دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #20  
قديم 5 ربيع الأول 1443هـ/11-10-2021م, 03:14 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,756
افتراضي

(16) بحث أبي سليمان الخطابي وأبي بكر الباقلاني عن بيان كيفية بلاغة القرآن

قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (16)
كانت ثمرة هذا السياق الذي اتصل منذ عهد أبي عثمان الجاحظ (150 – 255هـ)، إلى أن انتهى إلى الرماني (-386هـ) هو: أن التحمت خمسة ألفاظ التحامًا واحدًا، في الفكر وفي الاستعمال، في كل بحث يكون في شأن القرآن، وفي كلام المتفقين والمختلفين على السواء، وهذه الألفاظ الخمسة هي: (الإعجاز، والمعجزة = التحدي، والعجز = البلاغة)، وكان لفظ (البلاغة)
[مداخل إعجاز القرآن: 80]
هو أشدهن سحرًا، حين وضع في حيز الإبانة عن أعظم وجوه (إعجاز القرآن)، وذلك لأن لفظ (البلاغة) الذي أسند إليه (إعجاز القرآن) كان، ولم يزل، لفظًا مبهمًا غير بين المعالم والحدود والدرجات، فكان لهذا الإبهام، مع حضور التذوق في الأنفس حضورًا واحدًا حيًا في تذوق نظم القرآن وتأليفه، وفي تذوق نظم الشعر والكلام البليغ = كان له سحر يربط هذا التذوق، بلفظ له في نفسه دلالة مغرية، فيوهم المرء بأن معناه بين، والحقيقة أن معناه ليس ببين ولا محدود. ولم يغفل بعض القدماء عن موطن هذا الغموض والإبهام، بل انتبهوا له، ولكن جرفهم سحر لفظ (البلاغة) في حيز (إعجاز القرآن)، فسكتوا عنه، أو ذكروه ثم تجاوزوه، وعادوا إلى البلاغة، بلا غضاضة ولا تردد.
4- ومن الدليل على ذلك أن الرجل الرابع، بعد الثلاثة الأول، كان أول من صرح بغموض هذا اللفظ، ثم عاد إليه مسحورًا به، وسار في الطريق الذي مشى فيه من قبله، وسيمشي فيه من بعده، وهذا الرجل هو الإمام الجليل القدر في أهل السنة، وعند أهل الأدب واللغة،: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي، من ولد زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقد ولد أبو سليمان الخطابي سنة 319، وتوفي
[مداخل إعجاز القرآن: 81]
سنة 388هـ، فهو معاصر لأبي الحسن الرماني المعتزلي، وإن كان أبو الحسن أسن منه، وخليق أن يكون في مرتبة شيوخه. وقد كتب أبو سليمان رسالة سماها (كتاب بيان إعجاز القرآن)، والوقوف على ما افتتح به كتابه، أمر لا بد منه، لنعرف السياق الصحيح الذي سار فيه تاريخ (إعجاز القرآن). يقول أبو سليمان في فاتحة رسالته: (القول في بيان إعجاز القرآن. قال أبو سليمان: قد أكثر الناس في هذا الباب قديمًا وحديثًا، وذهبوا فيه كل مذهب من القول، وما وجدناهم صدروا عن رمى، وذلك لتعذر معرفة وجه إعجاز القرآن، ومعرفة الأمر في الوقوف على كيفيته)، فأبان عن الحيرة التي تبحث عن شيء مبهم تتلمسه تلمسًا، ثم ذكر أربعة وجوه في إعجاز القرآن، فأولها: ما كان من ترك معارضته، مع وقوع الحاجة إليها، وهذا دليل (العجز) ثم وصفه فقال: (وهذا من وجوه ما قيل فيه، أبينها دلالة، وأيسرها مؤونة، وهو مقنع لمن لم تنازعه نفسه مطالعة كيفية وجه الإعجاز فيه) = ثم ذكر الوجه الثاني، وهو (الصرفة) فرده وأبطله = ثم ذكر الوجه الثالث، وهو الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان، فضعفه ولم يرده، - ثم ذكر الوجه الرابع، فأتى فيه بكلام مهم جدًا، ينبغي أن تقرأه بعناية، قال أبو سليمان: (وزعم آخرون أن إعجازه من جهة
[مداخل إعجاز القرآن: 82]
البلاغة، وهم الأكثرون من علماء أهل النظر، وفي كيفيتها يعرض لهم الإشكال، ويصعب عليهم منه الانفصال. ووجدت عامة أهل هذه المقالة قد جروا في تسليم هذه الصفة للقرآن على نوع من التقليد، وضرب من غلبة الظن، دون التحقيق له وإحاطة العلم به. ولذلك صاروا إذا سئلوا عن تحديد هذه البلاغة التي اختص بها القرآن، الفائقة في وصفها سائر البلاغات، وعن المعنى الذي يتميز به عن سائر أنواع الكلام الموصوف بالبلاغة، قالوا: إنه لا يمكننا تصويره ولا تحديده بأمر ظاهر نعلم به مباينة القرآن غيره من الكلام، وإنما يعرفه العالمون به عند سماعه ضربًا من المعرفة لا يمكن تحديده، وأحالوا على سائر أجناس الكلام الذي يقع فيه التفاضل، فتقع في نفوس العلماء به عند سماعه معرفة ذلك ... قالوا: وقد يخفى سببه عند البحث، ويظهر أثره في النفس، حتى لا يلتبس على ذوي العلم والمعرفة به قالوا: وقد توجد لبعض الكلام عذوبة في السمع، وهشاشة في النفس، لا توجد مثلها لغيره منه، والكلامان معًا فصيحان، ثم لا يوقف لشيء من ذلك على علة. قال أبو سليمان الخطابي. قلت: وهذا لا يقنع في مثل هذا العلم، ولا يشفى من داء الجهل، وإنما هو إشكال أحيل إبهام).
[مداخل إعجاز القرآن: 83]
ولست هنا بصدد بيان مقالة أبي سليمان أو غيره في إعجاز القرآن، بل همى هنا أن أظهر هذه الحقيقة، وهي أن (البلاغة) التي جعلوها وجهًا من وجوه الإعجاز، إذا أنت ذهبت تتطلب بيانها، وجدتها محفوفة بالإبهام، لا تثبت على النظر! ثم لا أكتم عجبي من أن أبا سليمان قد كشف هذا الإبهام كشفًا لا مرية فيه، فلما أراد أن يقول في الإعجاز برأيه، لم يزد على ما فعله الرماني في تقسيم أجناس الكلام الفاضل ومراتبه، وجعلها ثلاثة: (البليغ الرصين الجزل = والفصيح القريب السهل = والجائز الطلق الرسل = فالقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه، والثاني أوسطه وأقصده، والثالث أدناه وأقربه، فحازت بلاغة القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ...، وقد توجد الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه، فلم توجد إلا في كلام العليم القدير ...)! والعجب من هذه المبهمات الثلاثة التي لا حدود لها، إذا هي اجتمعت، كيف يخرج منها ما نسميه (إعجاز القرآن)؟ وسر هذا الاضطراب بعد الاستقامة والوضوح، هو سحر لفظ (البلاغة). كما أسلفت.
5- أما الرجل الخامس، الذي كان مع الرماني المعتزلي، وأبي سليمان الخطابي من أهل السنة في زمان واحد، (توفى سنة
[مداخل إعجاز القرآن: 84]
403) فهو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني، (شيخ السنة، ولسان الأمة)، وهو أحد بحور العلم في القرن الرابع، وهو رأس الطبقة الثانية من أصحاب أبي الحسن الأشعري، (علي بن وإسماعيل بن أبي بشر)، من ولد أبي موسى الأشعري الصحابي (260 – 324هـ). وكان متكلمًا لا يبارى في نصرة مذهب الأشعري، ولكنه كان أيضًا أديبًا جيد التذوق ينفي عن نفسه صدأ الكلام. وقد ألف القاضي الباقلاني كتابًا جليل القدر، فريدًا، هو كتابه (إعجاز القرآن)، وقد ذكرت بعض قولي فيه آخر (المدخل الثالث) من هذا الكتاب بما يغنى عن ذكره هنا. وكتابه دال على أنه كان قد اطلع على جميع كتب من سبقه منذ عهد أبي عثمان الجاحظ، ممن كتب في إعجاز القرآن، وكل من قال فيه قولاً. وقد ذكر كتاب الجاحظ المعتزلي (نظم القرآن) وجار عليه فيه، ثم أشار تعريضًا لا تصريحًا إلى كتاب الرماني المعتزلي حيث يقول: (قد أبنا لك أن من قدر البلاغة في عشرة أوجه من الكلام، لا يعرف من البلاغة إلا القليل، ولا يفطن منها إلا لليسير)، [انظر ما سلف: 79] ولكن الغريب عندي أن ظاهر كتابه لا يدل على أنه اطلع على كتاب أبي سليمان الخطابي، فلو كان قد رآه، لأشار إلى تلك الحقيقة التي كشف عنها الخطابي في
[مداخل إعجاز القرآن: 85]
صدر كتابه، من إبهام معنى (البلاغة)، وأن العلماء سلموا بهذه الصفة للقرآن على نوع من التقليد وغلبة الظن ... وأنهم قالوا إنهم لا يستطيعون تحديد هذه البلاغة بأمر ظاهر (يعلم به مباينة القرآن غيره من الكلام) كما نقلت ذلك منذ قليل. وهذا غريب جدًا من بحر متكلم كالقاضي الباقلاني! بل إن ظاهر كتابه يدل أيضًا على إنه لما ذكر (البلاغة) ذكرها ذكر الواثق المطمئن الذي لا تدخله ريبة في أنه قد فرغ من تحديد معناها في قلبه تحديدًا سالمًا من العيب، وتصورها في نفسه تصورًا لا يحجبه شك أو غموض.
ولكني بعد التأمل، وجدت الأمر يحتاج إلى نظر، وأنه إما أن يكون القاضي لم يطالع قط على كتاب الخطابي، ولكن ساوره في شأن (البلاغة) ما ساور الخطابي، وإما أن يكون اطلع عليه، ثم سكت عنه وعن التصريح بهذه المقالة، ولم يعاملها معاملة المتكلم، مع أن آفة كتابه هو أنه يحمل آفة المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة جميعًا في النظر، بلجوئهم إلى التكثير والتشقيق والمماحكة التي تنال بها الغلبة على الخصوم. وقد تبين لي أن القاضي رحمه الله منذ بدأ القول (في كيفية الوقوف على إعجاز القرآن) (كتابه ص: 271) إلى انتهى من كتابه (ص: 462)، كان في الحقيقة يحاول محاولة صادقة لإزالة (الإبهام) عن معنى (البلاغة) و(الفصاحة)، ولكنه
[مداخل إعجاز القرآن: 86]
كان كسائر المتكلمين، يصرفه الجدال وحب الغلبة عن الطريق الواضح الذي يلوح له من قريب، وتشغله عنه المسالك والمضايق التي تكشف عن البراعة في الجدال والنظر. والقاضي المتكلم، كان أيضًا أدبيًا ذواقة، فكان إذا حزبه الأمر وهو في فحصه عن البلاغة ونظره فيها على طريقة المتكلمين، فزع إلى التذوق الذي يعصمه من الزلل، فكان دائم الأوبة إلى الطريق الذي سلكه من قبله أبو عثمان الجاحظ، وهو أن ينعت ما يجده في نفسه من تذوق القرآن، وبديع تركيبه، وغريب نظمه، ودقة رصفه، وروعة بيانه. ومعنى ذلك في الحقيقة أن فراره من طريق المتكلمين، إلى النعوت التي يجريها أهل البيان والتذوق، تكشف عما يجده في نفسه من غموض معنى (البلاغة) وما فيها من الإبهام. وقد بلغ القاضي في ذلك مبلغًا أربى فيه على أبي عثمان الجاحظ، وإن كان في كثير من ألفاظه عالة عليه، ونازعًا منه، ولكنه كان أشد تنبهًا من أبي عثمان إلى أن بيان القرآن مفارق لبيان البشر، ولذلك كان أحسن منه بيانًا عن هذا المعنى، وإن كان قد شغل عنه بحل إشكال (البلاغة)). [مداخل إعجاز القرآن: 80-87]


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مداخل, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir