تفاضل المخلصين في إخلاصهم
الإخلاص عبادة قلبية فلذلك يتفاضل المخلصون في قوّة الإخلاص.
ويزداد الإخلاص بأمرين:
أحدهما: إحسان الإخلاص بقوّة الاحتساب وتصفية العمل من شوائب ما يقدح فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) فيتفاضل العمل بتفاضل النية، وهذا من معاني الحديث.
-وقد ذكر ابن رجب عن عبد الله بن المبارك أنه قال: (رُبَّ عملٍ صغيرٍ تعظِّمهُ النيَّةُ، وربَّ عمل كبيرٍ تُصَغِّره النيَّةُ).
ولذلك قد يعمل رجل عملاً يسيراً فيما يرى الناس ويثيبه الله تعالى عليه ثواباً عظيماً، بل قد يدخله به الجنة، وقد يعمل آخر عملاً عظيماً فيما يرى الناس ولا يكون له ذلك الوزن في ميزان حسناته.
والأمر الآخر: الاستكثار من العبادات؛ لأن كلَّ عبادة يؤديها العبد خالصة لله يزداد بها إخلاصاً.
فبازدياد العبد من الأعمال الخالصة وازدياد قوة الإخلاص تزداد محبة الله تعالى له كما في حديث الولي المشهور.
وقد تقدَّم في الدرس الثاني ذِكْرُ درجات تحقيق العبودية لله جل وعلابما يغني عن الإعادة، وهي درجات تحقيق الإخلاص، ولكل درجة أحكامها وفضائلها في الدنيا والآخرة.
لكن أنبه إلى مسألة مهمة ، وهي أن تحقيق الإخلاص يلزم منه تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحيث ذكر الإخلاص ممدوحاً فهو الإخلاص المقرون بالمتابعة ؛ لأن من خلص قصده لله ، لم يرد إلا ما أراده الله، ومن تبيَّن له هدي النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه؛ لم يكن مخلصاً لله جل وعلا في حقيقة الأمر، وإنما هو متبع لهواه، ومن أحسن الاتباع فقد أخلص لله جل وعلا.
ثمّ إنّ العبادة التي يؤدّيها المخلص لا بدّ فيها من كيفية تؤدَّى بها، ولا تُقبل عبادة من العبادات على غير ما شرعه الله تعالى بما أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فالإخلاص والمتابعة متلازمان.