الصبر
· معنى الصبر:
الصبر معناه معلوم مستقرّ في النفوس، ولا يفسّر بأوضح من لفظه، وهو عمل قلبي، ولذلك اختلفت مسالك العلماء في شرحه وتفسير معناه، فمنهم من فسّره بمعرفة نقيضه كما قال الخليل بن أحمد: الصبر نقيض الجزع.
ومنهم من فسّر الصبر بأثره وثمرته كما قال أبو عبيد: (أصل الصَّبر الحَبْس، وكل من حَبَسَ شيئا فقد صبره).
وقريب منه قول أبي حيان: (الصبر حبس النفس على المكروه).
وشيخ الإسلام ابن تيمية وسّع النظر في حقيقته وأثره فقال: (الصبر فيه جمع وإمساك ولهذا قيل: الصبر حبس النفس عن الجزع).
أي: جَمع النفس على احتمال المشقة، وإمساكها عن الجزع.
ومنهم من فسّره ببيان أنواعه وأثره المطلوب شرعاً كما قال ابن القيّم رحمه الله: (الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره).
وقال الراغب الأصفهاني: (الصبر: الإمساك في ضيق).
وقال: (والصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير، ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر، ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا، ويضاده المَذْل، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرا، ونبه عليه بقوله: {والصابرين في البأساء والضراء}).
هذا كلامه في المفردات فيما وقفت عليه، وقد نقله الحافظ ابن حجر في الفتح باختصار وزاد فيه: (وإن كان عن تعاطي ما نهي عنه سمي عفة).
وهذا كلّه يصدق عليه وصف الصبر متى وجد عمل للقلب يدلّ على هذا الصبر بالإمساك عمّا نهي عنه.
وأما الترك المجرد أو الذي سببه غفلة القلب عن الوارد فلا يُعدّ من الصبر حقيقة، إلا إذا كان مستصحباً من صبر أصلي.
وقال الحافظ ابن حجر: (أحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه، وعقل اللسان عن الشكوى، والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج).
وهذا تعريف أبي العباس ابن العريف الصنهاجي(ت:536هـ) في كتابه "محاسن المجالس"، وهو مطبوع، وقد نقله عنه ابن القيم في طريق الهجرتين وتعقّبه، وهو على ذلك تعريف للصبر بأشهر أنواعه عند العامة وهو الصبر على البلاء.
وبحث ابن القيّم رحمه الله في كتابه "عدة الصابرين" اشتقاق هذه اللفظة في اللغة ومعانيها في مشتقّاتها ثم قال: (والتحقيق أن في الصبر المعاني الثلاثة المنع والشدة والضم ويقال صبر إذا أتى بالصبر وتصبر إذا تكلفه واستدعاه واصطبر إذا اكتسبه وتعمله وصابر إذا وقف خصمه في مقام الصبر وصبر نفسه وغيره بالتشديد إذا حملها على الصبر)ا.هـ.
والصبر يتفاضل فيه أهله؛ فبعضهم أصبر من بعض، ويقال: صابر، وصبور، وصبّار، ومتصبّر، ومصطبر، ومصابر.