إيجاز أقوال التابعين رحمهم الله في كتابة العلم:
اختلف التابعون رحمهم الله في كتابة غير القرآن من الحديث ومسائل العلم على أقوال:
القول الأول: منع كتابة غير القرآن من مسائل العلم مطلقاً، وهو ما ذهب إليه أبو إدريس الخولاني، وأبو العالية الرياحي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعمرو بن دينار المكي، ومنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وعبد الله بن عون.
القول الثاني: الترخيص في كتابتها لغرض الحفظ ثمّ محوها، وهو ما ذهب إليه علقمة بن قيس، وخالد الحذاء، وهشام بن حسان، وحكاه مالك عن جماعة من التابعين من أهل المدينة.
وروي عن سعيد بن المسيب الترخيص في الكتابة لسيء الحفظ من غير اشتراط محوها.
- قال عبد الرحمن بن حرملة: (كنت سيءَ الحفظ فرخّص لي سعيد بن المسيب في الكتاب). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين أنه (كان لا يرى بأساً أن يكتب الحديث فإذا حفظه محاه). رواه ابن سعد.
- وقال عقبة بن أبي حفصة، عن أخيه، عن عاصم بن ضمرة أنه (كان يسمع الحديث ويكتبه؛ فإذا حفظه دعا بمقراض فقرضه). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال مالك بن أنس رحمه الله: (ولم يكن القوم يكتبون إنما كانوا يحفظون فمن كتب منهم الشيء فإنما كان يكتبه ليحفظه فإذا حفظه محاه). ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
القول الثالث: الترخيص في كتابة المرء لخاصة نفسه من غير أن يخلّد كتاباً أو ينشره، وهو ما ذهب إليه عَبيدة السَّلماني، وإبراهيم النخعي، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن سيرين، وأيوب السختياني.
وتخليد الكتاب: أن يبقى الكتاب مدة طويلة، ولذلك روي عن بعض هؤلاء أنهم أتلفوا كتبهم عند موتهم، أو أوصوا بها لمن يثقون بعلمه وفهمه.
القول الرابع: الترخيص في كتابة العلم، والحثّ عليه لضبط العلم مكتوباً خوفاً من تطرّق النسيان والخطأ في الرواية.
وهذا آخر ما ذهب إليه عروة بن الزبير، وهو قول جماعة من التابعين، ولا سيما بعض أوساطهم، وكثير من صغارهم.
- سعيد بن جبير.
- وبشير بن نهيك البصري وله صحيفة عن أبي هريرة
- وعمر بن عبد العزيز
- ومجاهد بن جبر
- وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
- والضحاك بن مزاحم الهلالي.
- والحسن البصري، وكان يكتب ويملي، وله كتب.
- ووهب بن منبه.
- وعامر بن شراحيل الشعبي.
- ونافع مولى ابن عمر.
- وأبو بكر ابن حزم قاضي المدينة ثم أميرها في زمن عمر بن العزيز، وهو أوّل من جمع السنة ودوّنها بالمدينة بأمر عمر بن عبد العزيز.
- وابن شهاب الزهري.
- ويحيى بن أبي كثير اليمامي.
- وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وله كتاب في الهمز.
- وشيبة بن نِصَاح، وله كتاب في الوقوف.
- وهمام بن منبه، وله صحيفة مشهورة عن أبي هريرة.
- وزيد بن أسلم العدوي، وله كتاب في التفسير وكتاب في الناسخ والمنسوخ.
- وأبو رجاء الحداني، وله كتاب في التفسير.
- وأبو حازم الأعرج، وكان له كتب.
- ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقد ندم أنه لم يكن يكتب في أوّل طلبه العلم، ولما وُلّي القضاء بالعراق طلب من تلميذه مالك بن أنس أن يكتب له مائة حديث من أحاديث الزهري في القضاء؛ فكتبها له.
- وسليمان بن طرخان التيمي، وله كتب، منها كتاب السير، وكتاب الخلق.
- وهشام بن عروة بن الزبير، وله صحيفة عن أبيه.
- وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي.
- ومحمد بن إسحاق بن يسار، وله كتاب المبتدأ والمبعث والمغازي، وله صحف كثيرة.
وسبب اشتهار هذا القول عن صغار التابعين أنهم ذهبوا إلى هذا القول بعد التدوين العامّ للسنة في خلافة عمر بن عبد العزيز، واشتهار أمر التدوين.