سورة الانشقاق
يخبر الله تعالى في هذه السورة بما سيكون من تغير للأجرام العظام يوم القيامة ومن ذلك انشقاق السماء وهو انفطارها وتمايزها عن بعض وانتشار نجومها وخسوف شمسها وقمرها (وأذنت لربها) أي استمعت واصغت وانصتت (وإذا الأرض مدت) أي رجفت وارتجفت ونسفت جبالها ودك ما عليها فسويت ومدها الله تعالى مد الأديم (وألقت ما فيها) من الأموات والكنوز (وتخلت) منهم (واذنت لربها وحقت) أي واصغت واستمعت لأمره وحق لها ذلك (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) أي أنك ساع إلى الله وعادل بأوامره ونواهيه متقرب إليه إما بالخير أو بالشر ثم ستلاقي الله تعالى يوم القيماة فيجازيك على عملك بالإحسان إحسانا وبالإساءة عدلا , ثم ذكر تفصيل الجزاء فقال (فأما من أوتي كتابه بيمينه) وهم أهل السعادة (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) وهو العرض اليسير حيث يقرره الله بذنوبه حتى إذا ظن أنه يهلك يقال له "إني سترتها عليك في الدنيا فأنا أسترها لك اليوم) (وينقلب إلى أهله مسرورا) حيث نجا , (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) أي بشماله من خلفه (فسوف يدعو ثبورا) من الخزي والفضيحة وما يجده في كتابه (ويصلى سعيرا) تحيط به السعير من كل جانب (إنه كان في أهله مسرورا) لا يخطر البعث والحساب على باله حيث أساء (بلى إن ربه كان به بصيرا) فلا يحسن أن يتركه سدى فلا يؤمر ولا ينهى ولا يثاب ولا يعاقب .
ثم أقسم الله تعالى فقال (فلا أقسم بالشفق) الذي هو بقية نور الشمس الذي هو مفتتح الليل , (والليل وما وسق) أي وما احتوى على حيوانات وغيرها (والقمر إذا اتسق) أي امتلأ نور بإبداره ، والمقسم عليه هو (لتركبن طبقا عن طبق) أي اطوارا متعددة وأهوالا متباينة من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى نفخ الروح ثم يكون وليدا ثم طفلا ثم مميز ثم يجري عليه قلم التكليف ثم يموت ثم يبعث فيجازي بأعماله فهذه الأطوار المختلفة دالة على أن الله تعالى وحده وهو المدبر لعباده المستحق أن يفرد ويوحد بالعبادة (فما لهم لا يؤمنون) وهذا حال كثير من الناس بعد هذه الآيات لا يؤمن (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) أي لا يخضعون للقرآن ولا لأوامره ونواهيه , (والله أعلم بما يوعون) أي هو تعالى أعلم بما يعملون وينوونه سرا فالله يعلم سرهم وجهرهم وسيجازيهم على أعمالهم فقال (فبشرهم بعذاب أليم) فهذا حال أكثر الناس التكذيب وعدم الإيمان , أما الفريق الآخر فقد هداهم الله فآمنوا بالله وآياته وصدقوا رسله وعملوا الصالحات فأولئك لهم أجر غير ممنون أي غير مقطوع بل هو أجر دائم .
سورة الأعلى :
يأمر الله تعالى بتسبيحه المتضمن ذكره وعبادته والخضوع لجلاله والاستكانة لعظمته وأن يكون تسبيحا يليق بعظمته وجلاله وبأن تذكر أسمائه الحسنى وتذكر أفعاله التي منها خلقه للخلق فسواهم أي أتقنها وأحسن خلقها (والذي قدر فهدى) فهدى كل مخلوق لما فيه مصلحته ثم ذكر بنعمه الدنيوية فقال (والذي أخرج المرعى) حيث أنزل من السماء ماءا فأخرج به العشب والمرعى الذي ترفع فيها الإنسان والحيوان (فجعله غثاءا أحوى) أي جعله نباتا ملتويا أسود أي هشيما ثم ذكر نعمه الدينية التي أصلها وينشأها القرآن فقال (سنقرئك فلا تنسى) أي سخنفه ما أوحينا إليك من الكتاب وقلبك فلا تنسى منه شيئا وهذه بشارة عظيمة للنبي أن الله سيعلمه علما لا ينسى (إلا ما شاء الله) إلا ما اقتضت حكمته تعالى أن ينساه (أنه يعلم الجهر وما يخفى) فهو يعلم ما يصلح للعباد فيشرع لهم ما يريد (ونيسرك لليسرى) وهذه أيضا بشارة للنبي أن الله سييسر له اليسرى في أموره كلها ويجعل شرعه ودينه يسرا (فذكر) بشرع الله وآياته (إن نفعت الذكرى) أي ما دامت الذكرى مقبولة سواء حصل منها المقبول المرجو أم لم يحصل , فالمنتفعون ذكرهم الله بقوله (سيذكر من يخشى) بخشية الله وخوفهم من حسابه وعقابه هي التي تجعله ينشط للعمل في راضي الله وتكفه عن المعاصي أما غير المنتفعين من الذكرى فقال عنهم (ويتجنها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى) نجا له أن في له إلى النار الموقدة فيعذب فيها عذابا أليما وإنما مستمرا حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم .
ثم قال (قد أفلح من تزكى) أي قد يتحقق الفلاح والربح لمن طهر نفسه من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق والأحوال (وذكر اسم ربه فصلى) أي كان موصوفا ملازما لذكر الله وانصبغ قلبه به فأوجب له أن قام بمراضي الله .
ثم قال (بل تؤثرون الحياة الدنيا) فتقدمون الدنيا على الآخرة وحقيقة الآخرة أنها خير وأبقى فالدنيا مهما كان فيها من خير فالآخرة أفضل ،فالدنيا خيرها منغص والى زوال والآخرة نعيمها باق لا انقضاء لها ولا تنغيص فيه. فالعاقل لا يختار ولا يؤثر الأدنى على الأعلى ،(إن هذا) المذكور في السورة لفي الصحف الأولى التي هي صحف إبراهيم ومزسى الذين هم أفضل الرسل فاجتمع ما في القرآن بما أنزل على إبراهيم وموسى عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام