دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ربيع الأول 1443هـ/11-10-2021م, 04:15 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,754
افتراضي

(6) تحديد معنى إعجاز القرآن
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (6)
أما مسألة (إعجاز القرآن)، قد بقيت خارج هذا الكتاب، وهي عندي أعقد مشكلة يمكن أن يعانيها (العقل) الحديث، كما يسمونه حتى بعد أن يتمكن من إرساء كل دعامة يقوم عليها إيمانه بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبصدق الوحي، وبصدق التنزيل، وأيضًا فهي المسألة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقضية الشعر الجاهلي، وبالكيد الخفي الذي اشتملت عليه هذه القضية، بل إنها لترتبط ارتباطًا لا فكاك له بثقافتنا كلها، وبما ابتلى به العرب في جميع دور العلم، من فرض منهاج خال من كل فضيلة في تدريس اللغة وآدابها. بل إنها لتشمل ما هو أرحب من ذلك، تشتمل بناء الإنسان العربي أو المسلم، من حيث هو إنسان قادر على تذوق الجمال في الصورة والفكر جميعًا.
ومعرفة معنى (إعجاز القرآن)، ما هو وكيف كان، أمرٌ لا غنى عنه لمسلم ولا لدارس، وشأنه أعظم من أن يتكلم فيه امرؤ بغير تثبت من معناه، وتمكن من تاريخه، وتتبع للآيات الدالة على حقيقته. وأنا لا أزعم أني مستقصيه في هذا الموضع، ولكني مستعين بالله، فذاكر طرفًا مما يعين المرء على معرفته.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، حين فجئه الوحي في غار حراء، وقال له: (أقرأ) فقال: (ما أنا
[مداخل إعجاز القرآن: 156]
بقارئ)، ثم لم يزل به حتى قرأ: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم}، رجع بها وهو يرجف فؤاده، فدخل على خديجة فقال: (زملوني، زملوني)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. وذلك أنه قد أتاه أمر لا قبل له به، وسمع مقالاً لا عهد له بمثله، وكان رجلاً من العرب، يعرف من كلامها ما تعرف، وينكر منه ما تنكر، كان هذا الروع الذي أخذه، بأبي هو وأمي، أول إحساس في تاريخ البشر، بمباينة هذا الذي سمع، للذي كان يسمع من كلام قومه، والذي كان يعرف من كلام نفسه، ثم حمى الوحي وتتابع، وأمره ربه أن يقرأ ما أنزل عليه على الناس، على مكث. فتتبع الأفراد من عشيرته وقومه، يقرأ عليهم هذا الذي نزل إليه. ولم يكن من برهانه ولا مما أمر به أن يلزمهم الحجة بالجدال، حتى يؤمنوا أنما هو إله واحد، وأنه هو نبي لله، بل طالبهم بأن يؤمنوا بما دعاهم إليه، ويقروا له بصدق نبوته، بدليل واحد، هو هذا الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه. ولا معنى لمثل هذا المطالبة بالإقرار لمجرد التلاوة، إلا أن هذا المقروء عليهم، كان هو في نفسه آية فيهم أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه هو، ولا من كلام بشر مثله. ثم أيضًا لا معنى لها البتة إلا أن يكون في طاقة هؤلاء
[مداخل إعجاز القرآن: 157]
السامعين أن يميزوا تمييزا واضحا بين الكلام الذي هو من نحو كلام البشر، والكلام الذي ليس من نحو كلامهم.
وكان هذا القرآن ينزل عليه منجما، وكان الذي نزل عليه يومئذ قليلا كما تعلم، فكان هذا القليل من التنزيل هو برهانه الفرد على نبوته وإذن، فقليل ما أوحى إليه من الآيات يومئذ، هو على قلته وقلة ما فيه من المعاني التي تتامت وتجمعت في القرآن جملة كما نقرؤه اليوم، منطو على دليل مستبين قاهر، يحكم له بأنه ليس من كلام البشر، وبذلك يكون دليلاً على أن تاليه عليهم وهو بشر مثلهم، نبي من عند الله مرسل.
فإذا صح هذا، وهو صحيح لا ريب فيه، ثبت ما قلناه أولاً من أن الآيات القليلة من القرآن، ثم الآيات الكثيرة، ثم القرآن كله، أي ذلك كان، في تلاوته على سامعه من العرب، الدليل الذي يطالبه بأن يقطع بأن هذا الكلام مفارق لجنس كلام البشر، وذلك من وجه واحد هو وجه البيان والنظم.
وإذا صح أن قليل القرآن وكثيره سواء من هذا الوجه، ثبت أن ما في القرآن جملة من حقائق الأخبار عن الأمم السالفة، ومن أنباء الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب الدلالات على ما لم يعرفه البشر من أسرار الكون إلا بعد القرون المتطاولة من
[مداخل إعجاز القرآن: 158]
تنزيله، كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب، وهو أن يستبينوا في نظمه وبيانه، انفكاكه من نظم البشر وبيانهم، من وجه يحسم القضاء بأنه كلام رب العالمين وههنا معنى زائد، فإنهم إذا أقروا أنه كلام رب العالمين بهذا الدليل، كانوا مطالبين بأن يؤمنوا بأن ما جاء فيه من أخبار الأمم، وأنباء الغيب، ودقائق التشريع، وعجائب الدلالات على أسرار الكون، هو كله حق لا ريب فيه، وإن ناقض ما يعرفون، وإن باين ما اتفقوا على أنه عندهم أو عند غيرهم حق لا يشكون فيه. وإذن، فإقرارهم من وجه النظم والبيان أن هذا القرآن كلام رب العالمين، دليل يطالبهم بالإقرار بصحة ما جاء فيه من كل ذلك، أما صحة ما جاء فيه فليست هي الدليل الذي يطالبهم بالإقرار بأن نظم القرآن وبيانه، مباين لنظم البشر وبيانهم، وأنه بهذا من كلام رب العالمين وهذا أمر في غاية الوضوح.
فمن هذا الوجه كما ترى طولب العرب بالإقرار والتسليم، ومن هذا الوجه تحيرت العرب فيما تسمع من كلام يتلوه عليهم رجل منهم، تجده من جنس كلامها لأنه نزل بلسانهم، لسان عربي مبين، ثم تجده مباينا لكلامها، فما تدري ما تقول فيه من طغيان اللدد والخصومة. وإنه لخبر مشهور، خبر تحير النفر من
[مداخل إعجاز القرآن: 159]
قريش، على رأسهم الوليد بن المغيرة، لقد ائتمرت قريش يومئذ حين الموسم، لكي يقولوا في هذا الذي يتلى عليهم وعلى الناس قولاً واحدًا لا يختلفون فيه، وأداروا الرأي بينهم في تاليه على أهل الموسم، وتشاوروا أن يقولوا: كاهن، أو مجنون، أو شاعر، أو ساحر، فلما آلت المشورة إلى ذي رأيهم وسنهم، وهو الوليد بن المغيرة، رد كل ذلك بالحجة عليهم، ثم قال: >والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناه، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر جاء بقول يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته<.
فهذا التحير المظلم الذي غشاهم وأخذ منهم بالكظم، والذي نعته الوليد فاستجاد النعت، كان تحيرًا لما يسمعون من نظمه وبيانه، لا لما يدركون من دقائق التشريع، وخفي الدلالات، وما لا يؤمنون به من الغيب، وما لا يعرفون من أنباء القرون التي خلت من قبل. وحمى الوحي وتتابع عامًا بعد عام، وأقبل صلى الله عليه وسلم يلح جهرة، فيقرأ القرآن عليهم وعلى من طاف بهم من العرب في بطن مكة، وفي مواسم الحج والأسواق، وهبت قريش تناوئه وتنازعه، وتلج في اللدد والخصومة، وفي الإنكار
[مداخل إعجاز القرآن: 160]
والتكذيب، وفي العداوة والأذى، فلما طال تكذيبهم وإنكارهم على ما يجدون في أنفسهم من مثل الذي وجد الوليد، ومن مثل الذي آمن عليه من آمن من قومه العرب، صب الله عليهم من الوحي ما هالهم وأفزعهم كانوا يتحيرون في هذا الذي يتلى عليهم، فزادهم تكذيبهم حيرة، فتحداهم بأن يأتوا بمثل هذا الذي يتلى عليهم، وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عامًا، والمسلمون قليل مستضعفون في أرض مكة، وظل الوحي يتتابع وهو يتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ثم بعشر سور مثله مفتريات. فلما انقطعت قواهم، قطع الله عليهم وعلى الثقلين جميعًا منافذ اللدد والعناد فقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88] وكذلك كان!
فكان هذا البلاغ القاطع الذي لا معقب له، هو الغاية التي انتهى إ ليها أمر هذا القرآن، وأمر النزاع فيه، لا بين رسول الله وبين قومه من العرب فحسب، بل بينه وبين البشر جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، لا ... بل بينه وبين الإنس والجن مجتمعين متظاهرين. وهذا البلاغ الحق لا معقب له من بين يديه ولا من خلفه، هو الذي اصطلحنا عليه فيما بعد، وسميناه (إعجاز القرآن).
[مداخل إعجاز القرآن: 156-161]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مداخل, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir