دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > دورات علم السلوك > أعمال القلوب

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 9 ذو القعدة 1440هـ/11-07-2019م, 11:54 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

حياة القلوب وموتها:
يحيا القلب بالعلم والإيمان، ويموت بالجهل المطلق، وبكثرة العلل والأمراض وفقدان الغذاء وأسباب الشفاء فتستحكم الغفلة، ويستحكم الجهل المطلق؛ فيموت القلب، وإن كان البدن حيّاً، لأنَّ القلبَ قد حيلَ بينه وبين أسباب حياته الحقيقية التي ينتفع بها، كما قال الله تعالى عن الكفار: { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فذكروا الموانع على القلوب والأسماع والأبصار، وأبدانهم حيّة تسمع الأصوات وتبصر الأشخاص وتفهم الخطاب، لكنّها حياة بَدَنٍ لا حياة قلب.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}.
ولذلك فإنّ القلب الميّت لا يستجيب لما يحييه؛ فلا يسمع سمعاً ينفعه، ولا يتكلّم بما ينفعه، ولا يبصر ما ينفعه، كما قال الله تعالى في الكفار: {صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}، فنزّل الذي لا ينتفع بالجارحة منزلة فاقدها.
وإذا مات القلب لم ينفذ إليه الهدى ولو كان الذي يعظه ويُرشده أبلغ الخلق وأحسنهم بيانا، كما قال الله تعالى: {فإنّك لا تسمع الموتى} أي: موتى القلوب على الصحيح من أقوال المفسرين، وذهب بعض المفسّرين إلى أنّه تشبيه ضمني، أي: هم كالأموات في عدم سماعهم واستجابتهم، وفي كلا التفسرين حجة، والأول أصحّ.

- و قال ابن القيّم رحمه الله: (شبه سبحانه من لا يستجيب لرسوله بأصحاب القبور، وهذا من أحسن التشبيه، فإن أبدانهم قبور لقلوبهم؛ فقد ماتت قلوبهم ، وقُبرت فى أبدانهم؛ فقال الله تعالى: {إنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِى الْقُبُورِ}، ولقد أحسن القائل:

وفى الجهل قبل الموت موت لأهله ... وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم فى وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور
)ا.هـ.
وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}.
وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
فهؤلاء قد خُتم على قلوبهم فلا ينفذ إليهم الهدى بسماع ولا بصر {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها}
وأعظم أسباب موت القلب هو الشرك، وهو الظلم الأعظم الذي لا تبقى معه للقلب زكاة، كما قال الله تعالى: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}.

والمعاصي تُضعف حياة القلب، وتُدخل الموات فيه حتى إذا رانت على القلب أماتته، كما قال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}
- قال عاصم الأحول: سمعت الحسن [البصري] يقول في قول الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}: «تدرون ما الإرانة؟ الذنب بعد الذنب، والذنب بعد الذنب، حتى يموت القلب» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة.

- وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادةَ في تفسير هذه الآية: (أعمالَ الْسَّوْءِ، إِي وَاللّهِ؛ ذَنبٌ عَلَى ذَنبٍ، وذنبٌ عَلَى ذَنبٍ، حتَى ماتَ قَلْبُهُ واسودَّ).

- وقال عبد الله بن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب ... وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها



وصاحب القلب الميّت تتسلّط عليه الشياطين بسبب إعراضه عن ذكر الله فتضلّه وتغويه حتى يظنّ أنه مهتدٍ وهو في ضلال مبين، ويرى أعماله السيئة حسنة، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} وقال تعالى: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}
وإذا استحكم موت القلب استحوذ عليه الشيطان فنفَر صاحبُه من الحق نفوراً شديداً، وأصبح لا يطيق سماع الحق، ولا رؤية آياته من شدّة إعراضه عنه، ولا تزيده المواعظ إلا نفوراً، كما قال الله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) }
وقال الله تعالى: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}
وقال الله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
وقال الله تعالى: { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)}
وقال تعالى: { يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}.
وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}

وهذه الآيات الواردة في ذمّ القلوب الميّتة والمريضة وإن كانت نازلة في الكفار إلا أنها تتناول بالتنبيه مَن في قلبه شعبة من شعب النفاق أو الكفر الأصغر، لئلا يُصاب بعقاب من جنس عقابهم وإن لم يكن في درجته وشدته.

السبيل إلى حياة القلب:
ولا سبيل إلى حياة للقلب إلا بتوحيد الله تعالى والاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالتوحيد يزيل إلهية ما سوى الحقّ من القلب، والاستجابة لله تعصمه من الهوى واتّباع الشيطان.
- ودليل الأول قوله تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه} أي: بتوحيد الله الذي يخرج به العبد من الظلمات إلى النور، ولذلك سمّى القرآن روحاً لأنه متى باشر القلب حيي به كما قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا}.
- ودليل الثاني قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
- قال ابن القيّم رحمه الله: (فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هى بما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان؛ فعلم أن موت القلب وهلاكه بفقد ذلك).


ومن صدق في طلب حياة قلبه صدقه الله وأحيا قلبه مهما بلغ موت قلبه كما قال موسى عليه السلام لفرعون وهو من أقسى الخلق قلباً: {وأهديك إلى ربك فتخشى} وعدّيت الهداية بـ"إلى" لتضمينها معنى الإنابة، أي: أدلّك وأرشدك فتنيب إلى ربّك وتعرفه المعرفة الصحيحة التي تنير البصيرة وتحملك على خشية الله تعالى؛ فمن عرف اللهَ خَشِيَه.

وكلما كان العبد أحسن استجابة لله كانت حياة قلبه أحسن وأتم، كما قال تعالى: {للذين استجابوا لربّهم الحسنى} حسن الحال وحسن المآل، وتقديم الجار والمجرور لإفادة الحصر فهو امتياز لأهل الاستجابة، والاستجابة والحُسن أمران متفاضلان؛ فأسعد الناس بحسن الحال وحسن المآل أحسنهم استجابة لربّه جلّ وعلا.

علامات حياة القلب:
ولحياة القلب علامات:
منها: الانتفاع بالذكرى، كما قال تعالى: {لينذر من كان حيا}، أي: حيّ القلب، وقال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} أي: قلب حي
ومنها: أن يسرّ بالحسنات ويستاء للسيئات، وفي الحديث الصحيح: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن).
ومنها: أن يكون حبه لله وبغضه لله وعطاؤه لله ومنعه لله، وهذه أعلى درجات حياة القلب ومن بلغها فقد استكمل الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح.

وإذا حسنت حياة القلب أحسّ صاحبه بما يضرّه ويؤذيه؛ فيجد ألماً للذنب وإن صغر، ووحشة من الغفلة وإن خفّت، فيمتنع مما يؤذيه ويضرّه، ويسعى إلى تطهير قلبه وتغذيته، ويبادر إلى ما يُزيد قلبه حياةً ونوراً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داوود وغيرهم من طرق عن ثابت البناني عن أبي بردة عن الأغر المزني رضي الله عنه.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والغين حجاب رقيق أرق من الغيم، فأخبر أنه يستغفر الله استغفارا يزيلُ الغينَ عن القلب فلا يصير نكتة سوداء).
- وقال ابن القيم: (الغين ألطف شيء وأرقّه). أي مما يغشى القلب.
والمقصود أنَّ صاحب القلب الحيّ يشعر بما يؤذي حياةَ قلبه، ويميّز ما يكدّر عليه صفوه واستنارته، وما يُضعف قوته ويؤثر في صحّته، ويزداد تمييزه بازدياد نصيبه من حياة القلب وبصيرته التي عمادها الإيمان والتقوى، كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}
وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)}

والقلب الحيّ يجعل الله فيه نوراً يمشي به صاحبه، وفرقاناً يفرّق به بين الحقّ والباطل، وكلما كانت حياة القلب أتمّ كان نوره أعظم، وفرقانه أظهر، حتى يتبيّن له الحقّ من الباطل، والهدى من الضلال، والغيّ من الرشاد، فلا تلتبس عليه الأمور {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}.

ومن سمات القلب الحيّ أنه ينجذب إلى ما يزيده حياةً ونوراً وزكاةً وطمأنينة؛ فيألف الطاعات ويحبّها ويأنس بها ويشتاق إليها، وينفر من المعاصي والغفلات ويستوحش منها، ولذلك فإنّ صاحب القلب الحيّ هو الذي يسوغ له أن يستفتي قلبه، لأن قلبه صحيح الإدراك، حسن التمييز بين الحقّ والباطل، لطيف الشعور بآثار البرّ والإثم، قد ارتاضت نفسه لأعمال البرّ وعرفتها، ووجدت آثارها المباركة، فما أدخل عليها أثراً ينكره توقف فيه، وعلم أنّ له علّة توجب تجنّبه.

وهذا مسلك لا يصحّ إلا لمن كان حسن التسليم والانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، معظّماً لنصوص الكتاب والسنة، حسن العمل بالمُحكم من النصوص؛ فإذا ورد عليه ما يشتبه عليه ردّه إلى ما عرفه من المحكم وما وجده من آثار اتباعه للمحكم، فما وافقه عرف أنه حق، وما خالفه عرف أنه باطل.

وهذا أصل مهم للتمييز بين من يستفتي قلبه وهمّته إلى معرفة الحقّ الذي يريده الله ويقبله ويثيب عليه، وبين من يستفي قلبه وهمّته إلى ما تهواه نفسه وتخلد إليه.
وهذا الأصل مما يُفسّر به الحديث الذي رواه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، عن أبي حميد وأبي أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم، وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه)). رواه أحمد وابن سعد وابن وهب وابن حبان وغيرهم، وصححه الألباني وقال: (هو خاص بطبقة معينة من أهل العلم).
وهم الذين لديهم من الفرقان ما يميّزون به ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يصحّ، ولذلك كان جماعة من الأئمة النقّاد ربما سُئلوا عن حديثٍ فينكرونه ويرون أنه باطل لا يصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيُفتّش بعض أهل العلم في إسناده وأحوال رجاله فتتبيّن له علّته، وأنه كما ذكروا.
وهذا الحديث الذي رواه ربيعة أصحّ من الحديث الذي رواه أبو عبد السلام البصري عن أيوب بن عبد الله بن مكرز الفهري، عن وابصة بن معبد الأسدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوابصة: «جئتَ تسأل عن البر والإثم؟»
قال: قلت: نعم.
قال: فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال:«استفت نفسك، استفت قلبك يا وابصة - ثلاثا - البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك» رواه أحمد والدارمي وابن ابي شيبة، وقد أُعلّ بالانقطاع، فلم يسمعه أبو عبد السلام من أيوب، كما نصّ على ذلك الإمام أحمد في روايته في المسند، وفي جوابه لمن سأله عن هذا الحديث، وحسّنه بعض أهل العلم، ولبعضه شواهد.
- قال معاوية بن صالح: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البر والإثم فقال: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس» وهذاحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه، والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي في جامعه وغيرهم.
وهذا الحديث وما في معناه إنما هو لأهل القلوب الحية، وأمّا أصحاب القلوب المريضة والميّته فهم عن هذا بمعزل:
- فأما أصحاب القلوب الميتة فإنهم يتناولون ما يضرّ قلوبهم وهم لا يشعرون بضررها؛ بل ربما وجدوا في ما يضرّهم لذة ومتعة كما يلتذ الجاهل بتناول ما يضر بجسده، ولذلك قد يأتون المعاصي ويجاهرون بها ويفاخرون ولا يجدون في صدورهم حرجاً منها، ولا في أنفسهم كراهية لاطلاع الناس عليها إلا حين يخشون من اطّلاعهم ضرراً دنيوياً.
- وأما أصحاب القلوب المريضة فلديهم نوع تمييز لكنه ضعيف، فقد يتناولون ما فيه ضرر شديد ويحسبونه هيّناً، ثم لا يزال يضعف تمييزهم حتى تموت قلوبهم إلا من تاب منهم وأناب.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir