تمهيد:
كثر تدوين التفسير في القرن الثالث كثرة ظاهرة، وعني العلماء بتحصيل النسخ التفسيرية وروايتها وكثرت الرحلات لأجل ذلك، حتى صار من المتعسّر إحصاؤها وتقصّيها، ذلك أنه قلّ أن يطلب العلمَ أحدٌ في ذلك الزمان ويعنى بضبطه بالكتابة إلا ويكون من أهمّ ما يكتبه نُسَخٌ في التفسير، لأنَّ من أولى ما تتظافر الهمم لضبطه وتحصيله ما تُعرف به معاني القرآن الكريم.
وقد كان في القرن الثالث جماعة من الأئمة الذين عرفوا بكثرة التدوين، بل كان منهم من يدوّن ويحفظ، كما هو ظاهر في سير الأئمة الحفاظ وأخبارهم من أمثال: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي زرعة الرازي، وإبراهيم الجوهري، وابن ديزيل، وغيرهم كثير ممن كتبوا فأكثروا، ولا ريب أنّ من أولى ما كانوا يحصّلون ويكتبون ما يتعلق بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ من الآثار في التفسير، وما حصّلوه من النسخ التفسيرية.
ويتعسّر حصر ما دوّن من التفسير في القرن الثالث؛ لكنني سأذكر مَن علمت لهم أعمالاً ظاهرة في تدوين التفسير ممن مات في القرن الثالث الهجري، سوى من تقدّم ذكرهم في طبقة تابعي التابعين؛ وقد تقدّم التنبيه إلى أنّ بعض تابعي التابعين عاشوا صدراً من القرن الثالث الهجري.