ما لا يقدح في الصدق
لا يقدح في صدق العبد أخذه بالرخص الصحيحة، وتركه تكلف ما لا يطيق، وإجمامه النفس بشيء من اللهو المباح، والملاطفة والمزاح ونحو ذلك مما تستريح به النفس حتى تقوى على معاودة العمل ، بل المأثور عن السلف الاحتساب في إجمام النفس وإراحتها بقَدَرٍ حتى يكون ذلك أقوى لها على العمل وأنشط، قال معاذ بن جبل: (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا)). متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)).
وقد روي من حديث عائشة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغِّض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المنبتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى)).
وطرقه لا تخلو من ضعف، ومعناه صحيح، ويشهد له حديث أبي هريرة المتقدم.
ومن أمثال العرب: (المنبت لا أظهراً أبقى ولا أرضاً قطع).
والمقصود أن الصدق لا يقتضي التجهم والتزمت والغلظة والفظاظة والشدة على النفس وعلى الناس؛ بل هذا أقرب إلى الغلو والتنطع المفضيان إلى الهلكة.
بل إن من صدق العبد صدقه النصيحة للناس بالتلطف لهم وإرادة الخير لهم بكل حال، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وحفظ حرماتهم وأداء حقوقهم، والسرور بما يسرهم، والحزن لما يسوؤهم، وأن يأتي إليهم ما يحب أن يأتوا إليه.