الطبقة الثالثة: طبقة علماء تابعي التابعين في الكوفة 1: المغيرة بن مِقْسم الضبي(ت:133هـ) مولاهم، أبو هشام، من أصحاب إبراهيم النخعي، ومن فقهاء الكوفة، ولد أعمى، وروى عن أبي وائل ومجاهد وعكرمة والشعبي وغيرهم. - قال معتمر بن سليمان: (كان أبي يحثني على حديث المغيرة، وكان عنده كتاب). - وقال عبيد بن يعيش، عن أبي بكر بن عياش: (ما رأيت أحدا أفقه من مغيرة، فلزمته). وهو ثقة كثير الحديث، أخذ عليه الإرسال عن إبراهيم النخعي - قال أحمد بن حنبل: (حديث مغيرة مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد بن الوليد، والحارث العكلي، وعبيدة وغيرهم). اختلف في سنة وفاته فقال جماعة مات سنة 133هـ، وقال ابن سعد: مات سنة 136هـ، وقيل غير ذلك. ولا أعلم له رواية عن أحد من الصحابة، وقد كان يمكنه السماع من بعضهم. |
2: أبو أرطأة حجاج بن أرطأة النخعي(ت:145هـ)
فقيه محدّث، كان شريفاً في قومه، وفي أهل بلده، نبغ مبكراً، وولي قضاء البصرة وهو ابن ست عشرة سنة، ولاه أبو جعفر المنصور، ثم ولي قضاء الكوفة، وأفتى في مسجد الكوفة وهو ابن عشرين، وكان الذي أجلسه للفتيا: الحكم بن عتيبة. وكان حجاج حافظاً، لكن دخل الضعف في حديثه لكثرة مخالفته للثقات بالزيادة، وتدليسه، فلذلك تكلّم فيه الأئمة النقاد؛ فلا يحتجّ به، ولا يترك. - قال عبد الخالق بن منصور: سئل يحيى وأنا أسمع عن حجاج بن أرطاة؛ فقال: (صدوق، وليس بالقوي في الحديث، وليس هو من أهل الكذب). رواه الخطيب البغدادي. |
3: عمرو بن قيس الملائي(ت:146هـ)
من العلماء والعبّاد المشهورين بالكوفة، له وصايا وحكم وأخبار، روى التفسير عن عكرمة، وهو شيخ سفيان الثوري ومعلّمه الذي علّمه القرآن والفرائض، وكان يتّجر بالملاء، ومات بسجستان. |
4: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري(ت:148هـ)
وأبو ليلى اسمه بلال بن بَليل بن أحيحة بن الجلاح، من بني جحجبى، من بني عمرو بن عوف، من الأوس. قاضي الكوفة في زمان بني أمية ثم في زمان بني العباس، وإمام أهل الكوفة ومقرئهم، كان قارئاً فقيهاً، وفاضلاً نبيلاً، ووجيهاً في أهل الكوفة، يعدّ من أنبل أهل الكوفة وأجملهم، وأعلمهم بالقضاء والفتيا على سوء حفظ فيه، وكان عالماً بالحساب، ونقط المصاحف، صاحب خطّ حسن. مولده سنة 76هـ، ولا أعلم له رؤية لأحد من الصحابة. قرأ على أخيه عيسى عن أبيه، وعلى الشعبي عن علقمة، وعلى المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، وعلى طلحة بن مصرف والأعمش وغيرهم. وقرأ عليه: حمزة الزيات، والكسائي، ونعيم بن يحيى السعدي، وغيرهم. وكان حمزة يقول: (إنما تعلّمنَا جَوْدةَ القراءة عند ابن أبي ليلى). ذكره أبو الحسن العجلي. وكان قريناً لأبي حنيفة في الفقه حتى صنّف أبو يوسف القاضي كتاباً سماه "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى". - قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف القاضي يقول: (ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أَقْوَل حقاً بالله، ولا أعفّ من ابن أبي ليلى). رواه ابن عدي. - وقال ابن المثنى: سمعت عبد الله بن داود يقول: قال سفيان الثوري: (فقهاؤنا بن أبي ليلى، وابن شبرمة). رواه ابن عدي. لكنَّه كان سيء الحفظ للأحاديث والأسانيد، يضطرب فيها، ويخطئ فيها كثيراً من غير تعمّد. ولذلك تركه بعض الأئمة منهم: زائدة، والبخاري، وترك يحيى بن سعيد حديثه عن عطاء. - قال أبو داوود الطيالسي: سمعت شعبة يقول: (ما رأيت أحداً أسوأ حفظاً من ابن أبي ليلى)رواه ابن أبي حاتم والعقيلي. - قال أبو حاتم الرازي: (محلّه الصدق، كان سيء الحفظ، شغل بالقضاء فساء حفظه، لا يُتَّهم بشيء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه ولا يحتج به، ابن أبي ليلى وحجاج بن أرطأة ما أقربهما). وراه ابن أبي حاتم. - قال أحمد بن حنبل: (مضطرب الحديث)، وقال: (فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه، حديثه فيه اضطراب). ذكره عبد الله في مسائل أبيه. - قال أبو نعيم: (كان محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يوم مات قد بلغ اثنتين وسبعين سنة). |
5: زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي(ت:149هـ)
أبو يحيى، مولى محمد بن المنتشر الهمذاني، من كبار العلماء بالكوفة، وتولى القضاء بها. روى عن الشعبي وربما أسقط من بينه وبين الشعبي، وروى عن أبي إسحاق السبيعي، وسماك بن حرب، وغيرهم. - قال أحمد: (ثقة حلو الحديث). - وقال أبو حاتم الرازي: (ليّن الحديث، يدلّس). - وقال أبو زرعة: (صويلح يدلس كثيرا عن الشعبي). ولا أعلم له رواية عن أحد من الصحابة. |
6: مسعر بن كدام بن ظهير الهلالي العامري الكوفي(ت:155هـ)
من أعلام الحفاظ، وأوعية العلم الكبار، ثقة متثبت، روى عن: سلمة بن كهيل، وحصين بن عبد الرحمن، والحكم بن عتيبة، ومنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وأبي إسحاق السبيعي، وغيرهم. - قال يحيى بن سعيد القطان: (ما رأيت مثل مسعر، كان من أثبت الناس). - وقال سفيان الثوري: (كنا إذا اختلفنا في شيء سألنا مسعرا عنه). - وقال شعبة: (كنا نسمي مسعراً المصحف). - وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: كان شعبة وسفيان إذا اختلفنا قال: (اذهب بنا إلى الميزان مسعر). - قال ابن المبارك: من كان ملتمسا جليسا صالحا ... فليأت حلقة مسعر بن كدام أخذ عليه القول بالإرجاء، ولذلك لم يشهد سفيان وشريك جنازته.فيها السكينة والوقار وأهلهــــــا ... أهل العفاف وعلية الأقـــــــوام - قال محمد بن عمار بن الحارث الرازي: سمعت أبا نعيم يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: (الإيمان يزيد وينقص). قلت: ما تقول أنت يا أبا نعيم؟ فنظر إليَّ نظراً منكراً، ثم قال: (أقول بقول سفيان ولقد مات مسعر بن كدام، وكان من خيارهم، وسفيان وشريك شاهدان فما حضرا جنازته). |
7: أبو عمرو عيسى بن عمر الهمْداني(ت:156هـ)
مولى بني أسد، مقرئ أهل الكوفة بعد حمزة، تروى عنه حروف في القراءات، وكان أعمى. - قال الذهبي في "معرفة القراء الكبار": (قرأ على عاصم بن أبي النجود، وطلحة بن مصرف، والأعمش، قرأ عليه الكسائي وعبيد الله بن موسى، وعبد الرحمن بن أبي حماد). روى عن: عامر الشعبي، وطلحة بن مصرف، وعمرو بن مرة، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، وغيرهم. - قال عبد الرحمن بن أبي حماد: عن سفيان الثوري، أدركت الكوفة وما بها أحد أقرأ من عيسى الهمداني. - وقال يحيى بن معين: (عيسى بن عمر القارئ ثقة). - وقال أبو حاتم الرازي: (ليس بحديثه بأس). - وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: (عيسى بن عمر الكوفي هو همداني، وعيسى بن عمر النحوي بصري، وصاحب الحروف منهما الكوفي). - وقال أحمد بن عبد الله العجلي: (ثقة، رجل صالح، رأس في القرآن، قرأ على عاصم والأعمش). - وقال الكسائي: (أدركت أشياخ أهل الكوفة القراء الفقهاء: ابن أبي ليلى، وأبان بن تغلب، والحجاج بن أرطاة، وعيسى بن عمر الهمداني، وحمزة الزيات). رواه ابن مجاهد في السبعة. وهو غير عيسى بن عمر الثقفي البصري(ت:149هـ). |
8: مالك بن مغول بن عاصم البجلي(ت:158هـ)
روى عن الشعبي، وعبد الله بن بريدة، وطلحة بن مصرف، وغيرهم. وكان ثقة ثبتاً صالحاً عفيف اللسان. - قال ابن سعد: (كان ثقة مأموناً كثير الحديث فاضلاً خيراً). - وقال ابن عيينة: (قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله، فوضع خذه بالأرض). |
9: عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي(ت:160هـ)
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي. روى عن: القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأخيه معن بن عبد الرحمن، فأكثر عنهما، وعنهما أخذ أكثر علم ابن مسعود؛ حتى عدّ أعلم أهل زمانه بعلم ابن مسعود. ثم حدّث عن سليمان الأعمش، وعاصم بن أبي النجود، وسلمة بن كهيل، وأضرابهم فكان يخطئ فيما يروي عنهم، ولا يتقن حديثهم. ثمّ اختلط قبل موته بسنة أو سنتين؛ وقد أرّخ ابن معين اختلاطه بعد موت أبي جعفر المنصور(ت:158هـ). وهو ثقة صدوق، وعالم جليل من أهل الكوفة. لكن حديثه على مراتب: فأما أجودها فهو ما رواه هو عن شيوخه الكبار القاسم ومعن ابني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ورواه عنه من سمع منه قبل الاختلاط كوكيع، وأبي نعيم الفضل بن دكين. وأما ما رواه هو عن شيوخه الصغار كالأعمش وعاصم وسلمة بن كهيل وعن بعض الضعفاء كجابر الجعفي فهو ضعيف معلول. وأما ما روي عنه بعد اختلاطه فهو ضعيف، وقد سمع منه بعد الاختلاط عبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون، وأبو داوود الطيالسي، وعاصم بن علي، وأبو النضر. |
10: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي(ت:160هـ)
من بني سَبيع، بطن من هَمْدان. روى عن أبيه، وجدّه أبي إسحاق، وسليمان الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وإسماعيل السدّي، وسعيد بن مسروق الثوري، وهشام بن عروة، وسماك بن حرب، وغيرهم كثير. وروى عنه: يزيد بن زريع، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن صالح العجلي، وأبو داود الطيالسي، وأبو الوليد الطيالسي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وغيرهم. - قال البخاري: قال لي أحمد بن أبي الطيب عن وكيع قال: (ولد إسرائيل سنة مائة). - وقال عبد الرحمن بن مهدي: قال عيسى بن يونس: قال إسرائيل: (كنت أحفظ حديث يونس بن أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن). رواه ابن حبان في الثقات، وابن عدي في الكامل. - وقال عيسى بن يونس: كان أصحابنا سفيان، وشريك وعدّ قوماً إذا اختلفوا في حديث أبي إسحاق يجيئون إلى أبي، فيقول: (اذهبوا إلى ابني إسرائيل؛ فهو أروى عنه مني وأتقن لها مني، وهو كان قائد جدّه). رواه الخطيب البغدادي. - وقال خلف بن تميم: سمعت أبا الأحوص إن شاء الله ذكر عن أبي إسحاق، قال: (ما ترك لنا إسرائيل كوة، ولا سفطاً إلا دحسها كتباً). رواه الخطيب البغدادي. - وقال محمد بن مخلد: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: (إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري). رواه ابن عدي. - قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: (إسرائيل ثقة). وكذلك روى غير واحد من أصحاب ابن معين عنه. - وقال ابن سعد: (كان ثقة حدّث عنه الناس حديثا كثيراً، ومنهم من يستضعفه). قلت: تركه يحيى بن سعيد القطان، وضعّفه علي بن المديني، وليّنه يعقوب بن شيبة، وأكثر الأئمة على توثيقه. - قال الذهبي في تاريخ الإسلام: (قد احتج به أرباب الكتب الصحاح، وكان ثقة حافظاً صالحاً خاشعاً من أوعية الحديث). - وقال في ميزان الاعتدال: (إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالاسطوانة، فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعّفه). - وقال ابن عدي: (إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي كثير الحديث، مستقيم الحديث، في حديث أبي إسحاق وغيره، وقد حدّث عنه الأئمة، ولم يتخلّف أحدٌ في الرواية عنه). - قال ابن سعد: (توفي بالكوفة سنة اثنتين وستين ومائة، وقال أبو نعيم: سنة ستين ومائة). |
11: أبو سليمان داوود بن نصير الطائي(ت:160هـ)
العالم العابد الزاهد، كان من كبار أصحاب الرأي، ثمّ اعتزل وأقبل على العبادة حتى مات. روى عن: إسماعيل بن أبي خالد، وسليمان الأعمش، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، وغيرهم. وروى عنه: سفيان بن عيينة، وعبد الله بن إدريس، وإسماعيل بن علية، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وغيرهم. نشأ بالكوفة، وطلب الحديث، وسمع منه قدراً صالحاً، وتفقّه بأهل الرأي، وكان يجالس أبا حنيفة حتى عدّ من أحذق أصحابه، ثم ترك كلّ شيء ودخل في عزلة من غير ترك للجماعة ولا طعن على عامّة المسلمين، يخرج إلى المسجد إذا سمع الإقامة للصلاة، ثمّ يرجع إلى بيته، وترك التزوّج، وكانت أمه قد ماتت وتركت له جارية ومالاً ليس بطائل؛ فباع الجارية وعاش بالمال نحو عشرين سنة على اقتصاد شديد حتى فني المال؛ وآل به الأمر إلى أن نقض بعض أجزاء بيته وباعه، واعتاش منه، وكان يأبى الصلات والأعطيات من الأمراء والإخوان وغيرهم، وأقبل على العبادة والتلاوة والدعاء في عزلته مدّة طويلة، حتى مرض في آخر حياته مرضاً شديداً، ومات في بيته وحيداً، فاحتشد الناس للصلاة عليه وتشييعه، وكان يوم جنازته مشهوداً. - قال سفيان بن عيينة: (كان داود الطائي يجالس أبا حنيفة، ثم إنه عمد إلى كتبه فغرقها في الفرات، وأقبل على العبادة وتخلى). - وقال محمد بن إسحاق البكائي: حدثنا الوليد بن عقبة الشيباني، قال: (لم يكن في حلقة أبي حنيفة أرفع صوتاً من داود الطائي، ثم إنه تزهد واعتزلهم وأقبل على العبادة). رواه الخطيب البغدادي. - وقال جعفر بن الحجاج الرقي: حدثنا عبيد بن جناد، قال: سمعت عطاء، يقول: (كان لداود الطائي ثلاثمائة درهم، فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه). قال: (وكنا ندخل على داود الطائي فلم يكن في بيته إلا بارية ولبنة يضع عليها رأسه، وإجانة فيها خبز، ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثني بعض أصحابنا قال: إنما كان سبب عزلة داود الطائي أنه كان يجالس أبا حنيفة؛ فقال له أبو حنيفة: (يا أبا سليمان! أما الأداة فقد أحكمناها). فقال داود: فأي شيء بقي؟ قال: (بقي العمل به). قال: (فنازعتني نفسي إلى العزلة والوحدة؛ فقلت لها: حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسألة). قال: (فكان يجالسهم سنة قبل أن يعتزل). قال: (فكانت المسألة تجيء وأنا أشدّ شهوة للجواب فيها من العطشان إلى الماء؛ فلا أجيب فيها). قال: (فاعتزلتهم بعد). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال عبد الرحمن بن محمد بن يزيد، عن لوين، قال: (أراد داود الطائي أن يجرب نفسه: هل تقوى على العزلة؛ فقعد في مجلس أبي حنيفة سنة؛ فلم يتكلم؛ فاعتزل الناس). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال ابن حبان: (كان داود من الفقهاء من كان يجالس أبا حنيفة، ثم عزم على العبادة؛ فجرّب نفسه على السكوت؛ فكان يحضر المجلس وهم يخوضون، وهو لا ينطق؛ فلما أتى عليه سنة وعلم أنه يصبر على أن لا يتكلم في العلم، غرّق كتبه في الفرات، ولزم العبادة، وورث عشرين ديناراً أكلها في عشرين سنة، ثم مات ولم يأخذ من السلطان عطية، ولا قبل من الإخوان هدية). - وقال الخطيب البغدادي: (كان داود ممن شغل نفسه بالعلم، ودرس الفقه وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة وآثر الانفراد والخلوة، ولزم العبادة واجتهد فيها إلى آخر عمره، وقدم بغداد في أيام المهدي، ثم عاد إلى الكوفة، وبها كانت وفاته). - وقال عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت أبي، يقول: سمعت حفص بن حميد، يقول: سألت داود الطائي عن مسألة فقال داود: أليس المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب؛ أليس يجمع له آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟ إنّ العلم آلة العمل، فإذا أفنى عمره فيه؛ فمتى يعمل؟). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال عبد الله بن صالح العجلي: حدثني أبو خالد الأحمر قال: مررت أنا وسفيان الثوري بمنزل داود الطائي، فقال لي سفيان: ادخل بنا نسلم عليه، فدخلنا عليه فما احتفل بسفيان، ولا انبسط إليه، فلما خرجنا، قلت: يا أبا عبد الله! غاظني ما صنع بك، قال: وأيش صنع بي؟ قلت: لم يحفل ولم ينبسط إليك. قال: (إن أبا سليمان لا يتَّهم في مودته، أما رأيت عينيه، هذا في شيء غير الذي نحن فيه). رواه أبو الحسن العجلي في الثقات. - وقال محمد بن إسحاق الثقفي: حدثنا محمد بن زكريا، عن الربيع الأعرج، قال: أتيت داود الطائي، وكان داود لا يخرج من منزله حتى يقول المؤذن: "قامت الصلاة"؛ فيخرج فيصلي؛ فإذا سلم الإمام أخذ نعله ودخل منزله؛ فلما طال ذلك عليَّ أدركته يوماً؛ فقلت له: يا أبا سليمان على رسلك؛ فوقف لي؛ فقلت: يا أبا سليمان! أوصني. قال: (اتق الله، وإن كان لك والدان فبرّهما) ثلاث مرات. ثم قال في الرابعة: (ويحك صم الدنيا، واجعل الفطر موتك، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال محمد بن عبد المجيد التميمي: حدثنا عبد الله بن إدريس، قال: قلت لداود الطائي: أوصني. قال: (أقلل معرفة الناس). قلت: زدني. قال: (ارض باليسير من الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بالدنيا مع فساد الدين). قلت: زدني. قال: (اجعل الدنيا كيوم صمته، ثم أفطر على الموت). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال أبو الحسن أحمد بن عبد الله العجلي: حدثنا أبي عبدُ الله، قال: (قدم هارون الكوفة فكتب قومًا من القرّاء، فأمر لهم بألفين، وكان داود الطائي ممن كتب فيهم، فدعي باسمه: أين داود الطائي؟ قالوا: داود لا يحتمل! أرسلوها إليه. قال ابن السماك وحماد بن أبي حنيفة: نحن نذهب بها إليه. قال ابن السماك لحماد في الطريق: إذا نحن دخلنا عليه فانثرها بين يديه، فإن للعين حقها، رجل ليس عنده شيء فأمر له بألفي درهم يردها؟!! فلما دخلوا عليه نثروها بين يديه قال: سوءة، إنما يفعل هذا بالصبيان، فأبى أن يقبلها). - وقال علي بن الحسن الشقيقي: قال عبد الله بن المبارك، قيل لداود الطائي وحائطه قد تصدَّع: لو أمرتَ برمّه! فقال داود: (كانوا يكرهون فضول النظر). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا محمد بن يحيى، عن داود الطائي، قال: «ما أخرج الله عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس». رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد الكبير. |
12: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري(ت:161هـ)
نسبة إلى ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، وثور الذي يقال له ثور أطحل، ابن عمّ تميم بن مرّ بن أدّ، وأطحل اسم جبل كان يسكنه. الإمام الحافظ، شيخ الإسلام في عصره، ولد سنة 97هـ في خلافة سليمان بن عبد الملك، ونشأ بالكوفة، وكان والده محدّثاً صالحاً من أصحاب الشعبي؛ فأخذ عنه، وعن جماعة من علماء الكوفة، ومن أشهرهم أبو إسحاق السبيعي وسليمان الأعمش، وكانا أعلمَ أهل الكوفة بعلم ابن مسعود وفتاوى أصحابه، وأخذ عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي، وعاصم الأحول، وعبد الملك بن أبي سليمان، وسلمة بن كهيل، وغيرهم. وأخذ عن بعض علماء البصرة منهم: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وجماعة. وأخذ عن بعض علماء الحجاز: منهم يحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وعبد الله بن دينار، وأبو الزناد، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم من أوعية العلم وكبار المحدثين والفقهاء. - قال علي بن مسهر: سمعت سفيان الثوري يقول: (أدركت من الحفاظ أربعة: إسماعيل بن أبي خالد، وعاصماً الأحول، ويحيى بن سعيد، وعبد الملك بن أبي سليمان). رواه ابن عساكر. - وقال عبد الرحمن بن مهدي: قال سفيان: (كنت آتي الأعمش ومنصورا، فأسمع أربعة أحاديث خمسة، ثم أنصرف كراهة أن تكثر وتفلت). رواه الخطيب البغدادي في الجامع. - وقال بكر بن خداش: سمعت سفيان الثوري، يقول: (ما استودعت قلبي شيئا فخانني قط). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه. - وقال علي بن المديني: (أصحاب عبد الله [يعني ابن مسعود] ستة، الذين يقرئون ويفتون، ومن بعدهم أربعة، ومن بعد هؤلاء سفيان الثوري كان يذهب مذهبهم ويفتى بفتواهم وكان أعلم الناس بأبي إسحاق والأعمش بحديثهم وطريقتهم). رواه ابن أبي حاتم. - وقال عبد الرزاق: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: (أصحاب الحديث ثلاثة: عبد الله بن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه. - وقال أبو عبد الرحمن الحارثي: (خاف سفيان شيئاً فطرح كتبه، فلما أمنَ أرسل إليَّ وإلى يزيد بن ثوير المرهبي؛ فقال: أخرجوا الكتب؛ فدخلنا البئر فجعلنا نخرجها؛ فأقول: يا أبا عبد الله "وفي الركاز الخمس"-وهو يضحك- فأخرجنا تسع قمطراتٍ كل واحد إلى هنا وأشار إلى أسفل ثندوته). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. - وقال سفيان بن عيينة: (ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. - وقال عبد الله بن المبارك: (لا أعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان الثوري). رواه ابن أبي حاتم. - وقال أبو قطن: قال لي شعبة: (إن سفيان الثوري ساد الناس بالورع والعلم). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه. - وقال مطرف بن مازن: قال لنا معمر لما بلغه أن سفيان قادم عليهم اليمن قال لنا معمر: (إنه قد قدم عليكم محدث العرب). رواه ابن أبي حاتم. - وقال شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن معين: (سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث). - وقال عبد الله بن إدريس الأودي: (ما رأيت بالكوفة أحداً أودّ أني في مسلاخه إلا سفيان الثوري). رواه ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية. - وقال أحمد بن حنبل: ألقى أبو إسحاق فريضةً فلم يصنعوا فيها شيئاً، فقال: لو كان الغلام الثوري فصّلها الساعة، إذ أقبل سفيان فقال له: ما تقول في كذا وكذا؟ قال سفيان: أنت حدثتنا عن علي بكذا وكذا، والأعمش حدثنا عن ابن مسعود بكذا، وفلان حدثنا فيها بكذا. قال أبو إسحاق: (كيف ترون من ساعة فصلها، ألا تكونون مثله). رواه الخطيب البغدادي. - قال عبد العزيز بن منيب: قال عبد الرزاق: كان الثوري جعل على نفسه لكل ليلة جزءاً من القرآن، وجزءاً من الحديث. قال: (فيقرأ جزأه من القرآن ثم يجلس على الفراش فيقرأ جزأه من الحديث ثم ينام). رواه ابن أبي حاتم. - وقال أبو عمر شهاب بن عباد: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: (كان سفيان يأخذ المصحف فلا يكاد يمرّ بآية إلا فسّرها؛ فربما مرّ بالآية؛ فيقول: أيّ شيءٍ عندك في هذه؟ فأقول: ما عندي فيها شيء. فيقول: (تضيع مثل هذه لا يكون عندك فيها شيء؟!!). رواه ابن أبي حاتم. - وقال أبو هشام الرفاعي: سمعت يحيى بن يمان، يقول: (أحفظ عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير). رواه الخطيب البغدادي - وقال أبو عبد الله الطهراني: حدثنا عبد الرزاق قال: كان الثوري يقول: (سلوني عن المناسك والقرآن فإني بهما عالم). رواه ابن أبي حاتم. - وقال المبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري: (رأيت عاصمَ بن أبي النجود يجيء إلى سفيان يستفتيه، ويقول: يا سفيان أتيتنا صغيراً، وأتيناك كبيراً). رواه الخطيب البغدادي. - وقال عبد الله بن المبارك: قال لي سفيان الثوري: (ما يُراد الله عز وجل بشيء أفضل من طلب العلم، وما طلب العلم في زمان أفضل منه اليوم). رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. - وقال أبو الخزرج: حدثنا عمرو بن حسان قال: (كان سفيان الثوري نعم المداوي، إذا دخل البصرة حدث بفضائل علي، وإذا دخل الكوفة حدث بفضائل عثمان). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال عمرو بن علي الفلاس: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: (ما عاشرت في الناس رجلاً أرقَّ من سفيان الثوري، وكنت أرمقه في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوباً ينادي، النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه. - وقال أحمد بن عمران: سمعت يحيى بن يمان يقول: سمعت سفيان يقول: (بالفقر تخوفوني؟!! إنما يخاف سفيان أن تصب عليه الدنيا صباً). رواه ابن أبي حاتم. - وقال الخطيب البغدادي: (كان إماماً من أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، مجمعاً على إمامته بحيث يستغنى عن تزكيته، مع الإتقان، والحفظ، والمعرفة، والضبط، والورع، والزهد). - قال البخاري: (خرج سفيان من الكوفة سنة أربع وخمسين ومات بالبصرة). - قال حماد بن سلمة: كان سفيان الثوري عندنا بالبصرة، فكان كثيراً يقول: (ليتني قد مت، ليتني قد استرحت، ليتني في قبري). فقال له حماد بن سلمة: يا أبا عبد الله، ما كثرة تمنيك للموت، والله لقد آتاك الله القرآن والعلم؟ فقال سفيان، يعني: لحماد بن سلمة: (يا أبا سلمة، وما يدريني لعلي أدخل في بدعة، لعلي أدخل فيما لا يحل لي، لعلي أدخل في فتنة، أكون قد مت فسبقت هذا). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أبو داود الطيالسي: (مات سفيان بالبصرة، ودفن ليلا ولم نشهد الصلاة، يعني: عليه، وغدونا على قبره ومعنا جرير بن حازم، وسلام بن مسكين، فتقدم جرير فصلى بنا على قبره، ثم بكى، فقال: إذا بكيت على ميت لتكرمه ... فابك الغداة على الثوري سفيانا انتقل إلى البصرة سنة 154هـ، في خلافة أبي جعفر المنصور، وأجّر نفسه لصاحب بستان يحرسه، وتزوّج أم أبي حذيفة النهدي بالبصرة، وقد ذُكر أن أبا جعفر المنصور قد طلبه ليوليه القضاء فأبى وتخفّى عنه في البصرة مدة، ثم انتقل إلى مكة؛ ثمّ إن أبا جعفر عزم على الحجّ وجدّ في طلب سفيان، وبث في مكة من يبحث عنه؛ وكان قد توعّده بالقتل، فذُكر أن سفيان تعلّق بأستار الكعبة يدعو؛ فمات أبو جعفر قبل أن يبلغ مكة. ثمّ جرت له محنة أخرى مع الخليفة المهدي؛ فإنه دخل عليه في مكة وأنكر عليه إسرافه في إنفاق الأموال في حجّه، ثم إن المهديّ طلبه مرة أخرى بالعراق وأحضره في مجلسه وكلّمه ليوليه الحسبة فأبى، ثم عاد لطلبه مرة أخرى طلبه بعد ذلك فهرب منه إلى اليمن، وجرت له في اليمن محنة أخرى، ثم فرّج الله عنه، وأمّنه والي اليمن معن بن زائدة، ثمّ انتقل إلى مكة وتحفّى فيها مدة، ثم عاد إلى العراق، وتخفّى في البصرة حتى مات بها. - قال محمد بن هارون: سمعت الفريابي، يقول: سمعت سفيان الثوري، يقول: (أُدخلتُ على أبي جعفر بمنى؛ فقلت له: اتق الله! إنما أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعاً، حج عمر بن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً، وكان ينزل تحت الشجر. فقال لي: أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا تكون مثلي، ولكن كن دون ما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه. فقال لي: اخرج). رواه أبو نعيم في الحلية. وروى الخطيب البغدادي في تاريخه من طريق صالح بن أحمد العجلي عن أبيه أن إنكاره هذا كان على الخليفة المهدي في سياق آخر؛ فالله أعلم. - قال أبو الحسين أحمد بن سليمان بن أبي شيبة: سمعت صالح بن معاذ البصري، يقول: سمعت ابن مهدي، يقول: سمعت سفيان الثوري، يقول: (طُلبت في أيام المهدي فهربت فأتيت اليمن؛ فكنت أنزل في حيٍّ حيٍّ، وآوي إلى مسجدهم؛ فسُرق في ذلك الحيّ؛ فاتهموني؛ فأتوا بي معنَ بن زائدة، وكان قد كُتِبَ إليه في طلبي؛ فقيل له: إنَّ هذا قد سرق منا. فقال: لم سرقتَ متاعهم؟ فقلت: ما سرقتُ شيئاً. فقال لهم: تنحّوا لأسأله؛ ثم أقبل عليَّ فقال: ما اسمك؟ قلت: عبد الله بن عبد الرحمن. قال: يا عبد الله بن عبد الرحمن نشدتك بالله لما نسبتَ لي نسبك. قلت: أنا سفيان بن سعيد بن مسروق. قال: الثوري؟ قلت: الثوري. قال: أنت بغية أمير المؤمنين؟ قلت: أجل. فأطرق ساعة ثم قال: (ما شئتَ فأقمْ، وارحل متى شئتَ؛ فوالله لو كنتَ تحت قدمي ما رفعتها). رواه أبو نعيم في الحلية. |
13: شيبان بن عبد الرحمن النحوي(ت:164هـ)
مولى تميم، كنيته أبو معاوية، ونشأ بالبصرة، ثم نزل الكوفة، ولذلك ربما قيل: أبو معاوية البصري. وكان من قراء الكوفة ومحدّثيهم، قرأ على عاصم بن أبي النجود، وروى عن الحسن وقتادة ومنصور بن المعتمر، وزياد بن علاقة، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. وله كتاب مشهور في التفسير يروي فيه عن قتادة. وكان شيبان مؤدب أولاد الأمير داوود بن علي العباسي بالكوفة، وكان يحدّث ببغداد أحياناً، ومات بها. - قال صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثبت في كل المشايخ. - وقال يعقوب ين شيبة: (كان صاحب حروف وقراءات مشهور بذلك). رواه الخطيب البغدادي. |
14: الحسن بن صالح بن حيّ الثوري الهمْداني(ت:169هـ)
ولد سنة 100هـ، من الفقهاء المحدّثين الأعلام، الذين تنقل أقوالهم في مسائل الفقه، وكان من أقران سفيان الثوري وأبي حنيفة وابن أبي ليلى. ولولا خصال أخذت عليه لكان من الأئمة الكبار، وهو في الحديث حافظ متقن صدوق، وفي الفقه صاحب اجتهاد ونظر، وفي العبادة والزهد كان يقرن بكبار العبّاد في زمانه. لكن انتقده أهل العلم على خصال منها: أنه كان فيه ميل عن عثمان رضي الله عنه، وكان يرى السيف، وكان لا يرى الجمعة مع الولاة. فكلام بعض الأئمة فيه إنما كان لما أخذ عليه من الخصال المنتقدة، وثناؤهم عليه إنما هو فيما أجاد فيه وأتقن، فيقبل حديثه، ويستفاد من فقهه، ويحذر مما وقع فيه من الخطأ الذي أنكره عليه أهل العلم ولا سيما في المسائل الكبار المتقدّم ذكرها. - قال أبو عبد الله البخاري: (قال لنا مالك بن إسماعيل: حدثنا الحسن بن صالح بن صالح بن مسلم بن حيان). قال: (يقال: حيٌّ لقب، هو من ثور هَمْدان). - قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني، يقول: (ما رأيتُ أحداً الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن صالح بن حي، قام ليلة فقرأ {عمّ يتساءلون}؛ فغُشِيَ عليه فلم يختمها حتى طلع الفجر). رواه أبو نعيم في الحلية. - وقال جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى: سمعت جدي عبيد الله بن موسى قال: (كنت أقرأ على علي بن صالح؛ فلما بلغت إلى قوله: {فلا تعجل عليهم} سقط الحسن بن صالح يخور كما يخور الثور؛ فقام إليه على فرفعه، ومسح وجهه، ورشّ عليه الماء، وأسنده اليه). رواه ابن عدي. - وقال أحمد بن محمد البغدادي: سمعت أبا نعيم يقول: (حدثنا الحسن بن صالح وما كان دون الثوري في الورع والفقه). رواه ابن عدي. - وقال محمد بن علي الجوزجاني: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حسن بن صالح كيف حديثه؟ فقال: (ثقة، وأخوه علي ثقة). رواه ابن عدي. - وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: (الحسن بن صالح بن حيّ الهمداني ثقة). - وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين، قال: (يُكتب رأي الحسن بن صالح، ورأي الأوزاعي، وهؤلاء ثقات). رواه ابن عدي. - وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن الحسن بن صالح فقال: (اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد). - وقال أبو حاتم الرازي: (الحسن بن صالح ثقة متقن حافظ). - وقال ابن حبان: (كان فقيهاً ورعاً من المتقشفة الخُشُن، وممن تجرّد للعبادة ورفض الرئاسة على تشيّع فيه). - وقال أحمد بن محمد البغدادي: سمعت أبا نعيم يقول:(دخل الثوري يوم الجمعة من باب الفيل؛ فإذا الحسن بن صالح يصلّي قال: "نعوذ بالله من خشوع النفاق" وأخذ نعليه فتحوّل إلى سارية أخرى). رواه ابن عدي. - وقال أحمد بن محمد البغدادي: سمعت أحمد بن يونس يقول: (لو لم يولد الحسن بن صالح كان خيرا له، يترك الجمعة ويرى السيف، جالسته عشرين سنة؛ فما رأيته رفع رأسه إلى السماء، ولا ذكر الدنيا). رواه ابن عدي. - وقال ابن عدي: (قد روى عنه أحاديث صالحة مستقيمة ولم أجد له حديثا منكرا مجاوز المقدار، وهو عندي من أهل الصدق). - وقال ابن حبان: (كان مولده سنة مائة، ومات سنة سبع وستين ومائة، وهو مختف من القوم). قلت: اختلف في سنة وفاته؛ فقيل: سنة 167هـ، وقيل: 169هـ، وهو أرجح. |
15: أسباط بن نصر الهمداني(ت:170هـ)
صاحب السدّي وراويته، روى عن جابر بن يزيد الجعفي وهو متروك الحديث، وعن منصور بن المعتمر، وسماك بن حرب. وثقه يحيى بن معين، وضعّفه الإمام أحمد، وأخرج له مسلم في المتابعات، وعلّق له البخاري حديثاً واحداً. وتفسيره عن السدي مشهور، أخرج منه أصحاب التفاسير المسندة مرويات كثيرة جداً. |
16: القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي(ت:175هـ)
روى عن أبيه، وإسماعيل بن أبي خالد، وسليمان الأعمش، ومسعر بن كدام، ومنصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، وعاصم الأحول، وجعفر الصادق، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وابن جريج، وغيرهم. وتفقّه بأبي حنيفة، وتولى القضاء بالكوفة ، وكان عالماً بالفقه والعربية، راوياً للحديث والشعر، جليل القدر واسع المعرفة، عفيفاً مهيباً. روى عنه: عبد الله بن إدريس، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم، ويحيى بن زياد الفراء، وغيرهم. |
17: شريك بن عبد الله النخعي(ت:177هـ)
اختلف في اسم جدّه؛ فقال البخاري: سنان، وقال أبو نعيم: الحارث. قاضي الكوفة، من أقران سفيان الثوري وشعبة، وكان أوسع رواية منهما، ولد سنة 95هـ، وأدرك زمان عمر بن عبد العزيز، وسمع أبا إسحاق السبيعي وكان أبو إسحاق محدّث أهل الكوفة، ولازمه مدّة، حتى روي عنه أنه صلى معه صلاة الغداة سبعمائة يوم، يعني أنه كان يبكّر إليه، وروى عن سلمة بن كهيل، والأعمش، وعاصم بن أبي النجود، ومنصور بن المعتمر، وخصيف، وغيرهم. وروى عن رواة لم يرو عنهم سفيان ولا شعبة، فكتب حديثاً كثيراً جداً، حتى ذُكر أنه أعلم أهل زمانه بحديث الكوفيين. - قال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (شريك أكبر من سفيان بسنتين، ولد شريك سنة خمس وتسعين، وولد سفيان سنة سبع وتسعين). رواه ابن عدي. نشأ فقيراً، يعمل بيديه، في ضرب اللَّبِن، ويشتري الكتب والقراطيس، ويطلب العلم، ويصبر على الحاجة. وكان عاقلاً صدوقاً، صاحب حُجّة حاضرة، لا يهاب في الجواب أميراً ولا غيره، وقد حاججَه الخليفة المهدي في أمور نُسبت إليه؛ فنفاها، وغلبَ المهديَّ في الحجة بلطيف القول حتى أُفحم المهدي وسكت، ثم إنّ المهدي عزله بعد ذلك. وأتته امرأةٌ بجلية من ذرية جرير بن عبد الله البجلي تشتكي إليه تعدّي أمير الكوفة على بستان لها، وقلع نخلها، واستحواذه عليها؛ فاشتدّ شريكٌ في طلب حقّها حتى ردّه لها، وأجلس الأميرَ في مجلس الحكم، وحبس صاحبَ الشرطة. وله في القضاء وحضور الحجة في المنازعة أخبار وأعاجيب، ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه طرفاً منها. ونقل مغلطاي عن سفيان بن عيينة أنه قال: (كان شريك أحضر الناس جواباً). وقال القاسم بن معن المسعودي قاضي الكوفة يوماً لشريك: ( "يا أبا عبد الله! هذا ميدان من جاراك فيه سبقتَه"، يعني أن لك لساناً). رواه ابن عدي. وكان أبو جعفر المنصور قد أكرهه على القضاء سنة خمسين ومائة، أراد أن يستعفي فأبى أن يعفيه؛ فقال لأبي جعفر: فأنصرف يومي هذا، وأعود فيرى أمير المؤمنين رأيه. قال: (تريد أن تتغيب، ولئن فعلت لأقدمنَّ على خمسين من قومك بما تكره). فولاه القضاء، فبقي إلى أيام المهدي، فأقره المهدي، ثم عزله. وقد هجره سفيان الثوري بعد تولّيه القضاء، وكان قد قال لما بلغه الخبر: (أيّ رجلٍ أفسدوه). لكنّه كان سيء الحفظ، ولما تولّى القضاء كثر منه الخطأ، وكثر الرواة عنه، وروي عنه أنه أمسك عن التحديث في آخر حياته. - قال أبو عمر الضرير: سألت ابن المبارك عن شريك قال: (ليس حديثه بشيء). - قال عمرو بن علي الفلاس: (كان يحيى لا يحدث عن شريك وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه). رواه ابن أبي حاتم. - قال معاوية بن صالح: سألت أحمد بن حنبل عن شريك، فقال: (كان عاقلا صدوقا محدثا عندي، وكان شديدا على أهل الريب والبدع، قديم السماع من أبي إسحاق قبل زهير وقبل إسرائيل). رواه العقيلي. - قال عبد الله بن الإمام أحمد: سألته [يريد أباه] قلت له: أيما أحب إليك شريك عن أبي إسحاق عن البهي أو زائدة عن السدي عن البهي؟ قال: (زائدة عن السدي عن البهي أحبّ إليَّ، كان زائدة إذا حدّث بالحديث يتقنه، وكان شريك لا يبالي كيف حدّث). - وقال معاوية بن صالح عن يحيى، قال: (شريك بن عبد الله صدوق ثقة، إلا أنه إذا خالف فغيره أحب إلينا منه). رواه ابن عدي. - وقال أبو زرعة الرازي: (كان كثير الحديث صاحب وهم، يغلط أحياناً). - وقال يعقوب بن شيبة: (شريك صدوق ثقة، سيء الحفظ جداً). - وقال ابن حبان: (كان في آخر أمره يخطئ فيما يروي، تغيّر عليه حفظه؛ فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط، مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة). |
18: يحيى بن اليمان العجلي(ت:188هـ)
أبو زكريا الكوفي، من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، كان عالماً عابداً، سريع الحفظ، يحفظ الأحاديث الكثيرة في مجلس الحديث ويعقد عقدة لكلّ حديث في خيط، ثمّ يكتبها بعد ذلك من حفظه، ووقع في حفظه بعض الخطأ، وكان فقيراً شديد الفقر، ربما رؤي عليه الثوب برقاع كثيرة، فصبر على ذلك، وشدّة الحاجة تذهب ببعض الحفظ، ثم أصيب بالفالج فتغيّر حفظه كثيراً؛ ولذلك تكلّم فيه بعض الأئمة النقّاد على أنه من أهل الصدق والصلاح والعبادة، يؤخذ من حديثه ما وافق فيه الثقات. قرأ على حمزة، وروى عن أبيه، وعن سفيان الثوري فأكثر، وعن سليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، ومعمر بن راشد، ومحمد بن عجلان، وأشعث القمّي، وغيرهم. وروى عنه: ابنه داوود، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد، والحسن بن عرفة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو كريب محمد بن العلاء، ويزيد بن خالد بن موهب الرملي، وغيرهم. له جزء صغير مطبوع في التفسير رواه عنه يزيد ابن موهب، وفيه نحو ثلاثين أثراً كلها من تفسير سعيد بن جبير رواها من طرق عنه. وليحيى مرويات كثيرة في كتب التفسير المسندة. - قال محمد بن محمد بن عقبة الشيباني: حدثنا هارون بن حاتم، قال: سألت يحيى بن يمان، فقلت: يا أبا زكريا متى ولدت؟ قال: سنة سبع عشرة ومائة). رواه الخطيب البغدادي. - وقال محمد بن عمران الأخنسي: سمعت أبا بكر بن عياش، وذكر يحيى بن يمان فقال: (ذاك راهب). رواه ابن أبي خيثمة. - وقال أبو الحسن العجلي في كتابه "الثقات": (يحيى بن يمان العجلي من كبار أصحاب الثوري، وكان ثقة جائز الحديث، متعبداً معروفاً بالحديث، صدوقاً إلا أنه فلج بأخرة، فتغيّر حفظه، وكان فقيراً صبوراً). - وقال يعقوب بن شيبة: سمعت عبد الرحمن بن عفان، يقول: سمعت وكيع بن الجراح، يقول: (ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث من يحيى بن يمان، كان يحفظ في المجلس خمسمائة حديث، ثم نسي، فلا أعلم بالكوفة أحداً أحفظ من داود ابنه). رواه الخطيب البغدادي. -وقال أبو هشام الرفاعي: سمعت يحيى بن يمان، يقول: (أحفظ عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير). رواه الخطيب البغدادي - وقال أحمد بن علي الأبار: حدثنا أبو هشام، قال: سمعت يحيى بن يمان، يقول: (ما حملت إلى سفيان ألواحا قط، كنت أقوم من عنده بالسبعين ونحوها، ويقومون من عند سفيان فيطلبون إليّ فأملي عليهم). فذكر لوكيع قول يحيى؛ فقال: (صدق، كان إذا كتبها نسيها). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أبو داوود السجستاني: سمعت أحمد بن حنبل، قال: قال وكيع: (كنا نعدها عند سفيان، ثم نكتب في البيت، وكان يحيى بن يمان يعقد خيطاً، يعني: يعد به الحديث عند سفيان، ثم يذهب إلى البيت فيحلّ عقدة ويكتب حديثاً، ولكن عنده تخليط). رواه الخطيب البغدادي. - وقال عبد الله بن علي بن عبد الله المديني: سألت أبي عن يحيى بن اليمان، فقال: (صدوق، وكان قد أفلج؛ فتغير حفظه). رواه الخطيب البغدادي. - وقال صالح بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: (وكيع أثبت من يحيى بن يمان، يحيى يضطرب في بعض حديثه). رواه ابن أبي حاتم. - وقال عباس الدوري: سمعت يحيى يقول: (ربما عارضتُ بأحاديث يحيى بن يمان أحاديثَ الناس؛ فما خالف فيها الناس ضربت عليه، وقد ذكرت لوكيع شيئاً من حديثه عن سفيان؛ فقال وكيع: (ليس هذا سفيان الذي سمعنا نحن منه). - وقال يعقوب بن شيبة: (يحيى بن يمان كان صدوقا كثير الحديث، وإنما أنكر أصحابنا عليه كثرة الغلط، وليس بحجة إذا خولف، وهو من متقدمي أصحاب سفيان في الكثرة عنه، ويعد من أصحاب سفيان مع أبي أحمد الزبيري، ومؤمل بن إسماعيل، وقبيصة بن عقبة، ومحمد بن يوسف الفريابي، ونظرائهم من المتأخرين ويعد في كثرة الرواية عن سفيان مع الأشجعي والمتقدمين). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أبو حاتم الرازي: (مضطرب الحديث، في حديثه بعض الصنعة، ومحله الصدق). مات سنة 188هـ، وقال أبو هشام الرفاعي ومطيّن: سنة 189هـ. |
19: عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي(ت:192هـ)
من كبار القراء والمحدثين والعبّاد بالكوفة، كان جدّه يزيد ممن شهد الدار يوم مقتل عثمان، وكان أبوه محدّثاً عالماً، وولد عبد الله سنة 120هـ، وهي السنة التي مات فيها حماد بن أبي سليمان، وقيل: سنة 115هـ في خلافة هشام بن عبد الملك. قرأ على الأعمش ونافع، وأقرأ القرآن بالكوفة. وأخذ الحديث والفقه عن أبيه، وعن حصين بن عبد الرحمن الأسدي، وسليمان الأعمش، وأبي إسحاق الشيباني، وإسماعيل بن أبي خالد، ومطرف بن طريف، وابن جريج، ومالك بن أنس وكان بينهما صداقة. - قال أبو داود السجستاني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن الكسائي، قال: قال لي أمير المؤمنين الرشيد: من أقرأ الناس؟ فقلت له: عبد الله بن إدريس. قال: ثم من؟ قلت: حسين الجعفي. قال: ثم من؟ قلت: رجل آخر. قال أبو داود: (أظنه عني نفسه). رواه الخطيب البغدادي. - قال يعقوب بن شيبة: (كان عبد الله بن إدريس عابدا فاضلا، وكان يسلك في كثير من فتياه، ومذاهبه مسلك أهل المدينة، وكانت بينه وبين مالك بن أنس صداقة). - وقال أبو بكر بن أبي شيبة: (كان يجيء إلينا ابن إدريس، وأبي غائب، فيقول: لكم حاجة؟ تريدون شيئا؟). رواه الخطيب البغدادي، وكان ابن إدريس جاراً لبني أبي شيبة في الكوفة. - وقال حسين بن عمرو العنقزي: لما نزل بابن إدريس الموت، بكت ابنته، فقال: لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة). رواه الخطيب البغدادي. - وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي ذكر ابن إدريس، فقال: (كان نسيج وحده). - وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سمعت أبي يقول: حديث بن إدريس حجة يحتج بها، وهو إمام من أئمة المسلمين ثقة. - قال الخطيب البغدادي: (كان هارون الرشيد أقدمه بغداد ليوليه قضاء الكوفة فامتنع من ذلك، وعاد إلى الكوفة، فأقام بها إلى حين وفاته). |
20: أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي(ت:193هـ)
مولده سنة 94هـ في قول يحيى بن معين، وقيل: سنة 95هـ. مولى واصل الأحدب، مشهور عند المحدثين بكنيته، واختلف في اسمه على أقوال ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخه، وأشهرها فقيل اسمه كنيته، والمشهور عند القراء أن اسمه "شعبة"، وهو من أشهر الرواة عن عاصم وأوثقهم، اختاره أبو بكر ابن مجاهد في كتاب السبعة مع حفص بن سليمان راويين عن عاصم. وكان من أثبت رواة القراءة عن عاصم، ذكر الذهبي أنه قرأ عليه ثلاث مرات. - وقال ابن مجاهد: (وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم؛ لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش فيما يقال لأنه تعلمها منه تعلماً خمساً خمساً، وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش، وكان أبو بكر لا يكاد يمكّن من نفسه من أرادها منه؛ فقلَّت بالكوفة من أجلِ ذلك وعزّ من يحسنها وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات). ومع ذلك قرأ عليه: الكسائي، ويحيى بن آدم، وعبد الله بن عمرو بن أمية البصري، وحسين بن علي الجعفي، وغيرهم. - وقال الذهبي: (كان قد قطع الإقراء قبل موته بنحو من عشرين سنة، لكنه كان يروي الحروف، وأثبت من حمل عنه قراءته يحيى بن آدم، وعليه دارت قراءته، مع أنها سماع للحروف فقط). وروى أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي، وحصين بن عبد الرحمن الأسدي، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، وغيرهم. وكان عابداً كثير الصلاة والقراءة نقل عنه أنه كان كثيراً ما يختم القرآن في يوم وليلة. - قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أحمد بن خالد، قال: قيل لأبي بكر بن عياش: كيف قراءتك بالترتيل؟ فقال: (كيف أقدر أرتل وأنا أقرأ القرآن في كل يوم وليلة مذ أربعين سنة؟!!). رواه الخطيب البغدادي. - وقال الحسن بن عيسى: (كان ابن المبارك يعظّم الفضيل وأبا بكر بن عياش). رواه الخطيب البغدادي. - وقال عثمان بن زائدة الرازي: (سألت سفيان الثوري: عمن آخذ العلم بالكوفة؟ قال: عليك بزائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة، قلت: فأبو بكر بن عياش؟ قال: ذاك صاحب قرآن). رواه الخطيب البغدادي. - قال أحمد بن حنبل: (ثقة، ربما غلط، وهو صاحب قرآن وخير). - وقال مهنا بن يحيى: سألت أحمد بن حنبل: أيهما أحب إليك، إسرائيل أو أبو بكر بن عياش؟ فقال: إسرائيل. قلت: لم؟ قال: (لأن أبا بكرٍ كثيرُ الخطأ جداً) قلت: كان في كتبه خطأ؟ قال: (لا، كان إذا حدث من حفظه). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أحمد بن سلمة بن عبد الله: سمعت إسحاق بن إبراهيم، يقول: جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش، فقال: يا أبا بكر ألا تحدث الناس؟ قال: قد حدثت الناس خمسين سنة. ثم قال أبو بكر للرجل: (اقرأ قل هو الله أحد، فقرأ، ثم قال الثانية: فقرأ حتى بلغ عشرين مرة، فكأن الرجل وجد في نفسه من ذلك؛ فقال: (أنا لا أضجر، وقد حدثت الناس خمسين سنة وأنت في ساعة تضجر). رواه الخطيب البغدادي. - وقال يعقوب بن شيبة: (وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث، يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب). |
21: أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاري(ت:193هـ)
وهو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. وهو ابن عمّ الإمام أبي إسحاق الفزاري. روى عن حميد الطويل، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الأحول، وعبد الملك بن أبي سليمان، وغيرهم، وأكثر من الشيوخ جداً؛ فكان في شيوخه مجاهيل لا يعرفون، حتى قال ابن نمير: (كان مروان بن معاوية الفزاري يلتقط الشيوخ من السكك). رواه ابن أبي حاتم. وكان ثقة ثبتاً حافظاً، وهو من شيوخ الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني والحميدي وغيرهم. ابتلي بالقلّة والعيال. - قال ابن سعد: (كان من أهل الكوفة، ثم أتى الثغر، فأقام به، ثم قدم بغداد، فأقام بها ونزلها، وسمع منه البغداديون، وكان ثقة، ثم خرج إلى مكة، فأقام بها، فمات بها في عشر ذي الحجة قبل التروية بيوم، سنة ثلاث وتسعين ومائة، وكان يوم مات ابن إحدى وثمانين سنة). - وقال أبو حاتم الرازي: (كوفي الأصل، مكيّ الدار، ثم صار إلى دمشق، ومات بمكة). - قال عبد اللَّه بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: (كان مروان الفزاري من الحفاظ حافظًا، كأنها نصب عينيه، كان حافظاً حافظاً، وإذا رأيته تقول: هو أبله). - وقال أبو داود السجستاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ما كان أحفظ مروان - يعني: ابن معاوية- كان يحفظ حديثه كله). - وقال العجلي: (كوفي ثقة ثبت .. ما حدث عن المعروفين فصحيح، وما روى عن المجهولين ففيه ما فيه، وليس بشيء). |
22: حفص بن غياث بن طلق النخعي(ت: 194هـ)
من بني مالك بن النخع، من مذحج، ولد سنة 117هـ، ونشأ بالكوفة، وسمع من جماعة من التابعين بالكوفة والبصرة، وسمع من بعض الحجازيين. روى عن جده طلق بن معاوية، وعن إسماعيل بن أبي خالد، وأبي إسحاق الشيباني، وسليمان الأعمش، وسليمان التيمي، وداوود بن أبي هند، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر، وعاصم الأحول، وغيرهم. - قال عبيد بن الصباح: (ولد حفص بن غياث سنة سبع عشرة ومائة، ومات سنة أربع وتسعين ومائة، وولي القضاء سنة سبع وسبعين وله ستون سنة). رواه الخطيب البغدادي. - وقال طلق بن غنام: (ولد حفص بن غياث سنة سبع عشرة ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك، وكان يكنى أبا عمر، وولاه هارون أمير المؤمنين القضاء ببغداد بالشرقية ثم ولاه قضاء الكوفة فلم يزل قاضياً بها إلى أن مرض مرضاً شديداً، ومات في عشر ذي الحجة سنة أربع وتسعين ومائة في خلافة محمد بن هارون). رواه ابن سعد. - قال أبو حفص الفلاس: سمعت يحيى بن سعيد [القطان] يقول: (ما رأيت أحدا يجترئ أن يسأل الأعمش إلا رجلين: حفص، وأبو معاوية). - وقال أبو داود سليمان بن الأشعث: (كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدّم بعد الكبار من أصحاب الأعمش غير حفص بن غياث). رواه الخطيب البغدادي. - وقال يعقوب بن سفيان: قال علي [ابن المديني]: (كان يحي يقول: حفص ثبت؛ فقلت له: إنه يهم؟ فقال: (كتابه صحيح). - وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعتُ أَبي يقول: (كان حفص بن غياث له عقل ووقار وهيئة، ما يكاد يتكلم حتى يُسأل). - وقال يحيى بن معين: (جميع ما حدّث به حفص بن غياث ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه لم يخرج كتاباً، كتبوا عنه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف حديث من حفظه). - وقال علي ابن المديني: (حفص ثبت، - وقال ابن سعد: (كان ثقة مأموناً ثبتاً إلا أنه كان يدلس). - وقال أبو الحسن العجلي: (ثقة، مأمون، فقيه، وكان على قضاء الكوفة وكان وكيع ربما يسأل عن الشيء فيقول: اذهبوا إلى قاضيها فاسألوه، وكان سخيّاً عفيفاً مسلماً). - قال الخطيب البغدادي: (ولي حفص القضاء ببغداد وحدّث بها، ثم عزل وولي قضاء الكوفة). - قال عمر بن حفص بن غياث:(لما حضرت أبي الوفاة أغمي عليه، فبكيت عند رأسه، فأفاق، فقال: ما يبكيك؟ قلت: أبكي لفراقك، ولما دخلت فيه من هذا الأمر يعني القضاء، فقال لا تبك فإني ما حللت سراويلي على حرام قط، ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من توجه الحكم منهما). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أحمد بن القاسم بن مساور، عن أبي هشام الرفاعي أن (حفص بن غياث كان جالساً في الشرقية للقضاء فأرسل إليه الخليفة يدعوه، فقال له: "حتى أفرغ من أمر الخصوم، إذ كنت أجيرا لهم وأصير إلى أمير المؤمنين" ولم يقم حتى تفرق الخصوم). رواه الخطيب البغدادي. - وقال عبيد بن غنام بن حفص بن غياث: حدثني أبي، قال: مرض حفص بن غياث خمسة عشر يوما، فدفع إلي مائة درهم، فقال: (امض بها إلى العامل، وقل له: هذه رزق خمسة عشر يوما لم أحكم فيها بين المسلمين لا حظ لي فيها). رواه الخطيب البغدادي. - وقال حسن بن حماد سجادة: قال حفص بن غياث: (والله ما وليت القضاء حتى حلّت لي الميتة، ومات يوم مات ولم يخلف درهماً، وخلّف عليه تسع مائة درهم ديناً). رواه الخطيب البغدادي. - وقال أبو بشر هارون بن حاتم: (فلج حفص بن غياث حين مات ابن إدريس، فمكث في البيت إلى سنة أربع وتسعين ومائة، ثم مات سنة أربع وتسعين ومائة في العشر، وصلى عليه الفضل بن العباس، وكان أمير الكوفة). رواه الخطيب البغدادي |
23: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير(ت:195هـ)
- قال البخاري: (ولد سنة ثلاث عشرة ومئة). - وقال ابن سعد: (مولى لبني عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم). - وقال أبو حاتم الرازي: (مولى لبنى سعد، ذهب بصره وهو ابن ثمان). لازم الأعمش نحو عشر سنين، وقال أبو نعيم: عشرين سنة، وحفظ عنه حديثاً كثيراً؛ حتى عُدّ من أثبت الناس في الأعمش، وروى عن هشام بن عروة وأبي إسحاق الشيباني، وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الأحول، وغيرهم، ويقع في حديثه عن غير الأعمش اضطراب، وأما حديثه عن الأعمش فقد ضبطه ضبطاً حسناً. - قال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية: (أما أنت فقد ربطت رأس كيسك). قال أبو نعيم: (وكان شعبة إذا حدّث بحضرة أبي معاوية يراجعه في حديث الأعمش ويقول: أليس كذا؟ أليس كذا؟). - وقال أحمد: (كان والله حافظا للقرآن، وكان يضطرب في غير الأعمش). - وقال أبو حاتم الرازي: (أثبت الناس في الاعمش الثوري ثم أبو معاوية الضرير ثم حفص بن غياث). وقد اتّهم بالإرجاء، بل قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: (أبو معاوية رئيس المرجئة بالكوفة). - وقال يعقوب بن شيبة: (أبو معاوية من الثقات، وربما دلس، وكان يرى الإرجاء). - وقال ابن سعد: (كان ثقة كثير الحديث، يدلّس، وكان مرجياً، توفي بالكوفة سنة خمس وتسعين ومائة؛ فلم يشهده وكيع). |
24: وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي(ت:197هـ)
نسبة إلى رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. - قال البخاري في التاريخ الكبير: (قال أحمد بن حنبل: ولد وكيع سنة تسع وعشرين ومائة). - وقال هارون بن حاتم: سأل داوودُ بن يحيى بن يمان وكيعاً وأنا أسمع، فقال: يا أبا سفيان، متى ولدت؟ قال: (سنة ثمان وعشرين ومائة). رواه الخطيب البغدادي. - وذكر أبو حفص الفلاس أن مولده سنة 130هـ. روى عن الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن جريج، وابن عون، والأوزاعي، وشعبة، والثوري، وغيرهم. وكان آية في الحفظ، وسرد الحديث، وهو الذي خلف سفيان الثوري في مكانه، وكان يفتي بقول أبي حنيفة. وكان عابداً زاهداً كثير التلاوة، والصيام، استقدمه هارون الرشيد إلى بغداد وألحّ عليه أن يلي القضاء؛ فامتنع. وله مصنفات، طبع منها كتابه في الزهد، ونسخة حديثه عن الأعمش، وله كتاب في التفسير مفقود. وجرت له محنة بمكة بسبب حديث منكرٍ حدّث به والعهدة على من حدَّثه؛ فرُفع أمره إلى والي مكة، وأفتاه أحد العلماء من جلسائه بقتله؛ فحُبس وكيع، ونصبت له خشبة في الحرم ليصلب عليها، فسعى في أمره سفيان بن عيينة وكلّم الوالي واجتهد في إطلاق سراحه حتى تمّ له ذلك بعد لأي. - قال أحمد بن حنبل: (ما رأيت أحداً أوعى للعلم من وكيع بن الجراح، ولا أشبه بأهل النسك منه). رواه ابن أبي حاتم. - وقال علي ابن المديني: (نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة، ثم صار علم هؤلاء الستة إلى اثني عشر ثم انتهى علم هؤلاء الاثني عشر إلى ستة: إلى يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن المبارك ويحيى بن آدم). رواه ابن أبي حاتم. - قال أحمد بن سلمة النيسابوري: سمعت إسحاق بن إبراهيم [يعني ابن راهويه] يقول: (حفظي وحفظ ابن المبارك تكلّف، وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع يوماً قائماً، ووضع يده على الحائط وحدّث سبعمائة حديثٍ حفظاً). رواه ابن أبي حاتم. - وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: (كان وكيع مطبوعَ الحفظ، كان حافظاً حافظاً، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيراً كثيراً). - وقال أحمد بن سنان الواسطي: (رأيت وكيعاً إذا قام في الصلاة ليس يتحرك منه شيء، لا يزول ولا يميل على رجل دون الأخرى، لا يتحرك، كأنه صخرة قائمة). رواه ابن أبي حاتم. - وقال أحمد بن سنان: (كان وكيع لا يُتحدَّث في مجلسه، ولا يبرى قلم، ولا يتبسم، ولا يقوم أحد قائماً، كانوا في مجلسه كأنهم في صلاة؛ فإن أنكر منهم شيئاً انتعل ودخل). رواه ابن أبي حاتم. - وقال ابن سعد: (حج سنة ست وتسعين ومائة ثم انصرف من الحج فمات بفيد في المحرم سنة سبع وتسعين ومائة في خلافة محمد بن هارون، وكان ثقة مأموناً، عالماً رفيعاً، كثير الحديث حجة). |
الساعة الآن 02:12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir