لمحات من التاريخ العلمي لمكة المكرمة
كان أوّل معلّم لأهل مكة بعد الفتح معاذ بن جبل رضي الله عنه، خلَّفه النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى حُنين يعلّمهم القرآن وشرائع الإسلام، ثم لما انصرف إلى المدينة خلّف معاذاً بمكة.
وأسلم بمكة عام الفتح جماعة من أعيان قريش فحسن إسلامهم وكان لهم أثر حسن في تثبيت أهل مكة على الإسلام منهم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وحويطب بن عبد العزى وهو الذي أمره عمر بن الخطاب بتجديد أنصاب الحرم وكان عالماً بها، وغيرهم.
وأكثر هؤلاء خرجوا للجهاد في سبيل الله في حروب الردة وفي فتوح الشام، واستشهد أكثرهم.
وكان أوّل أمير لمكة بعد الفتح عتاب بن أَسيد بن أبي العِيص الأموي رضي الله عنه أمّره النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أوّل إمام للمسجد للحرام بعد الفتح بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام موسم الحج عام الفتح.
وبقي عليهم أميراً وقاضياً ومعلّماً حتى توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنهما.
فولّى عمر نافع بن عبد الحارث الخزاعي على أهل مكة، وكان نافع ربما استخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزى، وكان قارئاً للقرآن عالماً بالفرائض له ذكر في صحيح مسلم.
وفي أواخر خلافة عمر عزل نافعاً وولّى خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي وبقي أميراً عليها إلى صدر خلافة علي بن أبي طالب؛ فعزله وولى أبا قتادة الأنصاري، ثمّ عزل أبا قتادة وولّى قُثم بن العباس فبقي أميراً عليها حتى قتل علي رضي الله عنه.
فهؤلاء أمراء مكة في عهد الخلفاء الراشدين وكلّهم من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وكانوا على عناية حسنة بإقامة الصلاة والحج وتعليم القرآن وبثّ العلم.
وكان الأمراء هم أئمة الناس بالصلاة في المسجد الحرام، وكان مؤذّن المسجد الحرام أبو محذورة واسمه أوس بن معير الجمحي، وكان غلاماً نديّ الصوت، سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يؤذّن مع الصبيان؛ فعلّمه الأذان ودعا له، وأمره بالأذان في المسجد الحرام؛ فبقي مؤذنا فيه حتى توفي سنة 59هـ في آخر خلافة معاوية، ثم بقي الأذان في آل أبي محذورة إلى القرن الثالث الهجري، وكان في المسجد الحرام مؤذنون من غيرهم.
وكانت مكة مجمع العلماء في مواسم الحجّ، وجاور بها جماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم.