اختلاف التنوع نوعان :
1- الاختلافَ يعودُ إلى ذاتٍ واحدةٍ مع اختلافِ المعاني : وشرح سابقاً ,مثال :"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي "أي بكلامي أو كتابي أو هُداي، فهذه كلُّها تعودُ إلى ذاتٍ واحدةٍ , وهي القرآنُ.
2- الاختلاف يعود إلى أنَّ المعانيَ مختلفةٌ , وترجعُ إلى أكثرَ مِن ذاتٍ كما في المشترَكِ والمتواطِئِ.
** احتمال اللفظ لأكثر من معنى:
توجدُ ألفاظٌ تحتملُ أكثرَ من معنًى؛ وهذا من بلاغةِ القرآنِ كما نبَّهَ إليه بعضُ المفسِّرِينَ، وقالوا:" إن احتمالَ اللفظةِ الواحدةِ لأكثرَ من معنًى صحيحٍ يُعَدُّ من بلاغةِ القرآنِ."
** أنواع هذا الاختلاف :
- إما لكونِ اللفظِ مشترَكًا في اللغةِ : وهو مايطلق عليه المشترك
- أو لكونه متواطىء
تعريف المشترك : هو ما اتَّحدَ فيه اللفظُ واختلفَ المعنى، كالقُرءِ والعَينِ وعسْعَس والصريمِ ونحوِ ذلك.
وهو نوعان :
1- أما أن تحُمل الآية على المعنيين من غير تناقض حتى ولو كان المعنيين متضادين مثل عسعس بمعنى أقبل وأدبر
2- أما أنه لايمكن الجمع بين المعنين فتحمل الآية على المعنى الأرجح مثال : القُرءَ هو الحيضُ، أو َ القُرءَ هو الطُّهرُ؛ لا يمكنُ الجمعُ بينَ القولِين لأنَّ المرأةَ لا يُمكنُ أن تكونَ حائِضًا طاهرًا في نفسِ الوقتِ.
أمثلة على النوع الأول :
مثال 1-: لفظ قسورة : يطلق على الأسد أو على قوس رام
شرح المثال :"كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة" : يعني فرت من أسد لأنها خافت منه، أو فرت من رامٍ بقوسه - هذا محتمل وهذا محتمل لاحتمال اللفظ واشتراكه في هذا وهذا
مثال 2 -: لفظ عسعس : يطلق على إقبال الليل وإدباره
شرح المثال :
فيكونُ المعنى: والليلِ إذا أقْبلَ أو الليلِ إذا أدْبَرَ، وكلا المعنيَين مناسبٌ لما بعدَه، فعلى المعنى الأولِ يكونُ الإقسامُ بأولِ الليلِ وأولِ النهارِ"والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ"، وعلى المعنى الثاني يكون الإقسامُ بآخرِ الليلِ وأولِ النهارِ، فكِلا المعنيَين صحيحٌ من جهةِ السياقِ.
مثال 3- :لفظ " العين "
شرح المثال :
العين: تطلق على أشياء كثيرة : عين الإنسان، وعين الذهب، وعين الماء، وتُطلقُ على الجاسوسِ. ونحو ذلك.
حكم المشترك :
الجمهورَ على أنه يَجوزُ أن يرادَ به أكثرُ من معنًى ما دام أنه لم يَقُمْ دليلٌ على إرادةِ أحدِ المعاني، فتكونُ المعاني كلُّها محتمَلةً واختلف بهذا بعض أهل العلم -كابن القيم رحمهُ اللَّهُ – يَرى أنه لا يجوزُ أن يُرادَ بالمشترَكِ إلا معنًى واحدٌ
** تعريف المتواطىء :التواطُؤُ اصطلاحٌ منطقيٌّ يرادُ به نسبةُ وجودِ معنًى كلِّيٍّ في أفرادِه وجودًا متوافِقًا غيرَ متفاوتٍ.
مثال 1- :لفظ إنسان
شرح المثال : أن تقولَ: محمدٌ إنسانٌ , وعليٌّ إنسانٌ , وصالحٌ إنسانٌ، فالثلاثةُ متَّفِقون في الإنسانيةِ. ومعنى الإنسانيةِ موجودٌ في كلِّ واحدٍ منهم وجودًا متوافِقًا غيرَ متفاوتٍ.
مثال 2: لفظ الأدمي
شرح المثال : إنَّ البشرَ أبناءُ آدَمَ فإنَّ نسبةَ أحدِهم إلى الآدميةِ لا تَختلِفُ عن نسبةِ الآخَرِ؛ لأنَّ معنى الآدمِيَّةِ نسبةٌ كليَّةٌ مشتركةٌ بينَ الجميعِ.
** أنواع المتواطىء:
النوع الأول الضمائرُ:
مثال 1-: على من يعود الضمير في قولِه تعالى:"ثُمَّ دَنَا فتَدَلَّى فكان قَابَ قَوْسَيْنِ أو أَدْنَى"
شرح المثال :
السَّلفَ اختلفوا في الضمائرِ الموجودةِ في الآيةِ تعودُ على مَن؟
ü فقيل: إنَّ المرادَ بها جبريلُ، وهذا رأيُ الجمهورِ،
ü وقيلَ: إنَّ المرادَ بها هو اللَّهُ جلَّ جلالُه، وهو قولُ ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
- فهذا الخلافٍ في مرجعِ الضميرِ فإنَّ سببَه هو التواطؤُ( حيث أننسبةَ اسمِ الجلالةِ إلى الضميرِ لا تختلفُ عن نسبةِ جبريلَ إليه)
مثال2-: على من يعود الضمير في قولُه تعالى :"يا أيُّها الإنسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى ربِّكَ كَدْحًا فمُلاقِيهِ"
شرح المثال :
فالضميرُ في (ملاقيه) يعودُ على ماذا؟ هل المرادُ: ملاقٍ ربَّكَ، أو ملاقٍ كَدْحَكَ؛ أيْ: عمَلَك؟ يَحتملُ هذا , ويحتملُ هذا.
النوعُ الثاني من المتواطِئِ: هي الأوصافُ التي حُذِفتْ موصوفاتُها:
مثال 1 : "والفَجْرِ وليالٍ عَشْرٍ والشَّفْعِ وَالوَتْرِ"
شرح المثال :
ü فالفجرُ قيل: المرادُ به فجرُ يومِ النَّحرِ،
ü وقيلَ: فجرُ أولِ يومٍ من السَّنةِ،
فإذا نظر إلى نسبةِ الفجريَّةِ وجد أنها لا تختلفُ في يومِ النَّحرِ عنها في أولِ يومِ السَّنةِ، وهذا هو المتواطِئُ
مثال 2-: قولُه تعالى: {والنَّازِعَاتِ غَرْقًا
شرح المثال :
ü قيلَ: النازعاتُ ملائكةُ الموتِ تَنـزِعُ أرواحَ الكفارِ،
ü وقيل: النازعاتُ النجومُ تَنـزِعُ من أُفُقٍ إلى أُفُقٍ،
ü وقيل: النازعاتُ السفُنُ تَنـزِعُ من مكانٍ إلى مكانٍ.
هذه الأقوالِ تتَّفِقُ في وجودِ المعنى الكلِّيِّ الذي هو النَّزعُ، وإن كانت نسبةُ النَّـزعِ قد تختلفُ من نوعٍ إلى آخَرَ، فالمعنى الكلِّيُّ موجودٌ في هذه الأفرادِ وجودًا متوافِقًا، وهذا هو ما يسمَّى بالمتواطئِ
مثال 3: قولُه تعالى:"فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ"
شرح المثال :
- الخُنَّسُ مشتَقٌّ من الخُنوسِ وهو التأخُّرُ-وقيل في معنى الخنس :
ü الخُنَّسُ : النجومُ والكواكبُ، وسمِّيت النجومُ خُنَّسًا؛ لأنها تتأخَّرُ فلا تَظهرُ مباشرةً مع الليلِ
ü وقيل: الخُنَّسُ بَقرُ الوحشِ والظِّباءُ، وسميت بقرُ الوحشِ والظِّباءُ بالخنس لأنها إذا رأتْ إنسيًّا تأخَّرَتْ وهرَبَتْ،
فوَصْفُ الخُنَّسِ مشترَكٌ بينَهما كوصفٍ كُلِّيٍّ، وإن كان خنوسُ هذه يختلفُ عن خنوسِ هذه،
القاعدة :أيُّ وصفٍ وردَ , وموصوفُه محذوفٌ، واختُلِفَ في هذا المحذوفِ؛ فإنَّ سببَ هذا الخلافِ هو التواطؤُ.
حكم المتواطىء:
وإما لكونِ اللفظِ متواطِئًا فيكونُ عامًّا إذا لم يكن لتخصيصه موجبٌ
وذلك مثلُ "النازعات"ورَدَ في تفسيرِها ستَّةُ أقوالٍ، فإذا لم يَكنْ للتخصيصِ موجِبٌ فإنَّكَ تقولُ: كلُّ ما وُصِفَ بأنه نازعٌ فهو داخِلٌ في القَسَمِ، فيكونُ المعنى أنَّ اللَّهَ أَقسمَ بالملائكةِ وبالنجومِ والسفُنِ وبالموتِ وبغيرِها مما وردَ عن السَّلفِ؛ لأن هذه الأقوالَ كلَّها محتمَلةٌ-. وإذا ذكر قول عند مفسر دون الآخر هو للترجيح-
ولهذا ابنُ جريرٍ الطَّبَرِيُّ رحمهُ اللَّهُ في هذه الآيةِ قال: إنَّ اللَّهَ لم يُخصِّصْ نازعةً دونَ نازعةٍ، فالخَبرُ على عمومِه حتى يأتيَ ما يُخصِّصُه