المعاني البيانية للشرط في القرآن
الأصل في أسلوب الشرط أن يفيد تعليق جواب الشرط بجملة الشرط لمناسبة.
وهذا التعليق يقع لأغراض بيانية متعددة يتعسّر حصرها، ومنها:
1: بيان السبب، وهو أكثر الأغراض استعمالاً، ومنه تعليل الحكم الشرعي والكوني كما في قوله تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم}، وقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وقوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ، وقوله تعالى: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم}، وقوله تعالى: { وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}.
2: بيان ترتّب الأثر وتحقق الجزاء، كما في قوله تعالى: {وإن تطيعوه تهتدوا}، وقوله تعالى: {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ، وقوله تعالى: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}.
3: التوقيت، ومنه قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} ، وقوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض}، وقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
4: بيان الحال، كما في قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) }، وقوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} ، وقوله تعالى: {أريت الذي ينهى عبدا إذا صلى أريت إن كان على الهدى} وقوله تعالى: {يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب}، وقوله تعالى: {قل يأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله}.
وهذا كما تقول لمن تعلم من حاله أنه يريد معرفة حقيقة أمرٍ ما: إن أردت معرفة حقيقة هذا الأمر فهي كذا وكذا.
5: الاحتجاج، كما في قول الله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} وقوله تعالى: { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}.
6: التهييج، كما في قول الله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} ، وقوله تعالى: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} ، وقوله تعالى: { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (18) }، وقوله تعالى: { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين (17)}.
- قال ابن عاشور: (وقوله: {إن كنتم مؤمنين} تهييج وإلهاب لهم يبعث حرصهم على أن لا يعودوا لمثله، لأنهم حريصون على إثبات إيمانهم، فالشرط في مثل هذا لا يقصد به التعليق، إذ ليس المعنى: إن لم تكونوا مؤمنين فعودوا لمثله، ولكن لما كان احتمال حصول مفهوم الشرط مجتنباً كان في ذكر الشرط بعث على الامتثال، فلو تكلم أحد في الإفك بعد هذه الآية معتقدا وقوعه؛ فمقتضى الشرط أنه يكون كافراً، وبذلك قال مالك).
7: التنبيه، ومنه قوله تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثمّ كفرتم به من أضلّ ممن هو في شقاق بعيد} وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ}.
8: والتحذير، ومنه قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)} ، وقوله تعالى: { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ}.
9: تأكيد النفي، كما في قول الله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وقوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل العابدين}.
10: الاستبعاد، ومنه قوله تعالى: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} ، وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه} ، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}.
11: التحدي، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)} وقوله تعالى: {يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا}.
12: التعجيز، كما في قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.
13: التخويف والتقريع، ومنه قوله تعالى: {فإن كان لكم كيد فكيدون} ، وقوله تعالى: {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} ، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}.
14: التيئيس، ومنه قوله تعالى: {فإن استقرّ مكانه فسوف تراني} ، وقوله تعالى: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك} ، وقوله تعالى: {ولو سمعوا ما استجابوا لكم}، وقوله تعالى: { قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)}.
15: التبكيت، كما في قول الله تعالى: {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين}.
والمعاني البيانية للشرط كثيرة متنوّعة، وقد يجتمع في الشرط الواحد معنيين أو أكثر.