سبيل معرفة معاني المفردات
وسبيل معرفة المعاني اللغوية للمفردات هو الرجوع إلى ما نُقل إلينا من كلام العرب شعره ونثره، وهو ما عُني به أهل اللغة في معاجمهم وكثير من كتبهم.
والتمييز بين المعاني المقبولة وغير المقبولة يُحتاج فيه إلى تأهيل لغوي يتمكن به الباحث من معرفة أصول الاجتهاد في تقرير معاني المفردات اللغوية في لسان العرب، وتمييز الشواهد التي يُحتجّ بها، ومعرفة مراتب أئمة أهل اللغة في هذا الشأن.
وهذه المعرفة تفيد طالب العلم فائدتين:
- إحداهما: تمييز ما يقبل من كلام أهل اللغة مما لا يُقبل؛ فمعاجم اللغة وإن كان الغالب عليها الصحة فليس كل ما تضمّنته يُسلَّم به، بل فيها الصحيح المقبول، وفيها ما هو دون ذلك، وفيها الخطأ المردود، كما أنه ليس كلّ ما تضمنته دواوين السنة من الأحاديث والآثار يكون صحيحاً.
والخطأ في المعاجم اللغوية قد يكون لأسباب:
- منها ما يتعلق بالشواهد ودخول الخطأ في روايتها والنحل والصناعة وغيرها من العلل.
- ومنها ما يتعلّق بفهم تلك المفردات في السياق الذي وردت فيه.
وهذه الأخطاء منها ما هو بيّن ظاهر، كما قال أحد أصحاب المعاجم: (ويقال للجلدة التي بين العين والأنف: سالم)
أخذ ذلك من قول الشاعر:
يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجِلْدةُ بين العين والأنف سالم
وسالم هنا إنما هو اسم رجل، أراد أنه لمحبته إياه وعزّته عنده وحميّته دونه بمنزلة الجلدة التي بين العين والأنف، وهي من أعزّ ما في الوجه.
ومن الأخطاء ما يُحتاج فيه إلى نظر دقيق وبصر بعلل المعاجم وعلل الشواهد.
وهذه الأخطاء عامّتها مما نبّه عليه كبار أهل اللغة في المعاجم والمستدركات عليها؛ ولا يكاد يوجد معجم لغوي ذو شأن عند أهل العلم إلا وعليه استدراكات وتعقبات تنقده وتمحّصه؛ فلذلك يحتاج الباحث الناقد إلى النظر في جملة من المعاجم، وإلى معرفة مناهج أصحابها وما كتب عليها من استدراكات حتى يكون نظره في المعنى أجود وأقرب إلى السلامة والصحة.
وسبب هذا التنبيه أني خشيت أن يغترّ مغترٌّ بكلمة يجدها في أي معجم يتّفق له فيأخذها على التسليم، ويفسّر بها القرآن، وقد لا يعلم ما فيها من العلل.
والفائدة الأخرى: أنّ من تأهّل للنظر اللغوي في معاني المفردات وأمعن في استعمال أداوت أهل اللغة في استخراج المعاني وتمييز الشواهد ونقدها أمكنه أن يستخرج جملة من المعاني مما فات أصحاب المعاجم؛ وذلك أنّ المعاجم اللغوية غير محيطة بلسان العرب، وقد أُلّف في فوائت المعاجم كتب كثيرة، ولم يستوعبوا.
والمفسّر بحاجة إلى التمكّن من أدوات الاجتهاد اللغوي حتى تكون دراسته لمعاني المفردات والتراكيب والأساليب القرآنية مبنية على أصول لغوية صحيحة ومتينة.