دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ربيع الأول 1443هـ/11-10-2021م, 03:22 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(20) بيان المؤلف لأصل منهجه في البحث
(تصحيح المبادئ خطوة خطوة بتتبع ما كُتب في القديم والحديث)

قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (20)
بل ههنا أصل من أصول منهجي، أعلم أن هذا الموضع من حديثي ليس مكان تفصيله والاحتجاج له، ولكني لا أملك التفلت منه وإغفاله، لأني أعد ترك التنبيه عليه هنا خيانة لأمانة العقل، وإغفال الإشارة إليه يجعل تتمة بحثي عن لفظ (الآية) عرضة للتوقف والتشكك والتساؤل، ممن لم يعرف المذهب الذي أبني عليه أكثر كلامي. وإذا أنا رضيت بذلك لما أكتبه، فقد رضيت له بأمر كريه مستشنع. فمن أجل ذلك رأيت أن أقتصر على ما لا بد منه، حتى يستبين الأمر للموافق والمخالف جميعًا، ورب شعاع نجى حائرًا في ظلمة وهداه. وأنا في خلال حيرتي الطويلة في قضية (الشعر الجاهلي)، ألتمس المخرج من التيه الذي وقعت فيه، لم أجد عاصمًا يعصمني من الغرق في المتناقضات المضللة، إلا تصحيح المبادئ خطوة خطوة، ودرجة درجة، لأن البناء على مبادئ غير محررة من الخطأ والإدعاء، وغير منقاة من الشوائب والأوهام، تنتهي بنا إلى نتائج مختلطة مبعثرة متضاربة، يعسر الجمع بينها في
[مداخل إعجاز القرآن: 133]
سياق واحد مفهوم أو مقبول وعلى هذا الأصل كانت سيرتي في دراسة ما بلغه علمي بقديم كتب علماء هذه الأمة، ثم في قراءة الحديث الذي كتب بلغة العرب أو بغير لغة العرب، أما القديم، على ما لقيت فيه من العنت والمشقة، فتحرير المبادئ وتنقيتها، كان أمرًا قريبًا من الميسور، لأن المتناقضات التي وقعت فيه، كان أكثرها نابعًا من أصل واحد واضح متفق عليه، فما زاغ عن هذا الأصل تناقض. وكشف مواطن الزيغ عن الأصل الواضح ممكن بالأناة والتوقف وتحرير المبادئ أما الحديث فالأمر فيه مختلف جدًا لأنه مبني على أصل مباين كل المباينة للأصل الذي بنى عليه القديم من كتب علماء هذه الأمة. فليس ما يلقاه المرء عندئذ عنتًا ومشقة، بل بلاءً ماحقًا مهلكًا لمن غفل عن منبع هذا الأصل، وعن الأثر الذي أحدثه في جمهرة المثقفين من أهل زماننا، في فهم كل ما يتعلق بالعرب ولغتهم وتاريخهم وآدابهم وعلومهم، بلا استثناء، وعلى اختلاف مناهج البحث فيها وفي كل فرع من فروعها الكثيرة المتشعبة المختلفة المقاصد والغايات.
وقد كان مما كان أن حضارة العرب والمسلمين في القرن الحادي عشر الهجري، كانت تعاني ما تعانيه كل حضارة طال عليها الأمد فاسترخت قواها، ونجمت يومئذ حضارة جديدة كان من
[مداخل إعجاز القرآن: 134]
همها أن تصارعها، لأسباب تاريخية متنوعة. وكان منشأ هذه الحضارة الجديدة على أصلين متمكنين: أولهما، كتب العقيدة المتوارثة التي ينشأ عليها ناشئهم، وثانيهما، ما اتخذوه نسبًا ينتمون إليه، وهو قديم حضارة اليونان بتاريخها وعقائدها وآدابها، وهذا الأصلان مباينان، بلا ريب، كل المباينة لأصول حضارة العرب والمسلمين التي ننتمي نحن إليها هاهٍ ... وأفٍ لهذا القلم! لقد ساقني مساقًا بعيدًا! ولكن لا مناص، لأن هذا المدخل هو كما وصفته: (تاريخ حيرني، ثم اهتديت)، وهذا الكتاب نفسه هو كما قلت: (يقص قصة طويلة عريضة في صفحات قلائل، وبمنهجي في تحليل الكلام وتحليل التاريخ، لأنه المنهج الذي التزمته، فنجوت من شر مستطير، ومن بلاءٍ ماحق)، فلو أسقطت هذا الفصل، لأسقطت معه الصفة التي وصفت بها هذا الكتاب، ولباحث القصة التي أقصها.
كان مما أجاءتني إليه محنتي بالشعر الجاهلي: أن أقرأ كل ما كان يتاح لي يومئذ أن أقرأه بالعربية وغير العربية عن هذا الإنسان الذي نحن بنوه، وعن أوليته، وعن انتشاره في الأرض، وعن عقائده، وعن حضارته المعرقة في القدم، وأكثر هذا شيء لم يكن لنا به كثير علم، والذي في كتبنا القديمة، أقوال وروايات
[مداخل إعجاز القرآن: 135]
مختلطة لا تغني. وقد فتح للأعاجم المحدثين فيه فتح جليل فكان لهم الفضل كل الفضل في التنقيب في الأرض، وفي كشف الغطاء عن كثير من الحضارات البائدة المطمورة تحت أطباق الزمن وفي جدف الثرى. كنت أرى أن متابعة هذه القراءة لا غنى لها عنها، حتى أستطيع أن أفسر لنفسي الحائرة هذا الإنسان الغامض الذي سكن جزيرة العرب قرونًا لا يعلمها إلا الله. وانحدر عن صلب إلى صلب، حتى جاء هذا (العربي الجاهلي) الذي أورثنا شعرًا فريدًا غريبًا متنوع النغم تنوعًا لا شبيه له في لغات الأرض، ولا ينقضي العجب من جريه النفاذ الأخاذ، في ستة عشر بحرًا، تنبثق من جميعها ضروب وأعاريض متباينة النغم، متداخلة اللحون = بل هذا الغنى الفياض والثراء الوافر من ألفاظ اللغة التي تجري على لسانه ممتدة الجذور شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، كان لكل من الأمم التي نشأت حوله بحضارتها نصيبًا في لسانه، بلا كتاب مكتوب، ولا سجل ضابط، حتى قال الشافعي: (ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي)! = بل هذا الإحكام المذهل في بناء لغته وتراكيبها وتصاريفها وأساليبها المتشعبة ذات الحظ الباذخ من الدلالات المعبرة عن أخفى نبض القلوب والنفوس والعقول = بل هذه
[مداخل إعجاز القرآن: 136]
اليقظة العجيبة التي تميز بها هؤلاء الجاهليون، لكل ما يحيط بهم، فأودعوها شعرهم وبيانهم = بل في حدوث ذلك كله في بحر من الرمال والجبال والفيافي والأودية، قليلة قراه، متناثرة في غمرته مساكن الأحياء!! ثم لا نجد لهذا شبيهًا يقاربه أو يدانيه في بوادي هذه الأرض التي نسكنها! كيف تم لهم كل هذا الذي انفردوا به؟ وكم من القرون بعد القرون يمكن أن تكون قد تصرمت حتى يملك هذا الجاهلي الذي نعرفه، هذا القدر الذي بقى في أيدينا أقله، وتسقط مع أكثره من ذاكرة لا تكتب ولا تحب ولا تقيد، ومع ذلك فهو يفوق ما عند الكاتبين الحاسبين! أممكن أن يكون هذا كله قديم على هذا الوجه في مئة سنة؟ في مئتي سنة؟ في خمسمئة سنة؟ في ألف سنة؟! لا أظن، فمن أجل هذا حاولت أن ألتمس لنفسي تفسيرًا أقنع به وأستريح إليه.
ولكن إدمان القراءة لم يزدني إلا حيرة، وسقطت في المسالك الوعرة، والأشواك المتشابكة، والظلمات المحيرة، ومزقتني الشكوك بأنيابها، واستحال علي أن أفهم تاريخ هذا الإنسان الذي أنا منه بنيته، وأن أقتنع بأنه كان في أوليته كما صورته لي هذه القراءة في الحديث المتجدد المستفيض، وكان ما كان! تصرفت بي الأيام والليالي طويلاً، وأنا ممزق بين ما تعلمته في مدارسنا
[مداخل إعجاز القرآن: 137]
صغيرًا. والذي قرأته أيضًا شابًا، وبين هذه الحقائق التي مثلها لي الشعر الجاهلي، والتي أخرجتني إلى طلب التفسير. وبعد لأي ما تبين لي الطريق والمنهج، وعندئذ سقطت الأقنعة عن الوجوه! فإذا كل قرأته عن أولية الإنسان في الأرض، وعن تاريخ الحضارات البائدة التي كان للأعاجم فضل الكشف عن آثارها، وعن حقيقة عقائد الأمم الخالية، وكثير غير ذلك = كان كله خاضعًا خضوعًا مستبينًا للأصلين الذي بنيت عليهما الحضارة الحديثة وعقلها وتفكيرها وأخلاقها، وتكشفت لي أيضًا حقيقة أخرى: أن للأهداف السياسية أثرًا عميقًا جدًا في جذور هذه الحضارة يتغلغل موجها لكل ما يكتب، عن عمد أو عن غير عمد. ولكي يكون الأمر واضحًا ينبغي أن أحدد موضع الفصل الذي جعلني أرفض أن أسير في الطريق الذي ألزمتنا بالسير فيه غلبة السلطان الثقافي والسياسي لهذه الحضارة، وسيطرتها على كل الميادين بلا استثناء وهي قصة طويلة، ولكني سأوجز القول فيها ما استطعت.
ومن العجز أن نتوهم، كما هو شائع بيننا اليوم، إن الأمر كله جاء عفوا بلا قصد ولا تدبير، وإنه مستمر إلى هذا اليوم بلا قصد ولا تدبير، وإن هذه هي (طبيعة الأشياء): مجرد التقاء حضارتين في زمن واحد، إحداهما حديثة رائعة متحركة، قد
[مداخل إعجاز القرآن: 138]
أحكمت سيطرتها على مفاتيح العلم والمعرفة، حتى بلغت ما بلغت، والأخرى قديمة كانت ذات تراث رائع، ثم طال عليها الأمد فاستبقت قواها وهمدت وغفت، فلما التقتا هب الغافل الهامد من غفوته، ورأى ما بلغه هذا اليقظ المتحرك، فلم يجد بدا من أن يأخذ مأخذه، ويتعلم منه ما فاته وجهله في زمان غفوته، ولم يجده عيبا يعاب أن يسند إلى أخيه أمر تعليمه وتيقنه حتى يلحق به ويدركه، وحتى يحكم هو أيضًا سيطرته على مفاتيح العلم والمعرفة فيبلغ ما بلغ، وتستوي الأقدام في حضارة واحدة رائعة!! وهذا السياق ليس عجزًا فحسب، بل هو عبثُ عابثٍ لا يدري ما يفعل ولا ما يقول، ويكفي أن ننظر نظرة واحدة، فقط مضى قرنان كاملان، سيطرت فيهما هذه الحضارة الحديثة عليها، وعلى أكبر جزء من آسيا وعلى أفريقيا كاملة، وبقيت هذه الأمم جميعًا في قبضتها تعلمها وتثقفها!! ومع ذلك فقد بقي الفرق بيننا جميعًا وبينهم هو نفس الفرق الذي كان منذ أول يوم تم فيه اللقاء بيننا وبينهم نسبة محفوظة وستظل محفوظة، فإذا لم يكن هذا عن تدبير وقصد، يعني أي شيء غيرها يكون؟ ما لم نفق إفاقة صحيحة مدركة لهذا التناقض الصريح بين مواريثنا التي ينبغي أن نبي عليها ثقافتنا وعلمنا، وبين مواريثهم التي بنوا عليها علمهم وثقافتهم. فإذا فعلنا وتبينت جماهير الأمم موضع الفصل الذي
[مداخل إعجاز القرآن: 139]
يفصل بيننا وبين ما تروجه فينا بقصد وتدبير، تحت بهرج لا يناظر بالضعف به وأن حضارتهم (الحضارة العالمية) وأن ثقافتهم (الثقافة الإنسانية). ثم نصدق ذلك نحن كأنه حقيقة لا تقبل النقض ولا الجدال(1)).
[مداخل إعجاز القرآن: 133-140]
___________________________________________
(1) إلى هنا انتهى ما وصل إلينا من أصول المدخل الأول كما كتبها الأستاذ شاكر رحمه الله بخطه ولم يكمله.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مداخل, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir