• الأسباب المعينة على تحقيق الإخلاص
الأسباب المعينة على تحقيق الإخلاص يجمعها أمران: اليقين والصبر.
فيكون لدى العبد يقين بربّه جلَّ وعلا، وحسن معرفة بما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وما يجب له من إخلاص العمل والقصد .
ويكون لديه معرفة بقَدْرِ نفسه، وأنه لو وكله الله إلى نفسه وكله إلى عجز ومضيعة، وأن اتباعه لهوى النفس في معصية الله باب إلى الخسران العظيم؛ وأن ما فاته من درجات الفضل والخير والرفعة والزلفى لدى الله عز وجل إنما هو بسبب نفسه، وتفريطها في جنب الله، وإذا حصل اليقين بذلك في قلب العبد عدَّ ما يفوته من الفضائل مصائب وما يتعرض له من سخط الله بسبب معاصيه وتفريطه في القيام بما افترضه الله عليه مصائب أعظم، وشهود هذا وذاك يحملانه على الفرار إلى الله من شر النفس وسيئات أعمالها، ويذهبان من قلبه العجب والغرور وشهود العمل والمنة به على الله، فيؤتي ما يؤتي وقلبه وجلٌ من الله ؛ يخشى أن لا يقبل منه، وهذا حال المؤمن الصادق المخلص.
والعلم بذلك لا يكفي وحده ، بل يحتاج العبد في ذلك إلى صبر ومصابرة، وإلزام للنفس على سلوك طريق الهدى؛ وحسن استعانة بالله وتوكل عليه ؛ فإن الآفات والفتن التي تعرض للقلب إذا لم يحسن العبد ردها والاستعاذة منها قد تحجب عنه حقيقة العلم وتطمس البصيرة فيقسو القلب ويغلظ، فيكون الزيغ بعد الرشاد، والضلال بعد الهدى ، والحور بعد الكور، والعياذ بالله.
ومن العبَّاد من يؤثر الخلوة ليستعين بها على تحقيق الإخلاص ، كما قال ذو النون المصري: (لم أر شيئاً أبعث لطلب الإخلاص من الوحدة؛ لأنه إذا خلا لم ير غير الله، وإذا لم ير غير الله لم يحركه إلا حكم الله، ومن أحب الخلوة فقد تعلَّق بعمود الإخلاص، واستمسك بركن كبير من أركان الصدق)ا.هـ.
وهذه المسألة فيها تفصيل، والخلاصة فيها أنه ينبغي للعبد أن يكون له ساعات من يومه يخلو فيها بنفسه وربه فذلك أدعى لتحقيق الإخلاص ومحاسبة النفس وحسن التعبد بعبادات السر.
وأما إدامة الخلوة والإكثار منها ففيها آفات مضرة بالسالك ولا يستطيعها على الإحسان فيها كل أحد، فمن السالكين من أرادها فتحولت خلوته إلى بطالة.