دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي الدرس الثاني: دلالات المفردات اللغوية

مثال على استبعاد ما لا تحتمله الآية من معاني المفردات:
لفظ "الفلق" يستعمل في لسان العرب لمعانٍ متعددة صحيحة ولها شواهد كثيرة:
أحدها: الصبح، وهو استعمال مشهور، ومنه قول ذي الرمّة:
حتى إذا ماجلا عن وجهه فلقٌ ... هاديه في أخريات الليل منتصب
والمعنى الثاني: الخلق كله فلق.
وهذا المعنى ذكره جمع من علماء اللغة، كالزجاج والنحاس والجوهري وأبي منصور الأزهري وابن فارس وابن منظور وغيرهم وهو إطلاق صحيح.
قال أبو إسحاق الزجاج (ت:311هـ): (إذا تأملت الخلق تبين لك أن خلقه أكثره عن انفلاق؛ فالفلق جميع المخلوقات، وفلق الصبح من ذلك).

والمعنى الثالث: بيان الحق بعد إشكال، ذكره أبو منصور الأزهري وابن منظور.
فكأن الإشكال كالغشاوة على البصيرة؛ فإذا انفلقت الغشاوة انفتحت عين البصيرة، وقريب من هذا المعنى قول مسكين بن عامر الدارمي:
يا رُبَّ أمرين قد فرّقت بينهما .. من بعد ما اشتبها في الصدر واعتلجا
أُديم ودي لمن دامت مودّته .. وأمزج الودَّ أحياناً لمن مزجا

والمعنى الرابع: المكان المطمئن بين ربوتين
قال أوس بن حَجَر:
وبالأدْم تُحدى عليها الرحال ... وبالشول في الفلق العاشب
وقال زهير بن أبي سلمى:
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت ... أيدي الركاب بهم من راكس فَلَقَا
وراكس: واد معروف بين الحجاز وعالية نجد.

والمعنى الخامس: مقطرة السجَّان
- قال الخليل بن أحمد: (والقِطارُ: جماعة القَطْر، واشتق اسم المِقْطَرةِ منه لأن من حبس فيها صار على قِطارٍ واحد، مضموم بعضها إلى بعض، ويقال لها: الفَلَق، تُجْعَل أرجلهم في خروق، وكل خرق على قدر ساق).
وقد ذكر هذا المعنى جمع من علماء اللغة كأبي منصور الأزهري وغلام ثعلب وابن دريد والجوهري وابن خالويه.

والمعنى السادس: اللبن المتفلّق الذي تميز ماؤه
- قال الفيروزآبادي في تعداد ما يطلق عليه اسم الفلق: (وما يَبْقَى من اللَّبَنِ في أسْفَلِ القَدَحِ، ومنه يقالُ: يا ابنَ شَارِبِ الفَلَقِ).
- وقال أبو منصور الأزهري في (تهذيب اللغة): (سمعت أعرابياً يقول لِلَبَنٍ كانَ مَحقُونًا في السقَاء، فضرَبَه حَرُّ الشمسِ فتقَطَّع: "إنَّه لَلَبَنٌ مُتَفَلِّقٌ ومُمْذَقِرٌّ" وهو أن يصير اللبن ناحية، والماء ناحية، ورأيتهم يكرهون شرب الماء المتفلق).

فهذه المعاني اللغوية يؤخذ منها ما يناسب السياق بعد الاطلاع على أقوال أئمة المفسرين، وقد اختلفوا فيها على أقوال:
القول الأول: الفلق الصبح، وهو قول سعيد بن جبير، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد.
وقال به من أهل اللغة: الخليل بن أحمد، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وغيرهما.
وروي عن جابر وابن عباس، ولا يصحّ عنهما.

والقول الثاني: الفلق هو الخلق، وهو أقوى الروايتين عن ابن عباس، ونسبه الثعلبي للضحاك أيضاً، وقريب منه قول محمد بن كعب القرظي.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحسن أنّ الفلق هو كلّ ما انفلق من الخلق.

والقول الثالث: الفلق جبّ في جهنّم، وهو قول كعب الأحبار، والسدي، ورُوي فيه حديث منكر لا يصحّ.

والقول الرابع: الفلق هي جهنّم، وهذا قول أبي عبد الرحمن الحبّلي وهو من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه.

فأما القول الثالث والرابع فليس المستند فيهما الدلالة اللغوية، وإنما هو خبر مأثور عن كعب الأحبار، وهو معدود من الإسرائيليات، وقد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصحّ؛ فلذلك ليس لهذين القولين حجة لغوية ولا دليل صحيح يُعتمد عليه، وقد ضعّفهما شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقال: (وأما من قال: إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو أنه اسم من أسماء جهنم فهذا أمر لا تعرف صحته، لا بدلالة الاسم عليه، ولا بنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة).

بقي قولان مأثوران في كتب التفسير المسندة: الصبح، والخلق كلّه.

وهما قولان صحيحان في اللغة، ومأثوران عن السلف، ويجمعهما المعنى اللغوي لمفردة "الفلق"
فالفلق مصدر يعمّ كلّ مفلوق، فالله تعالى فالق الإصباح، وفالق الحبّ والنوى، وفالق الأرض بالنبات، وفالق الأرحام بالأجنّة، وفالق الحجارة بالماء والعيون الجارية، وكلّ ما احتيج فيه إلى مخرج فالله تعالى وحده هو الذي يفلق له مخرجه، لا فالق له إلا الله.
فتبيّن بذلك أنّ الفلق عامّ في الخلق كلّه، وأن القول بأنّ الفلق هو الصبح إنما هو تفسير بالمثال، وهو مسالك من مسالك التفسير المعتبرة، لكن لا يُحصر معنى الآية عليه.
وإذا نظرنا إلى الأمور المعنوية وجدنا أنّ العبد يحتاج فيها إلى فلق في أمور كثيرة، فالصدر إذا لم يفلق الله له ما ينشرح به لم ينشرح، والأمر المشكل إذا لم يفلق الله لعبده ما غسق عليه من الإشكال لم يهتدِ فيه إلى الحقّ، والهمّ الذي يجثم على صاحبه ويؤذيه لا فارج له إلا الله، وتفريج الله لعبده في كلّ أمر نزل به هو من آثار ربوبيته تعالى للفلق؛ فالفلق من خصائص الربوبية، وهو نظير اختصاص الربّ جلّ وعلا بالإحياء، والإماتة، والرزق، وكشف الضرّ، وغيرها من أفعال الربوبية.
فلا يكون فلق إلا بإذنه جلّ وعلا، وبهذا تظهر مناسبة الصفة المتوسّل بها إلى الله تعالى لغرض الاستعاذة.

- قال ابن تيمية: (الفَلَق فَعَل بمعنى مفعول، كالقَبَض بمعنى المقبوض، فكلّ ما فَلَقه الربُّ فهو فَلَق).
- وقال ابن القيم: (واعلمْ أنَّ الخلقَ كلَّه فَلَقٌ، وذلك أنَّ فَلَقًا فَعَلٌ بمعنى مَفعولٍ: كقَبَضٍ وسَلَبٍ وقَنَصٍ بمعنى مَقبوضٍ ومَسلوبٍ ومَقنوصٍ، واللهُ عزَّ وجَلَّ فالِقُ الإصباحِ وفالقُ الحَبِّ والنَّوى وفالِقُ الأرضِ عن النباتِ، والجبالِ عن العُيونِ، والسَّحابِ عن المطَرِ، والأرحامِ عن الأَجِنَّةِ، والظلامِ عن الإصباحِ، ويُسَمَّى الصبْحُ الْمُتَصَدِّعُ عن الظُّلْمَةِ: فَلَقًا وفَرَقًا، يُقالُ: هو أبيضُ من فَرَقِ الصُّبْحَ وفَلَقِه.
وكما أنَّ في خَلْقِه فَلْقًا وفَرْقًا؛ فكذلك أمْرُه كلُّه فُرْقَانٌ يَفْرُقُ الحقَّ والباطلَ فيَفْرُقُ بينَ ظلامِ الباطلِ بالحَقِّ كما يفْرُقُ ظلامَ الليلِ بالإصباحِ، ولهذا سَمَّى كتابَه الفُرْقَانَ، ونَصْرَه فُرْقَانًا لتَضَمُّنِه الفَرْقَ بينَ أوليائِه وأَعدائِه، ومنه فَلْقُه البَحْرَ لموسى فَلْقًا وسَمَّاهُ، فظَهَرَتْ حِكمةُ الاستعاذةِ برَبِّ الفَلَقِ في هذه الْمَواضعِ، وظَهَرَ بهذا إعجازُ القرآنِ وعَظَمَتُه وجَلالتُه، وأنَّ العِبادَ لا يَقْدِرون قَدْرَه، وأنه {تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}) ا. هـ.
وتفطَّن إلى أن قولَ ابن القيم فيه أن الفلق يعمّ الخلق والأمر، وهذا له ما يؤيده من الإطلاق اللغوي كما سبق نقله عن أبي منصور الأزهري، وقد تقدّم شرح ذلك.
بل شيخ الإسلام ابن تيمية له كلام في أن الفلق يعمّ الخلق والأمر.

والمقصود من هذا المثال أنّ معاني "الفلق" في اللغة متعددة، وما يصحّ أن تفسّر به الآية ثلاثة معانٍ، لها أدلتها وشواهدها.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir