الحمد لله الذي هدانا بكتابه، وشرّفنا بخطابه، وأرسل إلينا خير رسله، وأنزل معه أشرف كتبه، ليعلّمنا الكتاب والحكمة ويزكّينا، ويكون لنا إماماً أميناً وهادياً مبيناً، فأدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة، وأكمل الله به الدين، وأتمّ به النعمة، فكانت شريعته خير الشرائع وأحكمها، وهديه خير الهدي وأحسنه، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء، أقومهم هدياً، وأهداهم سبيلاً. فصلاة الله وسلامه عليه في العالمين، وعلى أصحابه المرضيين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه دروس ميسرة في أعمال القلوب اجتهدت في جمع مباحثها، وترتيب مسائلها، وتوضيح مقاصدها، رجاء أن أنتفع بها، وينتفع بها من يطالعها من إخواني وأخواتي من طلاب العلم.
وباب أعمال القلوب من أجل أبواب علم السلوك، وأعظمها نفعاً، فإنّ القلب إذا صلح صلح سائر الجسد، وانتفع صاحب العلم بعلمه، وإذا فسد القلب فسد سائر الجسد. وأصلُ هذه الدروس مقدمات بين يدي شرح مطوّل للتحفة العراقية في الأعمال القلبية لشيخ الإسلام ابن تيمية، كنت قد شرعت فيها في شهر جمادى الأولى عام 1433هـ ، في ملتقى أهل التفسير على الشبكة العالمية، ووصلت فيها إلى درس الخشية والإنابة، ولم يقدّر لي إكمال الشرح في تلك السنة، ولمّا رأيت هذه المقدّمات قد طالت، عزمت على فصل هذه الدروس في دورة مستقلة في أعمال القلوب، وتتميمها وتهذيبها، فتمّ ذلك في شهر ذي القعدة من عام 1440ه، ولله الحمد والمنة. وكان البدء في إعادة تهذيبها وتتميها في غرّة الشهر، وأتممته في الثامن والعشرين منه، بعون الله وتوفيقه.
وأسأل الله تعالى أن يتقبّل هذا العمل بخير ما تقبّل به أعمال عباده الصالحين، وأن يضاعف المثوبة لكلّ من قرأها ودرسها ونشرهاً، وأن يجعل ذلك رفعة في درجاتنا، ونوراً في بصائرنا، وسبباً مباركاً لصلاح أعمالنا ونياتنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.