عَوْد إلى محمد بن سلام والداعي إلى تأليف كتابه
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر بن أحمد الحسيني (ت: 1418هـ) :(
وقد شهد محمد بن سلام هذا التلاقي وما كان من أثره، منذ كان يحضر مجالس أبي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، والأصمعي، وأبي عبيدة والخليل بن أحمد وسيبويه، والأخفش، فنازعته نفسه منذ ذلك الوقت أن يفعل في شأن الأدب والشعر وأخبار العرب ما فعل هؤلاء بعلم >العروض< و >علم النغم<، و>علم النحو والعربية< ومضت الأيام به سراعًا حتى كانت سنة 222، وهو في الثانية والثمانين من عمره ورأى العلماء من قَبْله ترحل إلى بغداد، المدينة الحديثة العهد التي أنشأها أبو جعفر المنصور سنة 146، وصارت دار الخلافة، واحتشد فيها مهاجرة العلم والعلماء، وعزم على أن يلحق بمن سبقه ممن هاجر من البصرة إلى بغداد، وفي نفسه ذلك الأمل الذي لم يحققه، لأنه بقى على إلفه القديم من سنة العلماء الماضين، ممن كان علمهم في صدورهم. فلما دخل بغداد، ولقيته الحفاوة كل الحفاوة، ورأى أفواج العلماء والأأشراف وطلبة العلم، تطيف به من نواحيه، ويسأله السائلون ويستفسرونه ويستخبرونه، وهو الإمام المشهور في الأدب واللغة والعربية والشعر، وبقية الماضين من جبال العلم الشوامخ، عاد ما كان يجيش قديمًا في صدره من تأسيس علم الأدب وعلم الشعر وعلم أخبار العرب، بكتب يؤلفها. ولكن لم يكد حتى مرض ... وزاره الطبيب ابن ماسويه، فقال له فيما قال: >الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة، ولو وقفت على عرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله
[قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 66]
صلى الله عليه وسلم زورة، وقضيت أشياء في نفسي، لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل<. فبدأ بعد أن استبل، في وضع منهج كتابه الأول >طبقات فحول الشعراء<، وكتب هذا المنهج في صدر كتابه، ومضى يؤلف، ليؤسس بهذا الكتاب >علم الأدب والشعر<، كما فعل الأخفش وسيبويه وغيرهما، ومضى عجلاً وألف، وفرغ فيما أرجح، من نسخته الأولى، ولكنه فوجئ برجل كان واحد الدنيا في زمانه، فذكره بأشياء كان ينبغي أن تكون أساس منهجه ولكنه غفل عنها أو نسيها، أو لم تخطر له في أول التأليف على بال، مع تقدم السن، ومع العجلة، ومع غموض تأسيس منهج شامل لعلم الأدب والشعر. هذا الرجل، هو يحيى بن معين بن عون، أبو زكريا المري، مولى مرة غطفان، المولود سنة 158، والمتوفى سنة 233هـ، من هو يحيى بن معين؟ وماذا فعل بابن سلام؟). [قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام: 66-67]