12: أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ) رضي الله عنه:
حكيم الأمّة، قيل اسمه عامر، وعويمر لقب، واشتهر بكنيته، وهو أخو عبد الله بن رواحة لأمّه، واجتهد عبد الله في ترغيبه في الإسلام حتى أسلم بعد بدر، وشهد أحداً وأبلى فيها بلاء حسناً، وشهد ما بعدها من المشاهد، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي، وقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وأقبل عليه حتى جمعه في عهده صلى الله عليه وسلم، واجتهد في العلم والعمل وأكثر على نفسه حتى أمره سلمان الفارسي بالاقتصاد، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان.
وكان أبو الدرداء من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، كثير التفكر والاعتبار، وكان ينطق بالحكمة، ويعظ المواعظ البليغة، ويوصي الوصايا الجليلة.
شهد فتح دمشق وحمص، وقاد بعض السرايا في فتوح الشام، وانتدبه عمر إلى حمص لتعليم القرآن، ثم إلى دمشق فاستقرّ بها وولي قضاءها في أوّل إمارة معاوية على دمشق، وكثر طلابه في الشام جداً، حتى روي أنه طلب مرة أن يُعدّوا فعدّوهم فزادوا على ألف وستمائة، وكان يجعل على كلّ عشرة عريفاً، فإذا أحكم القارئ منهم انتقل إليه فعرض عليه.
وروي أنّ عبد الله بن عامر اليحصبي وهو أحد القراء السبعة كان عريف عشرة عنده.
- قال خالد بن يزيد المري، عن هشام بن الغاز عن مكحول: (أنَّ عمر انتقل أبا الدرداء من حمص إلى دمشق). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال سعيد بن عبد العزيز: (عمر أمّر أبا الدرداء على القضاء يعني بدمشق، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال يزيد بن عميرة: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
قال: أجلسوني؛ فقال:(إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة "). رواه أحمد والترمذي والنسائي في السنن الكبرى من طريق معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن يزيد به.
- قال الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبيد الله مُسْلِم بن مِشْكَم كاتبِ أبي الدرداء قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا يعني في مجلسنا هذا.
قال: فعددت ألفا وستمائة ونيفا؛ فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء قائما يستفتونه في حروف القرآن، يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة؛ فيقرأ جزءا من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه؛ فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابنُ عامر مقدماً فيهم). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سويد بن عبد العزيز السلمي: كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك.
وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه مكانه، وقرأ عليه جمعيهم، فاتخذه أهل الشام إماماً، ورجعوا إلى قراءته). ذكره علم الدين السخاوي في "جمال القراء"، والذهبي في معرفة القراء الكبار.
قلت: سويد بن عبد العزيز(ت:194هـ) ضعّفه غير واحد من الأئمة لضعف ضبطه، وكان قارئاً صدوقاً غير متّهم، وهو قاضي بعلبك، ولد سنة 108هـ، وقرأ على يحيى بن الحارث الذماري، بقراءته على ابن عامر، وابن عامر ولد سنة 21هـ؛ وكان له نحو 12 سنة حين مات أبو الدرداء.
- وقال الحكم بن نافع: حدثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن جبير بن نفير قال: (دخلتُ على أبي الدرداء منزله بحمص؛ فسمعته يتعوّذ بالله من النفاق). رواه أبو زرعة الدمشقي.
قرأ على أبي الدرداء: زوجته أمّ الدرداء الصغرى، واسمها جهيمة الوصابية، وخليد بن سعد السلاماني، وراشد بن سعد الحبراني، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي على خلاف فيه.
وروى عنه: فضالة بن عبيد، وأم الدرداء، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن سمي الخولاني، وجبير بن نفير، ومعدان بن أبي طلحة، وميمون بن مهران، وعبادة بن نسي، وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وحميد بن عقبة، وعبد الرحمن بن سابط، ولقمان بن عامر الوصابي، وعطاء بن يسار المدني، وأبو صالح السمان، وخليد بن عبد الله العصري، وعبد الرحمن بن مسعود الفزاري.
مات أبو الدرداء بعد ابن مسعود، واختلف في سنة وفاته:
- فقال يحيى بن بكير وابن سعد وأبو مسهر الغساني وخليفة بن خياط ويعقوب بن شيبة وأبو عبيد وأبو حفص الفلاس وابن نمير وابن زبر الربعي: مات سنة 32ه.
- وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: مات قبل مقتل عثمان بسنتين، أي سنة 33هـ.
- وقال المفضل بن غسان وخالد بن معدان: مات سنة 31هـ.
- وقال عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي دحيم: حدثنا سويد بن عبد العزيز عن الأوزاعي قال: (مات أبو الدرداء قبل قتل عثمان بسنتين). رواه أبو زرعة الدمشقي.