منزلة الرجاء
الرجاء أصل من أصول العبادات القلبية، وحادي الرغب الذي يحدو القلوب إلى العمل، ابتغاء محبّة الله تعالى والتقرّب إليه، والفوز برحمته وثوابه، والنجاة من سخطه وعذابه.
فالرجاء الصحيح هو الذي يحمل على العمل، وينشّط النفس له.
- قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
- وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}
- وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)}
- وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}
- وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}
- وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}
- وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)}
- قال الأعمش: سمعت أبا صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرّب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)). رواه البخاري ومسلم.
- وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاثٍ يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن». رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود.
- وقال الوليد بن مسلم: حدثني الوليد بن سليمان يعني ابن أبي السائب، قال: حدثني حيان أبو النضر، قال: دخلت مع واثلة بن الأسقع على أبي الأسود الجرشي في مرضه الذي مات فيه؛ فسلَّم عليه، وجلس قال: فأخذ أبو الأسود يمين واثلة فمسح بها على عينيه، ووجهه لبيعته بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له واثلة: واحدة، أسألك عنها؟
قال: وما هي؟
قال: كيف ظنك بربك؟
قال: فقال أبو الأسود: وأشار برأسه، أي حسن.
قال واثلة: أبشر! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظن بي ما شاء). رواه أحمد في مسنده من هذا الطريق، ورواه ابن حبان من طريق محمد بن المهاجر عن يزيد بن عبيدة عن حيان أبي النضر بنحوه.
- وقال هشام بن الغاز الجرشي: حدثني حيان أبو النضر، قال: دعاني واثلة بن الأسقع وقد ذهب بصره؛ فقال: يا حيان قدني إلى يزيد بن الأسود الجرشي؛ فإنه بلغني أنه عليل؛ فقدته حتى أتينا منزل يزيد بن الأسود؛ فإذا البيت مشحون عوادا، وإذا الرجل يجود بنفسه؛ فلما رأى أهل البيت واثلة تحركوا حتى جعلوا له طريقا؛ فأثبت له وسادة عند رأس يزيد بن الأسود؛ فقلت لواثلة: إن يزيد لا يعقل في الغمرات؛ فقال: نادوه؛ فنادينا أصواتنا: يا يزيد بن الأسود؛ فإذا هو لا يجيب ولا يسمع.
فقلت: هذا أخوك واثلة؛ فبقي من عقله ما عرف اسم واثلة؛ فقال بيده كأنه يلتمس شيئاً؛ فعرفنا ما يريد؛ فأخذت يد واثلة فوضعتها في يد يزيد؛ فلما وجد مسّها وضعها على عينيه ومرّة على فؤاده، واشتد بكاء أهل البيت لما صنع، وذلك لموقع يد واثلة من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال واثلة: ألا تحدثني كيف ظنك بالله في هذا المصرع؟
فناديت: أيا يزيد ألا إنه يقول لكم كذا وكذا؛ ففهمها فقال: اعترضتني ذنوب لي أشفيت على هلكة، ولكن أرجو رحمة الله؛ فكبّر واثلة، وكبّر أهل البيت تكبيرة؛ فقال: أبشر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن الله عز وجل: قال: «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء». رواه الطبراني في مسند الشاميين.
- وقال كثير بن فائد البصري: حدثنا سعيد بن عبيد، قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني، يقول: حدثنا أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة). رواه الترمذي،
وله شاهد عند الإمام أحمد والدارمي من طريق شهر بن حوشب عن معدي كرب عن أبي ذر رضي الله عنه.
وشاهد آخر من طريق إبراهيم بن إسحاق الصيني، عن حسن بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
والحديث بمجموع هذه الطرق حسن إن شاء الله.
- قال ابن القيم رحمه الله: (الرجاء ضروري للمريد السالك، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد؛ فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله، واستقامة يرجو حصولها ودوامها، وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها. ولا ينفك أحد من السالكين عن هذه الأمور أو بعضها).