طبقة الصحابة رضي الله عنهم
1: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي(ت:18هـ):
أمين الأمة، وأحد السابقين الأوّلين إلى الإسلام، عدّه النبيّ صلى الله عليه وسلم مع العشرة المبشرين بالجنّة، ومناقبه كثيرة.
هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة الأنصاري.
وشهد بدراً، وروي في خبر مُرسل أنه قتل أباه يوم بدر، ولم أره بإسناد صحيح.
وشهد يوم أحد وأبلى فيه بلاء حسناً، فكان من أوّلَ من أفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر، وانتزع يومئذ بفمه حلقتين من المغفر دخلتا في وجنتي النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى سقطت ثنيّتاه.
وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه أميراً على سرايا منها سرية سيف البحر، وسرية المدد لعمرو بن العاص في ذات السلاسل، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم لجباية الزكاة من البحرين ونجران، وأشاد بأمانته في حديث مشهور.
ثمّ قادَ جيوش المسلمين في فتوحِ الشامِ إلى أن مات في طاعون عمواس، رضي الله عنه وأرضاه.
- قال عبد الأعلى السامي: حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل أمة أميناً، وإن أمينناً أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه البخاري من هذا الطريق، ورواه مسلم بنحوه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس.
- وقال شعبة بن الحجاج: سمعت أبا إسحاق يحدث عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابعث إلينا رجلاً أميناً فقال: «لأبعثن إليكم رجلاً أميناً حقَّ أمين، حقَّ أمين».
قال: فاستشرف لها الناس.
قال: (فبعث أبا عبيدة بن الجراح). رواه البخاري ومسلم.
- وقال جعفر بن عون: أخبرنا أبو عميس، عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسُئلتْ: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه؟
قالت: أبو بكر.
فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟
قالت: عمر.
ثم قيل لها: من بعد عمر؟
قالت: "أبو عبيدة بن الجراح " ثم انتهت إلى هذا). رواه مسلم.
- وقد أشار به أبو بكر الصديق ليبايَع هو أو عمر يوم السقيفة فأبى عمر والمسلمون إلا أبا بكر.
- وقال سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبَّ إلى رسول الله؟
قالت: أبو بكر.
قلت: ثم من؟
قالت: عمر.
قلت: ثم من؟
قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح.
قلت: ثم من؟
قال: (فسكتت). رواه الترمذي والنسائي في الكبرى.
- وقال حريز بن عثمان: حدثنا نمران بن مخمر الرحبي قال: قال: كان أبو عبيدة بن الجراح يسير في الجيش وهو يقول: «ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فإن أحدكم لو أساء ما بين السماء والأرض، ثم عمل حسنة لغلبت سيئاته حتى تقهرهن». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وأبو داوود في الزهد.
- وقال معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قدم عمر بن الخطاب الشام، فتلقّاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟
قالوا: من؟
قال: أبو عبيدة.
قالوا: يأتيك الآن.
قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلّم عليه وسأله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم يرَ في بيته إلا سيفه وترسه ورحله.
فقال له عمر بن الخطاب: (لو اتخذت متاعاً) - أو قال: (شيئاً ؟!)
قال أبو عبيدة: (يا أمير المؤمنين! إنَّ هذا سيبلّغنا المقيل). رواه عبد الله بن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
- قال أبو عبد الله الذهبي: (هذا والله هو الزهد الخالص، لا زهد من كان فقيراً معدماً).
قلت: يريد أنه اختار هذا الحال مع كونه أمير جيوش الشام كلها.
- وقال قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال: (إنَّ أمير المؤمنين كتب إلى أبي عبيدة حين سمع بالطاعون الذي أخذ الناس بالشام: إني قد بدت لي حاجة إليك، فلا غنى لي عنك فيها، فإن أتاك كتابي ليلاً فإني أعزم عليك أن تصبح حتى تركب إليَّ، وإن أتاك نهارا فإني أعزم عليك أن تمسي حتى تركب إليَّ.
فقال أبو عبيدة: (قد علمت حاجة أمير المؤمنين التي عرضت، وأنه يريد أن يستبقي من ليس بباق).
فكتب إليه: (إني في جند من المسلمين، لن أرغب بنفسي عنهم، وإني قد علمت حاجتك التي عرضت لك، وأنك تستبقي من ليس بباق، فإذا أتاك كتابي هذا فحلّلني من عزمتك، وائذن لي في الجلوس).
فلما قرأ عمر كتابه فاضت عيناه وبكى، فقال له من عنده: يا أمير المؤمنين! مات أبو عبيدة؟
قال: (لا، وكأن قدْ).
قال أبو موسى: فكتب إليه عمر: (إنَّ الأردن أرض عمقة، وإن الجابية أرض نزهة، فانهض بالمسلمين إلى الجابية).
قال: قال أبو عبيدة حين قرأ الكتاب: (أما هذا فنسمع فيه أمر أمير المؤمنين ونطيعه).
قال أبو موسى: فأمرني أن أبوئ الناس منازلَهم.
قال: فطُعنت امرأتي، فجئت إلى أبي عبيدة، فقلت: قد كان في أهلي بعض العرض شغلني عن الوجه الذي بعثتني له.
فقال: لعل المرأة أصيبت؟
فقلت: أجل.
فانطلق هو يبوئ الناس منازلهم، وأمرني أن أرحّلهم على أثره.
قال: فطعن أبو عبيدة حين أرسله.
فقال: (لقد وجدت في قدمي وخزة، فلا أدري لعل هذا الذي أصابني قد أصابني).
قال أبو موسى: (فانطلق أبو عبيدة؛ فبوَّأ الناس منازلهم، وارتحل الناس على أثره، وكان انكشافُ الطاعون، وتوفي أبو عبيدة رحمة الله عليه). رواه الشاشي في مسنده، والطحاوي في شرح معاني الآثار بأطول مما ذكرته.
- وقال أبو مسهر الغساني: حدثني يحيى بن حمزة، حدثني عروة بن رويم أنَّ أبا عبيدة بن الجراح هلك بعجل؛ فقال: (ادفنوني خلف النهر).
ثم قال: (ادفنوني حيث قبضت). رواه يعقوب بن سفيان.
- وقال أبو زرعة الدمشقي: حدثني محمد بن عايذ عن أبي مسهر قال: قرأت في كتاب يزيد بن عبيدة: (توفي معاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح سنة سبع عشرة).
- قال أبو زرعة: فسمعت أبا مسهر يقول: حدثني يحيى بن حمزة عن عروة بن رويم قال: (توفي أبو عبيدة بن الجراح بفِحْل).