة شائعة في أعلامها) علمًا على الكاهن خادم المعبد، وأيضًا «أهاروني»، أي المنسوب إلى «هرون» رأس هذا الكهنوت. ولا تدري كيف فات هذا المعنى (اللاوي أو الهاروني = الكاهن خادمَ المعبد) على أدعياء الاستشراق وأذنابهم ممن تسقطوا للقرآن قوله في مريم أم عيسى عليهما السلام: {يا أخت هرون} [مريم: 28] فتهكموا رعونة وجهلاً بأن القرآن يخلط بين «مريم» أم عيسى وبين «مريام» أخت موسى وهرون، وقد خلت الأنبياء والرسل بين موسى وعيسى عليها السلام، ونص القرآن على أن عيسى هو آخر رسل الله إلى بني إسرائيل: {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم} [المائدة: 46]، فكيف تكون أمُّةُ أختا لموسى وهرون؟
لم يدرك هؤلاء الأدعياء وأذنابهم – وأنى لهم وقد أعماهم الحقد وأصمهم – أن القرآن ينضح هاهنا بعلمه النافذ إلى صميم ديانة اليهود ومصطلحات كهنوتهم: «أخت هرون» يعني «خادم المعبد» الذي كانته أمة الرب مريم البتول عليها السلام: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} [التحريم: 12]. إنها «هارونية» (أخت هارون»، راهبة خادم معبد، يستعظم منها أن تفعل في وهمهم الذي فعلت: {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كنت أمك بغيا} [مريم: 37 – 38]، فأي علم هنا وأي جهل هناك. لم يفطن إلى هذا مفسرو القرآن،
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/26]
وعذرهم واضح، إذ لا علم لهم ببطائن كهنوت بني إسرائيل، ولكن ما عذر أولئك الأدعياء المتعالمين على القرآن وفيهم اليهودي القح، وربما كان منهم الهاروني الحبر، «أخو هرون»؟
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله عند تحليل الاسم «مريم» في موضعه من هذا الكتاب.
ولا ينقضي الكلام في هرون قبل الحديث عن دوره في فتنة العجل الذي صنعه «السامري» لبني إسرائيل في التيه: {فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى} [طه: 88]، لأن التوراة كما تعلم تنسب صناعة العجل إلى هرون، لا إلى ذلك السامري الذي هو من أفانين القرآن كما يرى أدعياء الاستشراق، فتجب لهم – وهم يهود أو نصارى آخر الأمر – كيف لا يخجلون من نسبة هذا الكفر إلى نبي من أنبياء التوراة الكبار، ويأخذون على القرآن تنزيه هرون عنه، فيصدقون كاتب سفر الخروج على هزله ويكذبون القرآن، قول الحق الذي فيه يمترون. قال كاتب سفر الخروج: «وقال موسى لهرون ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة. فقال هرون لا يَحْمَ غضب سيدي. أنت تعرف هذا الشعر أنه في شر. فقالوا لي اصنع لنا آلهةً تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقلت لهم من له ذهب فلينزعه ويعطني. فطرحته في النار فخرج هذا العجل» (خروج 33/ 21 – 24). الذي صنع العجل لبني إسرائيل عبدوه في التيه هو إذن هرون في قول التوراة، لا السامري الذي اخترعه القرآن، فما كان لسامري من السامرة أن يندس في جماعة بني إسرائيل فيصنع لهم العجل، والسامرة
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/27]
بعد في أرض فلسطين لم يدخلها بنو إسرائيل إلا من بعد وفاة موسى وهرون. واستكثر هؤلاء الأدعياء على القرآن أن يستأثر بعلم الذي جهله آباء كتبة التوراة أو أنسوه أو تكتموه، فقالوا لم يسمع في تاريخ بني إسرائيل وأساطيرهم شيء عن هذا الذي كُتبَ عليه أن يقول «لا مساس»! أبد الدهر: {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا} [طه: 97]، وزعموا أن قصة السامري الذي في القرآن كانت هي الأساس الذي بنى عليه أهل الكتاب من بعد أسطورة «اليهودي التائه»، إلى آخر ما قالوه، ولو يتوقفوا ليتساءلوا: ولم لا تكون أسطورة اليهودي التائه من أهابيش ذاكرة أهل الكتاب التي سقطت من أسفار التوراة أو تكتمتها أسفار التوراة؟ ولماذا يهتم القرآن – وهو من عند غير الله بزعمهم – لمخالفة أساتذته من أحبال أهل الكتاب لمجرد تنزيه هرون عن ضلالة صنع العجل لبني إسرائيل في قول التوراة، مثلما اهتم من بعد لتبرئة مريم عليها السلام «أخت هرون!» من البهتان الذي قذفت به في عيسى عليه السلام يوم جاءت به قومها تحمله؟ ما للقرآن لهذا أو ذاك وهو يختصم أهل الملتين معًا؟ أليس لأنه وحده هو العليم بكل ما كان؟ الحريصُ على الصدق في كل ما قال؟
هؤلاء الأدعياء يهرفون بما لا يعرفون، فيقطعون ولا يتثبتون، بل ربما دلسوا عليك آمنين ألا تكشف زيفهم، ظانين أنك لست أهلاً لتجشم مؤونة الرجوع إلى مصادرهم: ليست «السامري» في القرآن صفة على النسب إلى السامرة التي في فلسطين (وهي «شمرون» عبريًا بضم الشين والنسبة إليها «شمروني» أي «السامري» الذي من السامرة)، وإنما هي صفة على النسب إلى «شمرون» بكسر الشين، وهو شمرون بن يساكر بن يعقوب، الذي ينسب إليه «الشمرونيون»، عشيرة شمرون، من سبط يساكر بن يعقوب، أحد أسباط بني إسرائيل الإثني عشر. وكلا اللفظين (شمرون بضم الشين يعني السامرة وشمرون بكسر الشين ابن يساكر بن يعقوب رأس عشيرة الشمرونيين والنسبة إليها شمروني بكسر الشين يعني واحد الشمرونيين أي «السامريين» كالذي في القرآن) مشتق من الجذر العبري «شمر»، الأولى «شمرون» بضم الشين على اسم المكان، أي السامرة، والثانية بكسر الشلين على اسم الفاعل من «شمر»،
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/28]
ومعناه حفظ وصان وحرز، و«شمر من» يعني احترز منه وتحاماه وتوقاه (راجع الترجمة العربية على الأصل العبراني لسفر يشوع 6/18). وعلى هذا يكون معنى السامرة عبريًا هو الحرز أي الحصن المنيع، ويكون معنى اسم شمرون بن يساكر بن يعقوب المنسوب إليه ذلك «الشمروني» (أي السامري الذي في القرآن)، هو الحارز المحترز.
السامري الذي في القرآن هو من صميم أسباط بني إسرائيل في التيه، لا شأن له بالسامرين الساكنين السامرة في فلسطين. لم يسمه القرآن بالاسم وإنما نسبه إلى بني أبيه. ولم يفطن إلى هذا المفسرون.
ولكن القرآن المعجز الذي لم يسم هذا الرجل بالاسم، لا يفوته على منهجنا في هذا الكتاب أن يفسر لك معنى «شمروني» (أي السامري) في أصلها العبري بتلك العبارة المعجزة «لا مساس!» التي سيقولها السامري ليتجبنه الناس، أي توقوني وتحاموني، فأنا شمروني! وتندهش إذ تعلم أن صيغة أمر الجماعة من الجذر العبري «شَمَرْ» - إن أضفت إليها ضمير المفعول للمتكلم في العبرية «ني» (كما في العربية تمامًا) تصبح «شمروني!» أي توقوني وتحاموني (لا مسال التي في القرآن) بنفس الرسم والنطق الذي في «شمروني» على النسب، أي السامري الذي في القرآن. ألا فسبح معي العليم الخبير، القائل بكل اللغات، ودعك من بغاث الطير الذين يريدون التحليق إلى قمة ليس إليها من سبيل.
أما تفسير الاسم «هارون» - مقصدنا الأول في هذا المبحث – فقد مر بك أنه في العبرانية «أهارون» بزيادة الألف في أوله، وأن هذه الألف البادئة هي «ألف التحلية» Prosthetic Aleph، التي تزيد في المبنى ولا تزيد في المعنى، فالأصل «هارون» بنفس صورته المعربة في القرآن. ومر بك أيضًا أن علماء التوراة وكتبة أسفارها لم يتصدوا لتفسير معنى هذا الاسم في العبرية، شأنهم شأن مفسري القرآن الذين اكتفوا بالنص على عجمة هذا الاسم ولم يتصدوا لتفسيره. إلا أنه قد كان من أصحاب المعاجم، مثل معجم وبستر وغيره، من تصدوا لتفسير معنى «هارون»، استنادًا إلى علماء العبرية بالطبع، فتفاوتت تفسيراتهم على ثلاثة أقوال:
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/29]
1- إنه الخفيف النزق nimble or light، وهم هنا يشتقونه من الجذر العبري «أرن» بفتح الراء مكافئ «أرن» العرب بكسرها، أي خف ونشط ومرح وبطر، فهو «أرون» عربيًا. وعلى هذا القول تكون الألف الزائدة البادئة في «أهارون» أصلية، والزائدة هي الهاء. ولا يصح هذا في نحو اللغة العبرية، فضلاً عن أنه من أعلام العبرانيين على معنى الخفة والنزق «أورين»، «أرنان» بضم الهمزة وفتحها، على الاشتقاق الصريح من الجذر العبري «أرن»، دون حاجة إلى إقحام الهاء بعد الألف البادئة في «هارون».
2- إنه الفكير المكير thoughtful, deviser، يشتقونه من «هرا» العبري الذي معناه – إن أسندته إلى فاعل مؤنث – حبلت (المرأة)، وإن أسندته إلى فاعل مذكر كان معناه: فكر وقدر to conceive, devise وهذا يصح في العبرية من حيث الاشتقاق، ولكن المعجم العبري لألفاظ التوارة «هملون هحداش لتناخ» عبري/ عبري، وهو من مراجع هذا الكتاب، يقول لك إن «هرا» العبري المسند إلى الفاعل المذكر ليس من التفكير والتقدير وإنما هو يجيء على الذم بمعنى اضمر له سواء، أو كاد له أمرا. ولا تصح التسمية بهذا في هارون من قبل أبيه وهارون بكره. ولا تصح به الكنية أيضًا من قبل بني إسرائيل وهارون أحب إليهم من موسى، حتى إنهم حين مات هرون اتهموا موسى بقتله غيرةٌ منه.
3- إنه عَلِيٌ أو مُتعال exulted, elated (وربما ذكرك هذا بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: «أنت مني بمنزلة هرون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي!» الذي اغتنمه أصحاب الأهواء فحملوه فوق ما يحتمل). والاشتقاق هنا يجيء من «يهر» وهو جذر ممات في عبرية التوراة لم يبق منه إلا «يهير» بمعنى الصليف ذي الصلف، فيفترضون أن «يهر» بمعنى «علا». وعلى هذا القول تجيء «أهارون» من «يهر» مزيدًا بالواو والنون على الفاعلية، كما جاءت «يشرون»: (أي «شارون» من «يشر» وقد مر بك) فتصبح «يهرون» ثم تؤول بحذف الياء البادئة إلى «هارون»، ثم تضاف ألف التحلية فيؤول إلى «أهارون» يرسمها في التوراة. ولا غبار على هذا التفسير من حيث الاشتقاق في العبرية، ولكن الذي يُضعف منه هو انعدام الجذر «يهر» في عبرية التوراة.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/30]
ولئن كان أرجح التفسيرات الثلاثة هو التفسير الأخير (عَلي أو مُتعالٍ)، فثلاثتها جميعًا موضع اختلاف بين علماء العبرية كما رأيت، أي ليس على أي منها إجماع. وهذا يدلك على أن علماء العبرية ليس لديهم مأثور يفسرون به هذا الاسم، وإنما هي اجتهادات لغوية ليس إلا.
ولكن القرآن لا يفسر على منهجنا في هذا الكتاب الاسم «هارون» بأي من هذه المعاني الثلاثة: الخفة أو المكيدة أو العلو. وإنما هو يجانسه على معنى القوة والشدة في مثل قوله عز وجل على لسان موسى: {واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزري} [طه: 29 – 31]، {وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي رداء يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} [القصص: 34 – 35]. هذه المجانسات القرآنية على الاسم «هارون»، والتي تحدد علة استنصار موسى بأخيه، لا تخرج عن معنيين: الفصاحة واللسن، وأيضًا القوة والشدة، فشد أزره وشد عضده، يعني قواه، والردء من معانيه في العربية القوة والعماد، والوزارة أيضًا من هذا، فالوزير يعني حامل الثقل، والوزر عربيًا بفتحتين يعني الجبل المنيع يعتصم به.
أما تفسير «هارون» على معنى الفصاحة واللسن، فهو مردود بامتناع تأصيله على أحرف «هارون» في العبرية. وأما تفسيره على معاني القوة والشدة والوزر، فهو سلسل قريب. لا يحتاج إلى افتعال ذلك الجهد الذي بذله علماء العبرية في تفسيراتهم للاسم «هارون»، ولو فطنوا لما سنقوله الآن لما ارتضوا به بديلاً: إنه من «هار» العبرية بمعنى «جبل»، زيد بالواو والنون، إما على الصفة المشبهة (كما قالت العبرية «إشتون» من «إشت» أي شبيه المرأة، وقد مر بك)، وإما على التصغير توددًا وتحببا، فهو «جبيل». وأما الألف الملصقة بهذا الرسم في العبرية «أهارون» فهي زائدة: إما هي ألف التحلية كالتي في «أدون» يعني «سيد» (وأصلها «دون»)، وإما هي أداة التعريف العربية «أل» حذفت لامها، ولهذا نظائر في العبرية يعرفها المتخصصون، لا نثقل بها عليك.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/31]
والذي ينبغي التنبيه إليه أنه «هار» العبرية بمعنى «جبل»، يكنى بها عبريًا عن القوة والثبات والصمود، تمامًا كما يفعل أهل العربية في لفظة «جبل»، بل لا تخلو أعلام العرب من «جبل»، «جبيل»، «جبلة». بل من مجاز العبرية أن تكنى عن رؤساء الشعب «بلفظة» «هاريم» (جمع جبل) وهو مجاز يفسره المعجم العبري بعبارة «دولي هاعام» أي «أكابر الشعب»، وبلفظة «معصاموت» أي القوة، ومنها في العبرية المعاصرة «معصاموت جدولوت» يعني «القوى الكبرى».
«هارون» إذن يعني «الجبل» أو «جبيل»، وقد فسره القرآن كما رأيت على معنى الوزر والقوة، وفسره أيضًا بالتقابل في قول هرون يعتذر لأخيه في فتنة العجل: {قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء} [الأعراف: 150]. وسبحان العليم الخبير).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 2/ 22-32]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir