3. ما روي عن عبد الله بن مسعود(ت:32هـ) رضي الله عنه:
- قال عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن أبيه، قال: أَصبتُ أنا وعلقمة صحيفةً فانطلقنا بها إلى عبد الله فجلسنا بالباب وقد زالت الشمس أو كادت أن تزول؛ فاستيقظ؛ فأرسل الجارية؛ فقال: «انظري من بالباب» فرجَعَت إليه.
فقالت: علقمة والأسود.
فقال: «ائذني لهما» فدخلنا.
قال كأنكم قد أطلتم الجلوس في الباب؟
قالا: أجل.
قال: «فما منعكما أن تستأذنا؟»
قالا: خشينا أن تكون نائماً.
قال: «ما أحبّ أن تظنوا بي هذا، إنَّ هذه ساعة كنّا نقيسها بصلاة الليل»
قلنا: هذه صحيفة فيها حديث عجيب؛ فقال: (هاتها، يا جارية هاتي الطست، اسكبي فيها ماء)
فجعل يمحوها بيده، ويقول: {نحن نقص عليك أحسن القصص}
قلنا: انظر إليها؛ فإنَّ فيها حديثاً حسناً؛ فجعل يمحوها، ثم قال: «إنما هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
قال أبو عبيد: (إنَّ هذه الصحيفة أُخذت من بعض أهل الكتاب، فلهذا كرهها عبد الله).
- وقال حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني قال: جاء أبو قرة الكندي بكتاب من الشام، فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فنظر فيه فدعا بطست، ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: «إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم»
قال حصين: فقال مرّة: (أمَا إنَّه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحُه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب). رواه الدارمي، والخطيب البغدادي في تقييد العلم من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن مرّة.
وقول أبي عبيد وقول مرة الهمداني فيهما نظر؛ فقد جاء من طريق آخر أن الكتاب كان فيه بعض كلام أبي الدرداء رضي الله عنه وقصصه.
- قال أبو أمية عمرو بن هشام الحراني , حدثنا محمد بن سلمة , عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفةٌ فيها كلامٌ من كلام أبي الدرداء، وقصص من قصصه؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء فأخذ الصحيفة؛ فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله؛ فقال: يا جارية ائتيني بالإجّانة مملوءةً ماء؛ فجاءت بها فجعل يدلكها، ويقول: {الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص} أقصصاً أحسن من قصص الله تريدون؟ أو حديثا أحسن من حديث الله تريدون؟). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال العوام بن حوشب الواسطي، عن إبراهيم التيمي قال: بلغَ ابنَ مسعود رضي الله عنه أن عند ناس كتاباً يُعجبون به؛ فلم يزل بهم حتى أتوه به؛ فمحاه ثم قال: «إنما هلك أهل الكتاب قبلكم، أنهم أقبلوا على كتب علمائهم، وتركوا كتاب ربهم» رواه الدارمي.
- وقال عفاق المحاربي، عن أبيه، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: «إن ناساً يسمعون كلامي، ثم ينطلقون فيكتبونه، وإني لا أحلّ لأحد أن يكتب إلا كتابَ الله عزَّ وجلَّ» رواه الدارمي.
وقال الأعمش، عن جامع بن شداد، عن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي, قال: كنت أنا وعبد الله بن مرداس، فرأينا صحيفة فيها قصص وقرآن مع رجل من النخع، قال: فواعدنا المسجد قال: فقال عبد الله بن مرداس: أشتري صحفاً بدرهم.
إنا لقعود في المسجد ننتظر صاحبنا إذا رجل؛ فقال: أجيبوا عبد الله يدعوكم.
قال: فتقوّضت الحلقة؛ فانتهينا إلى عبد الله بن مسعود؛ فإذا الصحيفة في يده؛ فقال: «إن أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه، وإنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وإنَّ شر الأمور محدثاتها، وإنكم تُحْدِثون ويُحْدَث لكم؛ فإذا رأيتم محدثةً فعليكم بالهدى الأوّل؛ فإنما أهلك أهلَ الكتابين قبلكم مثل هذه الصحيفة وأشباهها، توارثوها قرناً بعد قرن حتى جعلوا كتابَ الله خلف ظهورهم كأنهم لا يعلمون؛ فأنشد اللهَ رجلاً علم مكان صحيفة إلا أتاني؛ فوالله لو علمتها بدير هند لانتقلت إليها». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
ودير هند نسبة إلى هند بنت النعمان بن المنذر وكانت نصرانية بنت لها ديراً بالحيرة؛ فكانت تتعبّد فيه حتى ماتت بعدما فتحت العراق.
- وقال أبو مالك الأشجعي، عن سليم بن أسود المحاربي قال: «كان ابن مسعود رضي الله عنه يكره كتابة العلم» رواه ابن أبي شيبة كما في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال حفص بن غياث، عن مجالد، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، قال: (كنا نسمع الشيء فنكتبه؛ ففطن لنا عبد الله فدعا أمَّ ولده، ودعا بالكتاب وبإجّانة من ماء؛ فغسله). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال شريك النخعي، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن مسروق، قال: حدّث ابنُ مسعود بحديث فقال ابنه: ليس كما حدثت، قال: وما علمك؟
قال: كتبته.
قال: فهلمَّ الصحيفة.
قال: (فجاء بها؛ فمحاها). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
وأمّا ما أخرجه ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن معن أنه قال: «أخرج إليَّ عبد الرحمن بن عبد الله كتاباً وحلف لي أنه خطّ أبيه بيده».
فهذه الرواية فيها اختصار مخلّ يوهم أنّ الكتاب بخطّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإنما عود الضمير على عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، والمقصود خطّ أبي معن، وهو عبد الرحمن.
وقد رواه على التبيين أبو محمد الدارمي في سننه فقال: أخبرنا محمد بن قدامة، حدثنا أبو أسامة، عن مسعر قال: أخرج إليَّ معن بن عبد الرحمن كتاباً، فحلف لي بالله أنه خط أبيه، فإذا فيه: قال عبد الله: (والذي لا إله إلا هو ما رأيت أحداً كان أشدَّ على المتنطّعين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيتُ أحداً كان أشدَّ عليهم من أبي بكر رضي الله عنه، وإني لأرى عمر رضي الله عنه كان أشدَّ خوفاً عليهم أو لهم».
ثمّ إنّ لفظ الكتاب يطلق على ما يُكتب من ورقة فما فوقها، وكانت عامّة الكتب في ذلك الوقت تُدرج درجاً.