السؤال السادس: وجّه رسالة لطالب علم توصيه فيها بالاجتهاد في طلب العلم وتحذّره من التعالم والمتعالمين.
أخي طالب العلم:
أذكّر نفسي وإياك بأن العلم قسيم الجهاد, فيا أيها المجاهد: إن سلاحك العلم؛ إن تحمله, فذلك حماية دينك, وإن تتركه تكاسلا, فاحذر قول ربك: (كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين).
فلملم رداءك مسرعا, وألحق بالركب وانتظم معه, وقل (وعجلت إليك رب لترضى), واطرح نفسك كالإناء الفارغ على عتبة مولاك, واطرق بابه حتى يعطيك, فإنك بالعطية حي حياة السعداء, وبدونها ميت في سجون الأعداء.
وإن من ألد الأعداء: الافتنان بالدنيا وشهواتها, والتطلع إلى متاعها وزينتها, فإنما ذلك داء إذا ملك قلب طالب العلم أفسده, وحال بينه وبين ما ينفعه من العلم والعمل, وصرف همته إلى ملذات الدنيا, وأفنى حياته في اللهو واللعب, فما الحياة الدنيا (إلا لهو ولعب وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون), فمن أدرك حقيقة الدنيا, زهد فيها, واستعد للحياة الآخرة الباقية, ولذلك "ازهد في الدنيا يحبك الله", فإن زهدك علامة توفيق من الله لك, وحفظ منه إياك.
وإياك والتعالم؛ فإنه داء وبلاء, كم ابتلي به أناس فزلوا, وكم نزل بساحة قوم فساء صباحهم, وضلوا وأضلوا, واشتروا الضلاة بالهدى, والعذاب بالمغفرة, فما أصبرهم على النار.
واحذر المتعالمين, بل فر منهم فرارك من الأسد, فإنهم لا للكفر كسروا, ولا للإسلام نصروا, فما برحوا أن كانوا شوكة في كاحل الأمة على تعاقب أجيالها, وتطاول قرونها, وكم فتحوا من أبواب الفتن, وقطعوا على طلاب العلم طريق الهدى والفلاح, فكم من طالب علم كان كالنحلة يسأل ويبحث ويتفهم, فبينا هو كذلك إذ تلقفه من المتعالمين متلقف, فوسوس له كما يوسوس الوسواس الخناس, وألقى على مسامعه الشبهات تترا, مستغلا ضعف بداياته في العلم, حتى غرر به, وزين له ما يورده المهالك, ويعقبه الحسرات.
فاحذر من التصدر قبل التأهل, والفتوى بغير علم, والجرأة على الكذب, (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم), وإياك وتزكية النفس فإنها من خلقهم, وقد قال تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى), (ولا تقف ما ليس لك به علم), واسلك طريق السلف في طلب العلم واصطبر عليه, فإنه سبيل إلى الجنة, وقد قال صلى الله عليه وسلم محذرا طالب العلم من أن يحيد عن الغاية الأسمى: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء, ولا لتماروا به السفهاء, ولا تخيروا به المجالس, فمن فعل ذلك فالنار النار".
والله أسأل لك التوفيق, إنه بكل جميل كفيل, وهو حسبنا ونعم الوكيل.