بعض أخباره في زمان النبوة
- قال أبو نعيم الأصبهاني: (وهو أشهر من سكن الصفة واستوطنها طولَ عمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينتقل عنها، وكان عريفَ من سكن الصفة من القاطنين، ومن نزلها من الطارقين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أهل الصفة لطعام حضره تقدّم إلى أبي هريرة ليدعوهم ويجمعهم، لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم).
- وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عامر، عن أبي هريرة قال: (كنت في الصفَّة - يعني من أصحاب الصفة - فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة؛ فكنّا نقرن التمرتين من الجوع؛ فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن هلال بن أبي هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرجت من بيتي يوماً ما أخرجني إلا الجوع؛ فجئتُ المسجد فوجدتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: ما أخرجك هذه الساعة؟
فقلت: أخرجني الجوع.
قالوا: ونحن ما أخرجنا إلا الجوع؛ فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((ما أخرجكم هذه الساعة؟)).
قلنا: أخرجنا الجوع؛ فدعا بطبق فيه تمر؛ فأعطى كلَّ رجلٍ تمرتين؛ فقال: ((كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليه من الماء؛ فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا)).
قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرة وخبأت تمرة في حجري؛ فرآني لما رفعت التمرة فسألني؛ فقلت: رفعتُها لأمّي.
قال: ((كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين)). رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عمر بن ذر الهمداني: حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة قال: حدثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشدّ الحجرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «الحقْ» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟»
قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة.
قال: «أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي».
قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءَني ذلك؛ فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحقَّ أنا أن أصيب من هذا اللبن شربةً أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت.
قال: «يا أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «خذ فأعطهم».
قال: فأخذتُ القدح، فجعلتُ أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسَّم، فقال: «أبا هر!»
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: «بقيتُ أنا وأنت».
قلت: صدقت يا رسول الله.
قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت.
فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً.
قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، ووقع في رواية أحمد والترمذي: (إلا ليستتبعني) مكان ( إلا ليُشبعني).
- وقال حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهنَّ بالبركة، فضمهنّ، ثم دعا لي فيهنّ بالبركة.
فقال: ((خذهنَّ، واجعلهنّ في مِزوَدك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أنْ تأخذ منه شيئاً فأدخل فيه يدك؛ فخُذه ولا تنثره نثراً)).
فقد حملتُ من ذلك التمرِ كذا وكذا من وَسْقٍ في سبيل الله، فكنَّا نأكل منه ونُطْعِم، وكان لا يفارق حِقْوِي حتى كان يوم قُتل عثمان فإنّه انقطع). رواه الترمذي.
- وقال أبو زياد سهيل بن زياد: حدثنا أيوب السَّخْتياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عَوَز من الطعام، فقال: ((يا أبا هريرة عندك شيء؟!!)).
قلت: شيء من تمر في مزود لي.
قال: ((جئ به)).
قال: فجئت بالمزود.
قال: ((هاتِ نطعاً)).
فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، ثم قال: ((بسم الله)).
فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر؛ فقال به هكذا؛ فجمعه؛، فقال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادع فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي: ((اقعد))؛ فقعدت.
فأكلَ وأكلتُ، وفضلَ تمرٌ؛ فأخذه فأدخله في المزود، فقال لي: ((يا أبا هريرة! إذا أردتَ شيئاً فأدخل يدك فخُذْ، ولا تَكفأ فيُكفأ عليك)).
قال: (فما كنتُ أريد تمراً إلا أدخلتُ يدي، فأخذتُ منه خمسين وَسْقاً في سبيل الله، وكان معلقاً خلف رجلي؛ فوقع في زمانِ عثمان بن عفان فذهب). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال يزيد بن أبي منصور البصري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: (أصبت بثلاث مصائب في الإسلام، لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود.
قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فقال:
يا أبا هريرة! هل معك شيء؟
قلت: نعم، تمر في مزود معي.
قال: ((جئ به)).
قال: فأخرجت منه تمراً، فأتيته به، فمسَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيه، وقال: ((ادع عشرة)) فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: ((ادع لي عشرة))؛ فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكلَ الجيش كلهم، وبقيَ من تمر المزود، فقال: ((يا أبا هريرة! خذه فأعده في المزود، فإذا أردت أنْ تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه)).
قال: (فأكلت منه حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلتُ منه حياة أبي بكر كلها، وأكلتُ منه حياة عمر كلها، وأكلتُ منه حياة عثمان، فلما قُتل عثمان انتُهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلتُ منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وَسْق). رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وتمام في فوائده، والبيهقي في دلائل النبوة، وأبو منصور البصري مجهول الحال، لكن يشهد له ما قبله.