● محاولة تلخيص مسائل جمع أبي بكر القرآن في مصحف واحد ●
- أشار عمر على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد لمّا رأى كثرة من قتل من القراء في وقعة اليمامة، وقد انقطع الوحي وزال السبب المانع من جمعه في مصحف واحد.
- مقتل أهل اليمامة سنة اثنتي عشرة من الهجرة، سميت اليمامة باسم المصلوبة على بابها التي كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها.
- معنى (يستحر القتل): يشتد ويكثر.
- طلب أبو بكر من زيد بن ثابت أن يتولّى جمع القرآن في مصحف واحد.
- تردد زيد بن ثابت في إجابة طلب أبي بكر لأنه أمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم راجعه عمر حتى شرح الله صدره للموافقة.
- احتاط أبو بكر وزيد بن ثابت في جمع المصحف احتياطاً كبيراً؛ يدلّ على شدّة عنايتهم وتوثّقهم في جمعه ومراجعته.
- كانت الآيات والسور قبل جمع أبي بكر متفرقة في العسب واللخاف وصدور الرجال، وكانت العمدة على الرواية، وخاف الصحابة ذهاب بعض القرآن بموت حفظته.
- كانت الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة.
- رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللّوحين.
- أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر.
- عن أبي العالية: «أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملّ عليهم أبي بن كعب حتى انتهوا إلى هذه الآية في سورة براءة {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن. فقال أبيّ بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}. قال: فهذا آخر ما أنزل من القرآن. قال: فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله عز وجل : {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
- لم يتفرّد زيد بن ثابت بمراجعة هذا الجمع بل شاركه فيه بعض قراء الصحابة ومنهم أبيّ بن كعب؛ يدلّ على ذلك قصة خزيمة بن ثابت.
- قال أبو بكر لعمر ولزيد بن ثابت: (اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه).
- علة تتبع أبي ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك
- علة طلب أبي آخر آيتين من براءة من غيره مع علمه بهما؛ ليقف على وجوه القراءة.
- لما أراد عثمان جمع الناس على مصحف واحد أرسل إلى حفصة لينسخه ثم ردّه إليها.
- بقي هذا المصحف عند حفصة حتى توفيت رضي الله عنها ، وكان مروان بن الحكم لمّا تولّى إمرة المدينة يرسل إليها ليأخذه وتأبى عليه فلمّا دفنت أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر بعزيمة أن يرسل به إليه؛ فدفعه إليه فغسله مروان وحرّقه.
- سبب إحراق مروان بن الحكم لمصحف أبي بكر أنه خشي أن يكون فيه ما يخالف مصحف عثمان الذي جمع الناس عليه.
- القرآن العزيز كان مؤلفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو في المصاحف اليوم، ولكن لم يكن مجموعا في مصحف بل كان محفوظا في صدور الرجال فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله وطوائف يحفظون أبعاضا منه.
- لما كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل كثير من حملة القرآن خاف موتهم واختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم في جمعه في مصحف فأشاروا بذلك فكتبه في مصحف وجعله في بيت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها.
- لما كان في زمن عثمان رضي الله عنه وانتشر الإسلام خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن أو الزيادة فيه فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحف، وبعث بها إلى البلدان وأمر بإتلاف ما خالفها وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب وسائر الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم.
- عثمان - رضي الله عنه - لم يصنع في القرآن شيئا، وأنما أخذ الصحف التي حفظها عمر عند حفصة وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاصي وأبي بن كعب في اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار؛ لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك.
- وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد؛ لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فلما أمن أبو بكر وسائر أصحابه ذلك التوقع واقتضت المصلحة جمعه فعلوه رضي الله عنهم.
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن.
- ترتيب السور بعضها إثر بعض كان يقع بعضه منهم بالاجتهاد كما سيأتي في باب تأليف القرآن.
- كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون غير زيد بن ثابت.
- قد صح في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل عام مرة في رمضان وأنه عرضه في العام الذي توفي فيه مرتين.
- يقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، وهي العرضة التي نسخ فيها ما نسخ، وبقي فيها ما بقي.ولهذا أقام أبو بكر زيد بن ثابت في كتابة المصحف وألزمه بها لأنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه مرتين فكان جمع القرآن سببا لبقائه في الأمة رحمة من الله تعالى لعباده وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}).
- قال زيد بن ثابت: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فألحقناها في سورتها وخزيمة الأنصاري شهادته بشهادتين.
- وقول زيد "لم أجدها إلا مع خزيمة" ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد؛ لأن زيدا كان قد سمعها وعلم موضعها في سورة الأحزاب بتعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك غيره من الصحابة، ثم نسيها، فلما سمع ذكره وتتبعه للرجال كان للاستظهار لا لاستحداث العلم.
- لم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه عثمان؛ لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن عثمان، ولقد وفق لأمر عظيم ورفع الاختلاف وجمع الكلمة وأراح الأمة.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن . . .)) الحديث، فلا ينافي ذلك؛ ؛ لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
- المراد بالشاهدين:
1. الحفظ والكتاب.
2. المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.
3. أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته.
- وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: "أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين.
- جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بن ثابت الأنصاري بشهادة رجلين.
- الصحيح ما في الصحيح وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر براءة وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان
- المراد بالعسب: جمع "عسيب" وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض،
واللخاف: بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع "لخفة" بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق،
وقال الخطابي: صفائح الحجارة. والرقاع: جمع "رقعة" وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد، والأكتاف: جمع "كتف" وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه، والأقتاب: جمع "قتب" هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
- الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان:
1. جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته؛ لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
2. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
من فوائد حديث زيد بن ثابت:
1. شرف قريش، وأنهم أفصح العرب؛ لقول عثمان رضي الله عنه: (فإن القرآن نزل بلغة قريش).
2. المؤمن قد يتخوف من الإقدام على الأمر إلى أن يتيقن جوازه، ألا ترى قول زيد بن ثابت: (فلو كلفاني نقل جبل ...) إلى آخر حديثه، إلا أن هذا قد يعرض للإنسان فيما الصواب ضده، فينبغي للإنسان أن لا يقف مع خواطره.
3. أن المؤمن قد يستدل بانشراح صدره في الأمر على كونه رضا لله عز وجل إذا كان قد عرف منه وعرف من نفسه معاصاة الهوى، وإباء الميل إلى الدنيا).
- تفسير آية التوبة:
• معنى من أنفسكم: السبعة على ضم الفاء، أي: من جلدتكم وقبيلتكم ونسلكم.وقرأ ابن عباس وغيره بفتح الفاء من النفاسة، أي: أفضلكم خلقا وأشرفكم نسبا وأكثركم طاعة .
• جمعت آية التوبة ست صفات لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة والنفاسة والعزة، وهو المنع الغالب الشديد. والعنت: المشقة. وقال ابن الأنباري: أصله التشديد، وقال الضحاك: الإثم، وقال ابن أبي عروبة: الضلال. وقيل: الضر، وقيل: الهلاك. ومعناه: عزيز عليه أن تدخلوا النار.
• معنى حريص عليكم: حرصه على إيصال الهداية إليكم في الدنيا والآخرة، وقيل: حريص عليكم لتؤمنوا، وقيل: حريص على دخولكم الجنة.
• معنى:{رؤوف رحيم}: فعول من الرأفة والرحمة، قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله لنبي من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا الرسول، حيث قال: {بالمؤمنين رءوف رحيم} وقال: {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143].
شبهات وأجوبتها:
- قول من اعترض وقال: كيف يثبت القرآن بخبر واحد؟
1. لأن عمر وهلالا وأبيا وزيدا وأبا خزيمة وخزيمة شهدوا بها، فلئن سلمنا ما قالوا -ولا نسلمه- فخزيمة أذكرهم ما نسوه، ولهذا قال زيد: وجدتها مع خزيمة -يعني: مكتوبة- ولم يقل: عرفني أنها من القرآن مع تصريح زيد بأنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. أو يقال: إن خزيمة جعل الشارع شهادته بشهادتين، فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا، ولعل هذا هو المراد من شهادته، كأن الله أطلع نبيه على هذا الأمر بعده، وأنه يحتاج إليه في شيء لا يوجد إلا عنده ويكتفي به. وهو من أعلام نبوته.
- إن قيل: كيف جاز للصديق أن يجمع القرآن ولم يجمعه الشارع؟
يجوز أن يفعل الفاعل ما لم يفعله الشارع إذا كان فيه مصلحة في وقته واحتياط للدين، وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يدل على فساد جمعه بين اللوحين وتحصينه، وجمع همهم على تأصيله، وتسهيل الانتساخ منه والرجوع إليه، والغنى به عن تطلب القرآن من الرقاع والعسب وغير ذلك مما لا يؤمن عليه الضياع، فوجب إضافته إلى الصديق وأنه من أعظم فضائله وأشرف مناقبه.
- إن قيل: كيف يكون فعلهم خيرًا مما كان في زمن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟
أجيب: يعني هو خير في زمانهم، وكذا الترك كان خيرا في زمانه لعدم تمام النزول واحتمال النسخ، فلو جمعت بين الدفتين وسارت به الركبان إلى البلدان ثم نسخ لأدى ذلك إلى اختلاف عظيم.