دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 16 ربيع الثاني 1443هـ/21-11-2021م, 10:36 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(2) معنى الأعجمي المعنوي والأعجمي العلم:
قال محمود رؤوف عبد الحميد أبو سعدة: ( (2)
أما الذي نعنيه بالاسم المعنوي – بعيدًا عن مواضعات أهل النحو والصرف – فهو الاسم المشترك الدال بذاته على معنى ما يجتمع فيه كل أفراده لا يشذ منهم أحد، نكرة ما لم يعرف بالإضافة أو بالألف واللام، عام لا يتخصص إلا بالإضافة أو النعت، يقبل بطبيعته الإفراد والتثنية والجمع: إنه بالتحديد أسماء الأفعال، والصفات، وأسماء الجنس، أحيائه وجماده.
من ذلك أن لفظة «إنسان» تصدق على كل فرد من بني آدم. أما إن عرفتها بالألف واللام فهي مطلق «الإنسان». وتستطيع أيضًا تعريفها بالإضافة فتقول مثلاً «إنسان العين»، تعني «بؤبؤها»، أعني صورة ذلك الإنسان التي يطل بها عليك محدثك كما حدقت في عينيه، وهي صورتك أنت انعكست على بلورية عيني أخيك. وتستطيع أيضًا أن تثني وتجمع، فتقول: «إنسانان» وتقول «ناس» و«أناسي». وقس على ذلك أمثال الزهرة والسنبلة، والنملة والهدهد، والصخر والحديد، والسندس والإبريسم والديباج، والأسد والقسورة، والبحر والجبل، والشيخ والصبي، والغني والفقير، والصغير والكبير. وقس على ذلك أيضًا أسماء الأفعال من مثل «فلسفة»، التي تُجمع على فلسفات، أو «تَعَب» التي تُجمع على أتعاب ومتاعب.
لكل من الألفاظ التي ذكرت، وأشباهها، كما ترى، معنى محدد في ذهنك وذهن محدثك، إن تحدثت به إليه فإنما تريد هذا المعنى بالذات، ولا تريد «شخص» من اتصف به أو وقع عليه، فكل الجبال جبل، وكل الآساد أسد، وكل الأثرياء ثرى، وكل ما كان من الجمال بوجه فهو جميل.
بل حتى إن خصصت فقلت: هذا الأسد، فقد خصصت «أسدًا» ما بالإشارة، ولم تزد على أن سميته باسمه «المشترك» بين سائر بني جنسه.
وليس هكذا أمثال «زيد» أو «عمرو».
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 85]
الاسم «المعنوي»، يريد المعنى ولا يريد الشخص.
والاسم «العلم»، على النقيض من هذا كما سترى، يُريد الشخص ولا يُريد المعنى.
يُطلق الاسم «العلم» لا يراد منه معناه، وإنما يراد منه شخص المسمى ذاته، ناسبه الاسم أو تناقض معه.
خذ مثلاً ذلك الصديق الذي لم ير قط عبوسا، بل تلقاه دائمًا أبدًا منفرج الأسارير متهلل الوجه، ولكنك لا تنفك تناديه بما سماه به أبوه، فتقول: يا عباس! أو ذلك الشيخ الذي تمادى به العمر، وهو وليد. بل كم من عبلة عجفاء، وهيفاء ليست بهيفاء، أو خديجة لم يخدج بها.
ورب عمرو لم يعمر، أو زيد ولا زيد ثم ولا فضل. وليست «القاهرة» لمجرد اسمها وحده بالتي تقهر دائمًا الغزاة، وإنما سميت عاصم مصر بهذا الاسم تيمنًا فحسب.
الاسم هاهنا «علم» على ذات صاحبه، والعلم من العلامة: إنه مجرد رمز ترمز به إلى شخص أو شعب أو بلدة أو موضع. يلخص في ذهنك كل ما «تعرفه» عن ذلك الشخص أو الشعب أو البلدة أو الموضع، تعلم هذا أو ذاك بتلك العلامة التي اصطلحت مع محدثك عليها كيلا تختلط عليكما الأشخاص والأماكن، مثلما يعلم الأب أبناءه بتلك الأسامي التي يطلقها عليهم، لا يريد من التسمية إلا هذا، ولو سميت ابنك عمرا بزيد وسميت زيدا بعمرو، أو خالفوا في التسمية بين بغداد والقاهرة، لجاز. ولكنك متى سميت، فقد خرج الأمر من يدك، لا تملك له تبديلاً: لصقت التسمية بالمسمى وانتهى الأمر.
الاسم العلم إذن هو اسم «الذات» مجردة من الصفات، لا معنى له – مهما كان أصل وضعه واشتقاقه – إلا تلك «الذات» التي يدل عليها في ذهنك وذهن محدثك، لا تختلط بغيرها.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 86]
ربما ثنيت فقلت «العمران»، ولكنك عندئذ تريد أبا بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب رضي الله عنها، ولا تريد أي أبي بكر واي عمر.
بل ربما جمعت فقلت «المناذرة»، ولكنك تريد «آل المنذر» ملوك الحيرة، لا كل «منذر».
ومع أن الاسم العلم يطلق على كثيرين، أي يطلق نفس الاسم على «ذوات» متعددة، متجاورة أو متباعدة في الزمان والمكان، وربما تكرر اسم جد لحفيد، بل في مصر «إسكندرية» وفي الولايات المتحدة صنوها، وفي قرى مصر «باريس» غير «باريس» عاصمة فرنسا، إلا أنك حين تتحدث بالاسم العلم فإنما تتحدث عن واحد بعينه، لا عن كل من تسموا باسمه، تريد الشخص أو الموضع، ولا تريد «سميه».
لهذا كان الاسم العلم «معرفة» بذاته، لا يتعرف بالإضافة إلى معرفة، ولا يتعرف بالألف واللام، وإنما يتعرف بالعلمية، لأن الإبهام لا يرد عليه، والمقصود منه «واحد». ربما وقعت فيه الألف واللام، ولكن هذا مجرد حشو، كما في أمثال «القاهرة» أو «الحسن».، فأنت تعني في الأولى عاصمة مصر، لا اسم الفاعل المؤنث من «القهر»، ولا تقصد من الثانية صفة «الحسن»، وإنما تريد الحسن بن علي رضي الله عنها. وربما جازت الإضافة في الاسم العلم، كما في «نيل مصر»، ولكنك تريد ذلك «النهر» الذي في «مصر»، فلا «نيل» في غيرها. كما تقول «قاهرة المعز»، ولا «قاهرة» في ذهنك وذهن محدثك إلا هي.
ومن خصائص الاسم العلم أنه لا يوصف إلا على الخبر أو على البدل، ولا يوصف على النعت، لأن النعت يخصص، والاسم العلم متخصص بذات «علميته»، لا يحتاج إلى مخصص. من ذلك قولك: «الله أكبر»، على الخبر، تنزه ذات الله عز وجل عن المثيل والند، ولا تقول: «الله الأكبر»، على النعت، لأن معنى هذا أن ثمة آلهة الله أكبرهم، وهو لغو أو تجديف، بل زلة ينقطع دونها اللسان، أشبهت بها عبدة الأوثان والأقانيم. أما الوصف على البدل فمنه قوله عز وجل: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} [الفاتحة: 1 – 3] أي الحمد لله الذي هو رب العالمين، الذي هو الرحمن، الذي هو الرحيم، إلخ. فالله علم على ذاته تباركت أسماؤه، وسائرها بدل منه. ينطبق
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 87]
هذا بتمامه على قولك: زيد وفي، على الخبر، تنبئ محدثك بصفة لمستها في «زيد» ومثله قولك: زيد الوفي، على البدل لا على النعت، وكأنك قلت: زيد، هذا الوفي، ... إلخ. متى نعت فقد لقبت، على البدل من المنعوت، تؤكد لمحدثك ذاتية زيد الذي تعنيه، كيلا يختلط «الأزياد» عليه، كما في «محمد الفاتح» أو «الحسن البصري»، وكما في «الحسن بن علي» رضي الله عنها. كل هذا على البدل، لا على النعت.
على أن للاسم العلم – فوق اختصاصه بالدلالة على ذات صاحبه – معنى ما، كان بالتأكيد وراء اختياره عَلَما على أول من تسمى به ثم جرى من بعد في أسماء الناس، ربما لمعناه، وربما لجرسه، وربما إعزازًا لعزيز تسمى به، أو عظيم في أمتك ذي شأن. ربما جال بخاطرك هذا كله أو بعضه وأنت تختار اسمًا لمولود ولد لك، ولكنه يمحى تمامًا من ذهنك بعد ما اخترت وسميت، فلا يبقى لديك من معنى الاسم إلا جرسه، وإلا دلالته في سمعك وسمع محدثك على «ذات» المسمى، أي لا يبقى من الاسم إلا ذلك «الصوت» الذي تطلقه فيستجيب المنادي به، وكأنك حين تقول: يا زيد لا تعني إلا «يا هذا»، لا أكثر ولا أقل.
وهذا يفسر لك لماذا تنبهم على كثير من الناس – بل وعلى أصحابها أحيانًا – معاني الأسماء الأعلام، إما لأنهم يطلقون الاسم ولا يتعمقون معناه، وإما لأن الاسم قديم موروث، لا يستعلن بمعناه إلا للباحث العكوف المتخصص: كم من زينب لا تعرف ما الزينب وكم من خديجة ولا تدري أنها من الخداج. بل قد يكون الاسم من أصل أعجمي يفوت معناه على صاحبه، بل وعلى أبيه الذي سماه به، لا يدري من أي لغة هو، وعلام يدل، لأنه لم يرد المعنى أصلاً، وإنما أراد الجلوس، أو أراد شخصًا عزيزًا أو بطلاً، وربما أراد شخص نبي أو أراد ملكًا، كما في جبرائيل وميخائيل (جبريل وميكال في القرآن)، وكما في يونس ويوسف ونوح وإبراهيم، صلوات الله وسلامه على ملائكته وأنبيائه، ثم تمضي القرون، وتتكرر التسمية في أجيال وأجيال، ويذوب المعنى في الجرس فينسى، ثم يندثر.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 88]
وليس هذا وقفًا على العربية وحدها، ولكنه شائع ذائع في كل اللغات: كم فرنسية تعلم أن هنرييت معناها «ست الدار»؟ وكم من جورج (جرجس في مصر) يعلم أن معناها «الحارث»؟ وكم من كلود (قلدس وأقلاديوس في مصر) يعتزي فخورًا على قيصر تسمى به (كلاوديوس) ولا يدري أن معناها «الأعرج» أو «العرجي»؟ بل كم من مارك (مرقص في مصر) يدري أنها «المريخي» المزاج، أي الغضوب أو «الحربي» وأن مؤنثه مارسيل كذلك؟ وكم من راشيل (راحيل العبرية) تعلم أن معنى الاسم في العبرية هو «النعجة» أنثى الغنم؟ ربما لو توقف الناس عند معنى الاسم العلم لترددوا في التسمية، ولكنهم لا يتوقفون، إما لأن المعنى لا يعنيهم، وإما لأنهم جهلوه أو أنسوه.
وهذا يفسر لك أيضًا لماذا لا تجوز ترجمة الاسم العلم إلى معناه في اللغة المنقول إليها، وإنما الجائز فقط هو «تعريبه»، أي تهذيبه على مقتضى مخارج أصوات اللغة وأوزانها: يجوز لك تعريب «جيورجيوس» اليونانية إلى «جرجس»، ولا يجوز لك ترجمتها إلى «الحارث» أو الفلاح. لا تجوز لك ترجمة الاسم العلم إلا إذا كنيت وأبهمت، أو تظارفت، فقلت في معلقة «الحارث بن حلزة»: قالها جورج بن حلزة أو ناديت صديقك «رمسيس» (رع + مسيس المصرية القديمة) بقولك: ابن الشمس أو أردت كمصري – مطلع هذا القرن – أن تخوض في «جورج الخامس» ملك إنجلترا التي كانت تستعمر مصر آنذاك، فقلت: الفلاح بن الفلاح! تكني وتبهم، تخشى على نفسك سلطانه وحوارييه، وعيونه وأعوانه.
وكما لا تجوز ترجمة الأعجمي العلم إلى معناه في اللغة المنقول إليها، لا يجوز أيضًا الإبدال منه بمرادف من نفس اللغة في ذات معناه، كأن تنادي صاحبك زيدًا بقولك: يا فضل! ثق أن «زيدا» لن يسمع منك، وإن سمع فلن يستجيب: ذاتيته هي «زيد» لا «فضل»، وإن تطابق المعنى.
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 89]
وهذا يفسر لك أخيرًا – وهو بيت القصيد في كل ما سبق – ضرورة احتواء القرآن هذا الشطر من اللفظ الأعجمي، أي الأعجمي العلم، ضربة لازب، وهو يحدث بأخبار من لا تشك قط في عجمته ويقص عليك نبأ القرون الأولى، منذ بدء الخلق بآدم. ناهيك بالملأ الأعلى، وناهيك بيأجوج ومأجوج، وهاروت وماروت، وإبليس وفرعون، وعاد وثمود، وقوم لوط وأصحاب مدين.
وإذا كان قد وجد من علماء القرآن من ينكر البتة احتواء القرآن لفظًا أعجميًا واحدًا، ولو كان من الأعجمي المعرب أمثال سندس وسرادق واستبرق وقسورة، وبذلوا من الجهد، وأيضًا من الافتعال الشديد الوعر فيما يحسبونه ذودا عن القرآن بإثبات أصالة هذا اللفظ أو ذاك في العربية ونفي عجمته، إذا كان هذا هو موقف بعض علماء القرآن من أعجمي القرآن، فهذا كله في باب الأعجمي «المعنوي»، لا في باب الأعجمي العلم، لأن العلم الأعجمي لا يصح فيه جدل.
ونحن لا نبتغي جدال هذا الفريق من العلماء في موقفهم من الأعجمي المعنوي في القرآن، وإن ألممنا به في سياق ما نكتب، لأننا في المقام الأول لا نريد أن نخوض بك في جدل يذهب بحلاوة ما هدانا الله إليه بفضل منه ونعمة، وهو تفسير أعجمي القرآن بالقرآن، وثانيًا لأنه يخالف المقصد الأساسي لهذا الكتاب، لأن تفسير القرآن لأعجميه المعنوي – إن وجد – ليس فيه علم ولا إعجاز، وقد عرفها العرب «معربة» قبل القرآن لا تحتاج إلى تفسير.
وإنما الإعجاز كل الإعجاز أن تفسير في لغات شتى – بعضها دارس – علما أعجميا يفوت معناه على صاحبه، ويجهله أبوه، ناهيك بأساليب القرآن في هذا التفسير، كما سترى.
وربما خالف القرآن مبدأ عدم جواز ترجمة العلم الأعجمي كما ذكرنا آنفًا، أعني إسقاط الأصل الأعجمي جملة والإتيان به مترجمًا، على نحو ما فعل القرآن في أمثال «إدريس» و«ذي الكفل»، مما نتناوله فيما يلي من فصول هذا الكتاب.
ولكن هذه أيضًا من إعجاز القرآن. وسيأتي).
[العَلَمُ الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن: 1/ 85-90]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعجمي, العَلم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir