حفظه وضبطه
- قال سفيان بن عيينة: حدثني الزهري، أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنتُ رجلاً مسكيناً، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وقال: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؛ فلن ينسى شيئا سمعه مني؟!».
فبسطت بُردةً كانت عليّ؛ فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه). رواه البخاري ومسلم.
- وقال محمد بن إبراهيم بن دينار، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه؟
قال: «ابسط رداءك» فبسطته.
قال: فغرف بيديه، ثم قال: «ضمَّه» فضممته، فما نسيت شيئاً بعده. رواه البخاري.
- وقال عثمان بن عمر العبدي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! أسمع منك أشياء فلا أحفظها!
قال: ((ابسط رداءَك فبسطتُ، فحدّثَ حديثاً كثيراً، فما نسيتُ شيئاً حدّثني به)). رواه الترمذي.
- وقال مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة، قال: (إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}إلى قوله {الرحيم}إنَّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون). رواه أحمد والبخاري، وروى مسلم نحوه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
- وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال يا أبا محمد! أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟!! نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟!!
قال: (أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه، وذاك أنه كان مسكيناً لا شيءَ له، ضيفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنّا نحن أهلَ بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، لا أشك إلا أنَّه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والترمذي في سننه واللفظ له من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به، ثم قال: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير، وغيره عن محمد بن إسحاق).
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث: ((من شهد جنازة فله قيراط)).
فقال ابن عمر: (انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي).
فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة فقال: (أخبريه كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
يقول: فصدَّقت أبا هريرة.
فقال أبو هريرة: (يا أبا عبد الرحمن! والله ما كان يشغلني عن النبي صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا الصفق بالأسواق!).
فقال ابن عمر: (أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه). رواه ابن سعد بهذا السياق، ورواه الترمذي في جامعه من هذا الطريق مختصراً إلا أنه قال: (يا أبا هريرة! أنتَ كنتَ ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه).
- وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة أنه قال: إن الناس قد قالوا: قد أكثر أبو هريرة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فلقيت رجلاً فقلت: أيَّة سورةٍ قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟
فقال: لا أدري!
فقلت: ألم تشهدها؟
قال: بلى.
قال: قلت: (ولكني أدري! قرأ سورة كذا وكذا). رواه ابن سعد.
قلت: وهذا إن كان محفوظاً بهذا السياق؛ فقد كان الإنكار عليه في كثرة التحديث من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر أن إنكار من أنكر عليه كان الحامل عليه التعجب والاستغراب من كثرة حديثه؛ فلما تبيّن لهم حفظه وضبطه لم يُنكروا عليه، بل أقرّوا له بالحفظ والضبط.
- وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده سعيد بن عمرو، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ما سمعته منه.
فقال أبو هريرة: (يا أمَّه! طلبتُها وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء!). رواه ابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة.
- وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً؛ فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه؛ فيعرفه بعضهم، ثم يحدّثهم ولا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه بعض، حتى فعل ذلك مراراً؛ فعرفتُ يومئذٍ أنَّ أبا هريرة أحفظَ الناسِ عن النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا عمرو بن عبيد، قال: حدثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أنَّ مروان«دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر». رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح: (كان أبو هريرة رضى الله عنه من أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي رحمه الله: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره).