بارك الله فيكم ،،
التنسيق جيد غير أن كل ما لونه الكموني حقه أن يُترك بالأسود ... يُنظر هنا: #4
- ملحوظة: عزو الآيات يكون هكذا:
سورةُ إبراهيمَ الآيةُ (27)--> [إبراهيم: 27] أي: اسم السورة ورقم الآية بدون كلمة "سورة" ولا كلمة "آية".
- الرقم 57 وشبهه يلون بالسماوي ويصغر حجمه إلى 4 ، وما بعد السطر الفاصل يكون كله بحجم 4
- إدراج السطر الفاصل يكون بأيقونة 
يرجى تنسيق هذا النص :
قال رحمه الله: ومِن الإِيمانِ باليومِ الآخِرِ الإِيمانُ بكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَكُونُ بعدَ المَوْتِ، فيؤمِنُونَ بفِتْنَةِ القَبْرِ، وبِعذابِ القَبْرِ ونَعيِمهِ.فأَمَّا الفِتْنَةُ؛ فإِنَّ النَّاسَ يُمْتَحَنونَ في قُبُورِهِمْ، فَيُقالُ للرَّجُل: مَنْ رَبُّكَ؟ ومَا دِينُكَ؟ ومن نبيُّكَ؟ فيُثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، فيقولُ المؤمِنُ: رَبِّيَ اللهُ، والإِسلامُ دِيني، ومحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّي. وأَمَّا المُرْتَابُ؛ فَيقولُ: هاه هاه، لا أَدْري، سمعتُ النَّاسَ يَقولُونَ شَيْئاً فقُلْتُهُ؛ فَيُضْرَبُ بمِرْزَبَةٍ مِنْ حَديدٍ، فيَصيحُ صيحَةً يَسْمَعُها كُلُّ شيءٍ؛ إِلا الإِنسانَ، ولَوْ سَمِعَها الإِنْسانُ؛ لَصَعِقَ.ثمَّ بعدَ هذه الفِتنةِ إِمَّا نعيمٌ وإِمَّا عذابٌ. (57)
(57) اليومُ الآخِرُ هُوَ يومُ القيامةِ، والإيمانُ به أحدُ أركانِ الإيمانِ، وقد دلَّ عليه العقلُ والفِطرةُ، وصرَّحَتْ به جميعُ الكتُبِ السَّماويَّةِ، ونادى به جميعُ الأنبياءِ والمرسَلِينَ، وسُمِّيَ باليومِ الآخِرِ لتأَخُّرِه عن الدُّنْيا.
وقد ذكر الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ هنا ضابِطا شامِلا لمعنى الإيمانِ باليومِ الآخِرِ بأَنَّهُ الإيمانُ بكُلِّ ما أخبَرَ به النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم مِمَّا يكونُ بعدَ الموْتِ، فيدخُلُ فيه الإيمانُ بكُلِّ ما دلَّتْ عليه النُّصوصُ مِن حالةِ الاحتضارِ وحالةِ الميِّتِ في القبرِ والبعثِ، وما يحصُلُ بعده، ثم أشار الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلى أشياءَ مِن ذَلِكَ.
منها ما يكونُ في القبرِ قال: (فيؤمنونَ بفِتنةِ القبرِ وبعذابِ القبرِ ونَعيمِه) فذَكَرَ أمرَيْنِ:
الأمْرُ الأوَّلُ: فتنةُ القبرِ، والفِتنةُ لُغةً: الامتحانُ والاختبارُ، والمرادُ بها هنا سؤالُ المَلَكَيْنِ للميِّتِ، ولهَذَا قال: (فأمَّا الفتنةُ فإنَّ النَّاسَ يُفتنونَ في قُبورِهم، فيُقالُ للرجُلِ) أيْ: الميِّتِ، سواءً كان رجُلا أو امرأةً، ولَعلَّ ذِكْرَ الرجُلِ مِن بابِ التَّغليبِ. ثم ذكَرَ الأسئلةَ التي تُوجَّهُ إلى الميِّتِ، وما يُجيبُ به المؤمنُ، وما يُجيبُ به غيرُ المؤمنِ، وما يكونُ بعدَ هَذِهِ الإجابةِ مِن نعيمٍ أو عذابٍ.
والإيمانُ بسؤالِ المَلَكَيْنِ واجبٌ؛ لثُبوتِه عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في أحاديثَ يبلُغُ مجمُوعُها حدَّ التَّواتُرِ. ويدُلُّ على ذَلِكَ القرآنُ الكريمُ في قولِه تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاْلقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيمَ: 27] فقدْ أخْرَجَ الشَّيخانِ مِن حديثِ البراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال في قولِه تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} نَزَلَتْ في عذابِ القبرِ ـزادَ مسلمٌ: (( يُقَالُ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ )) فذَلِكَ قولُه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}ـ والقولُ الثَّابتُ هُوَ كلمةُ التَّوحيدِ التي تَثْبتُ في قلبِ المؤمنِ بالحُجَّةِ والبُرهانِ، وتَثبيتُ المؤمنينَ بها في الدُّنْيا أنَّهم يتَمَسَّكُونَ بها، ولو نالَهم في سبيلِها ما نالَهم مِن الأذَى والتَّعذيبِ. وتَثبيتُهم بها في الآخِرةِ تَوفِيقُهم للجوابِ عندَ سؤالِ المَلَكَيْنِ.
وقولُه: (وَأَمَّا الْمُرْتَابُ) أي الشَّاكُّ (فَيَقُولُ) إذا سُئِلَ (هَاهْ هَاهْ) كلمةُ تردُّدٍ وتوَجُّعٍ (لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ) لأَنَّهُ غيرُ مؤمنٍ بما جاءَ به الرَّسولُ صلى اللهُ عليه وسلم، فيَستَعْجِمُ عليه الجوابُ، ولو كان مِن أعلمِ النَّاسِ وأفْصَحِهم، كما قال تعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} (فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَّةٍ مِنْ حَدِيدٍ) وهِيَ المِطْرَقةُ الكبيرةُ (فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ) ثم بَيَّنَ الحِكمةَ مِن عدمِ سماعِ الإنسانِ لها بقولِه: (وَلَوْ سَمِعَهاَ الإِنْسَانُ لَصُعِقَ) أيْ: خَرَّ ميِّتاً أو غُشِيَ عليه، ومِن حِكمةِ اللَّهِ أيضا أنَّ ما يجري على الميِّتِ في قبرِه لا يُحِسُّ به الأحياءُ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جعَلَه مِن الغيبِ، ولو أظْهرَه لفَاتَت الحِكْمةُ المطلوبةُ، وهِيَ الإيمانُ بالغيبِ.
الأمْرُ الثَّاني: مما يجري على الميِّتِ في قبرِه ما أشار إليه الشَّيخُ بقولِه: (ثم بعدَ هَذِهِ الفِتنةِ، إمَّا نعيمٌ وإمَّا عذابٌ إلى أنْ تقومَ القيامةُ الكُبرى) هَذَا فيه إثباتُ عذابِ القبرِ أو نَعيمِه، ومذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أنَّ الميِّتَ إذا ماتَ يكونُ في نعيمٍ أو عذابٍ، وأنَّ ذَلِكَ يحْصُلُ لرُوحِه وبَدَنِه، كما تواتَرَتْ به الأحاديثُ عن رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم فيَجِبُ الإيمانُ به، ولا يُتَكلَّمُ في كيفيَّتِه وصفَتِه؛ لأنَّ ذَلِكَ لا تُدْرِكُه العقولُ؛ لأَنَّهُ مِن أمورِ الآخِرةِ، وأمورُ الآخرةِ لا يَعلَمُها إلاَّ اللَّهُ، ومَن أطْلعَهُم اللَّهُ على شيءٍ منه، وهُم الرُّسلُ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم.
وأَنْكَرَ عذابَ القبرِ المعتزِلةُ، وشُبْهَتُهم في ذَلِكَ أنَّهم لا يُدْرِكونَه، ولا يَرَوْنَ الميِّتَ يُعذَّبُ ولا يُسألُ. والجوابُ عن ذَلِكَ أن عدَمَ إدْراكِنا ورُؤيَتِنا للشَّيءِ لا يدُلُّ على عدمِ وُجودِه ووقوعِه، فكم مِن أشياءَ لا نَراها وهِيَ موجودةٌ، ومِن ذَلِكَ عذابُ القبرِ أو نَعيمُه. وأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَلَ أمْرَ الآخرةِ وما كان متَّصِلا بها غَيْباً وحَجَبها عن إدراكِ العقولِ في هَذِهِ الدَّارِ ليَتميَّزَ الذينَ يُؤمِنونَ بالغيبِ مِن غيرِهم. وأمورُ الآخرةِ لا تُقاسُ بأمورِ الدُّنْيا، واللَّهُ أعلمُ.
وعذابُ القبرِ على نوعَيْنِ:
النَّوْعُ الأوَّلُ: عذابٌ دائمٌ، وَهُوَ عذابُ الكافرِ، كما قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُواًّ وَعَشِياًّ} سورةُ غافِرٍ الآيةُ (46).
النَّوعُ الثَّاني: يكونُ إلى مُدَّةٍ، ثم يَنقطِعُ، وَهُوَ عذابُ بعضِ العُصاةِ مِن المؤمنين، فيُعذَّبُ بحسَبِ جُرْمِه، ثم يُخفَّفُ عنه. وقد يَنقطِعُ عنه العذابُ بسببِ دعاءٍ أو صدقةٍ أو استغفارٍ.