· حاجة السالك إلى الصبر:
لا ينفكّ السالك من حاجة إلى الصبر؛ فهو بين طاعات يصبر نفسه على أدائها، وبين معاصٍ يصبر نفسه عن مقارفتها، وبين أقدار تُقدَّر عليه من مصائب صغرت أو عظمت فيصبر عليها.
حتى وهو في حال الصحة والغنى ونعم السرَّاء يحتاج إلى الصبر عن اتّباع الهوى، وعن الاغترار بالنعم، وعن أن تلهيه عن ذكر الله، ولذلك كان من السلف من يعدّ الصبر في السرَّاء أشدّ من الصبر في الضرّاء، وقد روى الترمذي وغيره عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: (( ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا، ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر)).
والسالك في طريق الهداية يعرض له الشيطان في كلّ شيء من شأنه، كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ الشيطان يحضر أحدكم عند كلّ شيء من شأنه)). رواه مسلم وغيره.
فيحتاج السالك إلى مصابرة هذا الشيطان الموسوس، والاستعاذة بالله من شرّه، وفعل الأسباب التي يوقى بها من شرّه، والصبر عليها.
وتعرض له فتنٌ يحتاج فيها إلى الصبر على اتّباع الهدى حتى يخرج منها بسلام.
وتعرض له أحوال في سلوكه يحتاج فيها إلى الصبر على انتهاج المنهج الأصلح له، وإن كان فيه ما تكرهه النفس في بادئ الأمر حتى يفضي به إلى العاقبة الحسنة.
- ومن سنن الله تعالى أنه يجعل للأنبياء وأتباعهم أعداءً من المجرمين يبتلي بهم صدق أولياءه ويقينهم قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.
وأتباع الأنبياء على مثل منهجهم موعودون بما وُعد به أتباع الأنبياء من العاقبة الحسنة، ويصيبهم من الابتلاء بقدر اتّباعهم.
وقد تكفَّل الله لهم بالهداية والنصر، وهذا يفيدك ببيان ما يحتاجه من يبتلى بعداوة المجرمين فهو يحتاج إلى الهداية التي يرشد بها ويوفق بها لسلوك سبيل النجاة ، ويحتاج إلى من ينصره على من ناصبه العداء واجتهد في الإضرار به، فتكفل الله له بهذين الأمرين العظيمين، ولم يوكل ذلك إلى أحد من خلقه بل تولاه بنفسه جل وعلا فقال: {وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} فإذا أيقن الداعي إلى الله بهذه الحقيقة الإيمانية لم يخش إلا الله، وكان وثوقه بهداية الله ونصره وتصديقه بوعده سبباً في طمأنينة قلبه ورباطة جأشه وثباته على الحق والهدى.
وتأمل تقديم الله تعالى للهداية على النصر فهو ترتيب أولوية فإن من عميت عليه سبيل الهداية كان احتياجه إلى الهداية أولى من احتياجه للنصرة المترتبة عليها.
فيجب على الداعية أن يصبر على ما يدعو إليه من الحق وأن يصبر على ما يصيبه منه المشقة والأذى، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر، ووعده حق لا يتخلف قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وقال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}.