الاستثناء من الاستثناء
من المباحث المتعلقة بالاستثناء مبحث الاستثناء من الاستثناء، وهي مسألة أصولية لغوية ولها صلة بالتفسير لاستدلال عامة من يبحث هذه المسألة بقول الله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}.
والاستثناء في هذه الآية اختلف فيه على قولين:
القول الأول: هو استثناء من المستثنى؛ فاستثني آل لوط من القوم المجرمين الذين أرسلوا لعذابهم، ثمّ استثنيت امرأة لوط من آله، وهذا القول قال به جماعة من الأصوليين والمفسرين.
القول الثاني: الاستثناء الثاني من قوله تعالى: {إنا لمنجوهم} فليس في لفظ الآية استثناء من المستثنى.
- قال الزمخشري: (استثنى من الضمير المجرور في قوله: {لَمُنَجُّوهُمْ} وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء، لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال: أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة، وفي قول المقرّ: لفلان علىّ عشرة دراهم إلا ثلاثة إلا درهماً. فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان، لأنّ {إِلَّا آلَ لُوطٍ} متعلق بـ{أرسلنا} أو بـ{مجرمين}، و{إِلَّا امْرَأَتَهُ} قد تعلق بـ{منجّوهم}، فأنَّى يكون استثناءً من استثناء).
- وقال أبو حيان الأندلسي: (ومن قال: إنه استثناء فيمكن تصحيح كلامه بأحد وجهين:
أحدهما: أنه لما كان الضمير في {لمنجوهم} عائد على {آل لوط} وقد استثنى منه المرأة، صار كأنه مستثنى من {آل لوط} لأنَّ المضمر هو الظاهر في المعنى.
والوجه الآخر: أنَّ قوله: {إلا آل لوط} لما حكم عليهم بغير الحكم على قوم مجرمين اقتضى ذلك نجاتهم، فجاء قوله: {إنا لمنجوهم أجمعين} تأكيداً لمعنى الاستثناء، إذ المعنى: إلا آل لوط فلم يرسل إليهم بالعذاب، ونجاتهم مترتبة على عدم الإرسال إليهم بالعذاب، فصار نظير قولك: "قام القوم إلا زيداً فإنه لم يقم"، أو "إلا زيداً لم يقم".
فهذه الجملة تأكيدٌ لما تضمّنه الاستثناء من الحكم على ما بعد "إلا" بضدّ الحكم السابق على المستثنى منه، فـ{إلا امرأته} على هذا التقرير الذي قررناه استثناء من {آل لوط} لأنَّ الاستثناء مما جيء به للتأسيس أولى من الاستثناء مما جيء به للتأكيد)ا.هـ
وجمهور الأصوليين على جواز الاستثناء من الاستثناء؛ فيصحّ أن يقال: وهبته غنمي إلا السود منها إلا خِرَافها.
فيكون الموهوب غنمه كلها سوى السود، والخراف من السود دون النعاج.