· سؤال الصبر
- قال أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري عن أبي الورد بن ثمامة عن اللجلاج عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل وهو يقول: اللهم إني أسألك الصبر. فقال: ((قد سألت البلاء فسل الله العافية))
قال: ومر برجل يقول: يا ذا الجلال والإكرام، قال: ((قد استجيب لك فسل)). رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي وحسّنه، والبزّار، وغيرهم.
اللجلاج عدّه يحيى بن معين من الصحابة، والجريري ثقة من رجال الصحيحين، وهذا الحديث مستفيض عنه، وأبو الورد قال فيه ابن سعد: (وكان معروفا قليل الحديث)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: مقبول.
وعلى كلّ حال فالأولى سؤال الله تعالى العافية كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن صحّ، وفي الأحاديث الصحيحة الأخرى، ومنها:
- حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس خطيبا قال: «أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»، ثم قال: «اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم». رواه البخاري
- وحديث أبي مالك الأشجعي، عن أبيه، قال: كان الرجل إذا أسلم، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني». رواه مسلم وغيره.
- وحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعاً: (سلوا الله العفو والعافية؛ فإنَّ الناس لم يعطوا بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية)). الحديث وقد تقدّم ذكره.
فهذه الأحاديث وما في معناها تضمّنت الإرشاد إلى سؤال الله العافية، وهذا هو الأصل.
وأما من وقع في أمرٍ يحتاج معه إلى الصبر فإن سؤاله الصبر من الله لا حرج فيه، وقد قال الله تعالى: { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)}
فهم في هذا الحال يحتاجون إلى الصبر، وقد أثنى الله تعالى عليهم بسؤالهم إيّاه الصبر.
فكذلك من أصابه بلاء، أو وجد في نفسه ميلاً إلى معصية، أو تكاسلاً عن طاعة فله أن يسأل الله تعالى الصبر على ما يحبّ من ذلك، والعون على طاعته.