دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > تدوين التفسير

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #14  
قديم 23 جمادى الأولى 1443هـ/27-12-2021م, 07:46 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

12. تحرير مذهب ابن عباس(ت:68هـ) رضي الله عنهما في كتابة العلم:
أما ابن عباس رضي الله عنهما فقد كان صاحب كتب، ومات وكتبه حمل بعير، وروي أنه كان يكتب عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكاتب العلماء في الآفاق، حتى كان يكاتب بعض من كان يعرف عنه أنه يقرأ كتب أهل الكتاب يسألهم عن بعض ما يعرض له مما يحتاج إلى السؤال عنه.
وقد دلّ مجموع الآثار المروية عنه على أنه لم يكن يأذن بكتابة العلم إلا إذناً خاصاً لمن يعرفه بحسن الأخذ وجودة الفهم، فكان يأذن لخاصة أصحابه بالكتابة، وربما أملى على بعضهم، لكنه كان لا يجيب العامّة بكتابة العلم، وإنما يقول للسائل أبلغهم عنا بكذا وكذا؛ فإنا لا نكتب العلم في الرسائل، وكان بعدما كفّ بصره إذا بلغه أنّ في مجلسه من يكتب أمسك عن الحديث؛ وذلك - والله تعالى أعلم - لأنه خشي أن يكتب بعض الحاضرين ما لا يُحسن فهمه فيضعه في غير مواضعه أو يأخذه عنه من لم يحضر مجلسه فيسيء فهمه وينسبه إلى ابن عباس.
وقد عُرض عليه كتاب كُتبتْ فيه أقضية لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر ذراع، وقال: «والله ما قضى بهذا عليّ إلا أن يكون ضلَّ».
ولعل هذا ونحوه مما أوقفه على غلط الكاتبين؛ فحمله على التوسط في شأن كتابة العلم؛ فكان لا يكتب إلا حين يستوثق من فهم الكاتب أو يكون هو الذي يملي عليه حتى يأمن الغلط.
وكان ابن أبي مليكة قاضياً في الطائف زمن ابن الزبير؛ فكان يكاتب ابن عباس فيما يحتاج للسؤال عنه، ويجيبه ابن عباس كتابة.
وكان نجدة الحروري يكتب إلى ابن عباس فيجيبه كتابة لمصلحة راجحة.

وسأذكر من الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدلّ دلالة واضحة على مذهبه في كتابة العلم، وأنه كان لا يرى الإذن المطلق، ولا المنع المطلق، وإنما كان يأذن للخاصة ممن يحسن الكتابة، ويضع الحديث مواضعه، أو يكون الكتاب من إملائه لمصلحة راجحة حتى يأمن غلط الكاتب.
- قال فضيل بن عياض، عن فائد المدني مولى عبيد الله بن أبي رافع، عن عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع قال: (كان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم يوم كذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب ما يقول). رواه الروياني في مسنده، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عساكر في تاريخ دمشق، لكن عبيد الله بن علي بن أبي رافع لم يدرك جدّه.
- وقال الوقدي: حدثني فائد مولى عبيد الله بن علي، عن عبيد الله بن علي، عن جدته سلمى قالت: «رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه ابن سعد في الطبقات؛ فوصله، وجدّته سلمى صحابية رضي الله عنها، لكن الواقدي ضعيف الحديث.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم، مولى آل العباس، قال: (كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد، فقال: (الرعد ملك). رواه ابن جرير، وهذا إسناد منقطع، موسى بن سالم لم يدرك ابن عباس، لكن يعضده ما رواه الطبراني في الدعاء من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد، فكتب إليه: «الرعد ملك».
وكان أبو الجلد الأسدي ممن قرأ كتب أهل الكتاب.
- وقال طَلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مُليكة قال: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه؛ فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.
- وقال عثمان بن حكيم الأنصاري: سمعت سعيد بن جبير، يقول: «كنت أسير مع ابن عباس رضي الله عنه، في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل، حتى أصبح فأكتبه». رواه الدارمي.
- وقال مندل بن علي العنزي: حدثني جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: (كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ .. ). رواه الدارمي.
- وقال حنظلة بن أبي سفيان: سمعت طاووساً يقول: (لما عَمِيَ ابنُ عباس جعل أناس من أهل العراق يسألونه ويكتبون) قال: (فجاء إنسان من أهله فالتقم أذنه؛ فلم يتكلم حتى قام). رواه ابن سعد.
و"التقم أذنه" أي سارّه بكلام فهم منه طاووس بقرينة الحال أنه يخبره بأنّهم يكتبون؛ فصمت ابن عباس؛ لئلا يكتبوا عنه وهو لا يعرف حالهم ولم يتوثّق من فهمهم وضبطهم.
- وقال معتمر بن سليمان: سمعت أبي يذكر عن طاووس أن سعيد بن جبير كان عند ابن عباس، قال: فقيل له: (إنهم يكتبون).
قال: (يكتبون؟!) ثم قام.
قال: وكان حسن الخلق. قال: (كأنه يرى أنه لولا حسن خلقه لغيّر بأشدّ من القيام) رواه ابن سعد.
- وقال ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان ينهى عن كتاب العلم وأنه قال: (إنما أضلَّ من كان قبلكم الكتب). رواه ابن سعد في الطبقات، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس بن كيسان قال: إن كان الرجل يكتب إلى ابن عباس يسأله عن الأمر؛ فيقول للرجل الذي جاء بالكتاب: «أخبر صاحبك بأنَّ الأمر كذا وكذا؛ فإنا لا نكتب في الصحف إلا الرسائل والقرآن». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال عبد الله بن طاووس، عن أبيه، قال: سأل ابنَ عباسٍ رجلٌ من أهل نجران؛ فأعجبَ ابنَ عباسٍ رضي الله عنه حسنُ مسألتِهِ، فقال الرجل: اكتبه لي، فقال ابن عباس: «إنا لا نكتب العلم» رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي عن هارون بن عنترة الشيباني، عن أبيه أنه قال: حدثني ابن عباس بحديثٍ فقلتُ: أكتبه عنك؟!
قال: «فرخَّص لي ولم يَكَدْ» رواه الدارمي وابن أبي شيبة.
- وقال خلاد بن يحيى: حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: كتبت إلى ابن عباس فكتب إلي: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه». رواه البخاري في صحيحه.
- وقال سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال؛ فقال: ابن عباس: (لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه). رواه أحمد ومسلم.
- وقال عمرو الناقد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاووس بن كيسان قال: ("أُتي ابنُ عباس بكتابٍ فيه قضاء علي رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر"، وأشار سفيان بن عيينة بذراعه). رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا زهير [ يعني ابن معاوية]، قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: (وضع عندنا كُريب حمل بعير من كتب ابن عباس فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: "ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا" فينسخها فيبعث إليه بإحداهما). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخه، وإسناده جيد.

فهذه الآثار يدلّ مجموعها على مذهب ابن عباس في الإذن الخاصّ بالكتابة وهو مذهب قائم على تحقيق المصلحة الشرعية ودرء المفسدة.
- وأمّا ما ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله من طريق قال: قال عبد الرزاق: وأنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه قال: «إنا لا نَكْتبُ العلم ولا نُكْتِبُه».
فهذه الزيادة لا تصحّ، وقد حذف منها سياقها الذي يبيّن المراد بها، وليست في جامع معمر بن راشد بهذا اللفظ، والذي فيه قوله: «إنا لا نكتب العلم» وهي رواية مختصرة ذكرها على التفصيل أبو خيثمة في كتاب العلم، وقد تقدّم ذكرها.
- وأما ما رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، وأحمد بن حنبل في العلل؛ والخطيب البغدادي في تقييد العلم؛ من طريق وكيع عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن عباس أنه قال: «قيدوا العلم بالكتاب، من يشتري مني علما بدرهم؟».
فلا يصحّ عن ابن عباس، يحيى بن أبي كثير لم يدرك ابن عباس، وقد قال يحيى بن سعيد القطان: (مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح).
وهذا الخبر أصله مرويّ عن علي بن أبي طالب بإسناد فيه انقطاع.
- وأما ما رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق خالد بن عبد الرحمن الخراساني قال: حدثنا حسام بن مِصك، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «خير ما قيد به العلم الكتاب».
فخبر منكر لا يصح، خالد بن عبد الرحمن متكلم فيه، وحسام متروك الحديث، وهو حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي.
- وأما ما رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق أبي القاسم البغوي قال: حدثنا داود بن رشيد، حدثنا أبو حفص هو الأبار، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: (قيدوا العلم، وتقييده كتابه).
فلا يثبت، ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث، وقد تركه بعض الأئمة، وعلى فرض صحته فهو محمول على توجيه الخطاب لخاصة أصحابه الذين عرفهم بحسن الفهم لمسائل العلم، وأما أن يدعوا العامة للكتابة فهذا خلاف منهجه الذي صحّ عنه.
- وأما ما رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق عبد الله بن أبي داوود السجستاني قال: حدثنا حمدان بن يوسف، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا حفص بن عمر بن أبي العطاف، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن عبد الله بن عباس، قال: (قيدوا العلم بالكتاب).
فلا يصحّ أيضاً، حفص بن عمر قال فيه البخاري: منكر الحديث.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir