لمحات من التاريخ العلمي للكوفة أوّل ما اختطّت الكوفة في صدر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد فتح المدائن، وكان فتح المدائن في شهر صفر سنة 16هـ بعد القادسية بنحو عامين، وكان سعد بن أبي وقاص قد نزل بمن معه من المسلمين في المدائن؛ فاجتووها، وتغيّرت أمزجتهم وظهر ذلك في أخلاقهم فشكوا ذلك لعمر؛ فذُكر أنّ عمر قال: (إن العرب لا يصلحهم إلا ما يصلح إبلهم). فارتادوا مكاناً يصلح لإبلهم فوقع اختيارهم على الكوفة، وكانت أرضاً سهلة حسنة التربة يخالط رملها حصباء، ولذلك كانت تسمى "خدّ العذراء" يجري عليها نهر الفرات، وفي وسطها جبل صغير يُسمّى "كوفان". نزلوا الكوفة وأميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فخطّطها خططاً، وجعل لكل قبيلة من القبائل التي معه خطّة وهي بمعنى "الحيّ" في عصرنا، وذلك لأجل أن يتجاور كل ذوي قربى في منازلهم، ولكل حيّ مسجد. وكان الذي تولّى تخطيطها أبو الهيّاج الأسدي واسمه حيان بن حصين، وكان تخطيط الكوفة تخطيطاً عسكرياً، لأنها كانت بلدة لسكنى المجاهدين في العراق؛ فبنى وسطها مسجداً كبيراً جامعاً يسع نحو أربعين ألف إنسانٍ على عدّة المجاهدين منهم ذلك الوقت، وجعله من النهر رمية بسهم. وجعل بين الأحياء مناهج تتصل بالمسجد الجامع، والمناهج هي الطرق الواسعة، عرض كلّ منهاج نحو خمسين ذراعاً، وذلك لأجل أن يتسع الطريق لمرور جماعة كبيرة من الجند. فكان إذا أراد أن يجهّز جيشاً اجتمع الجنود من أحياء الكوفة حتى يصلوا إلى المسجد الجامع فيخطب فيهم أمير الكوفة ويوصيهم ويعقد الراية لقائد الجيش؛ ثم ينطلقون إلى وجهتهم. وكان أوّلَ أمير الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وبقي في الإمارة خمس سنين، ثمّ عزله عمر، وولى عمارَ بن ياسر سنة، ثم المغيرة بن شعبة سنة، وقتل عمر والمغيرة على الكوفة. وكانت البيوت في أوّل الأمر من الخُصّ؛ إذا أقاموا في الكوفة بنوها، ثم إذا أرادوا الغزو نقضوها، وكانوا يغزون بأهلهم؛ فإذا رجعوا بنوها، ثم اتخذوا أبواب الآجرّ بعد ذلك بسنوات. ولما ولي عثمان بعث سعد بن أبي وقاص إلى الكوفة فتولى إمارتها سنة، ثم عزله وولى الوليد بن عقبة؛ فمكث خمس سنين، ثم عزله وولى سعيد بن العاص بن العاص بن سعيد الأموي؛ فمكث خمس سنين إلى أن ثار عليه أهل الكوفة وتحزبوا ضده، فلما سافر إلى المدينة ثم أراد الرجوع إلى الكوفة وقفت له سريّة من الكوفة بعث بها الأشتر النخعي وكان زعيماً مطاعاً في الكوفة، وأجبروه على الرجوع إلى المدينة، وأرادوا أن يولوا أبا موسى الأشعري فأبى عليهم إلا أن يجددوا البيعة لعثمان، ويكتب إليه يستأذنه؛ وكان قد عظّم عليهم ما صنعوا؛ فلما ورد على عثمان كتاب أبي موسى أعجبه ما صنع من جمع الكلمة وأقرّ الأشعري عليهم. وقد قال شاعر أهل الكوفة في قصيدة له: تصدّق علينا يا ابنَ عفان واحتسب ... وأمّر علينا الأشعريّ لياليا فروي أن عثمان قال: (نعم وشهوراً وسنين). وكان هذا أوّل ما اجترئ على عثمان، وقد دفع الله هذه الفتنة الأولى بما يسّر لأبي موسى من جمع الكلمة، وبحلم عثمان رضي الله عنه، وصفحه عنهم، وبقي أبو موسى أميراً على الكوفة إلى أن توفي عثمان رضي الله عنه. ثم لما آلت الخلافة إلى عليّ ولّى على الكوفة قرظة بن كعب الخزرجي، ثم انتقل عليّ إلى الكوفة. فهؤلاء أمراء الكوفة في زمن الخلفاء الراشدين، وكلهم من الصحابة رضي الله عنه، وقد وليها في زمن معاوية: المغيرة بن شعبة إلى أن توفي سنة 50هـ، ثم زياد بن أبيه إلى أن توفي سنة 53هـ، ثم النعمان بن بشير بضعة أشهر، ثم الضحاك بن قيس نحو ثلاث سنين، ثمّ عبيد الله بن زياد وفي عهده كان مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما. ثم تعاقب على الكوفة أمراء في عهد ابن الزبير، وعهد بني أمية وجرت فتن عظيمة إلى أن استقرّ الحكم لعبد الملك بن مروان ودخل الكوفة بعد مقتل مصعب بن الزبير سنة 72هـ، ثم استخلف على العراق أخاه بشر بن مروان؛ فبقي أميراً عليها حتى توفي سنة 75هـ؛ فبعث عبد الملك الحجاج بن يوسف أميراً على العراق؛ فحكم العراق عشرين سنة. وكانت الكوفة بلداً زاخراً بأهل العلم والفضل والجهاد في الثغور. |
طبقة الصحابة رضي الله عنهم 1: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي (ت:40هـ) رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين، وأفضل من نزل العراق من الصحابة، تقدمت سيرته، وفضائله كثيرة جداً، نزل الكوفة سنة 36هـ وأقام بها نحو خمس سنين؛ وانتفع به خلق كثير، وكان من أعلم الصحابة بالتفسير، ونزول القرآن. قرأ عليه أبو الأسود الدؤلي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغيرهما، ورويت عنه مسائل كثيرة في التفسير. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وهو خارج لصلاة الفجر. |
2: سعد بن أبي وقاص الزهري(ت:57هـ)
وهو أوّل أمير للكوفة، ومن العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم بعد وفاته، اعتزل الفتنة بعد مقتل عثمان، حتى مات سنة 57هـ. |
3: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ) رضي الله عنه
من علماء الصحابة ومعلّميهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، تقدمت سيرته. كان من جلساء عمر في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى حمص غازياً، ثمّ انتدبه عمر إلى الكوفة معلّما ووزيراً لعمار بن ياسر، وأمينا على بيت المال؛ فكان له أثر مبارك على أهل الكوفة، أحبّوه وانتفعوا به، وكثر الناس في حلقاته، حتى كان يدور عليهم، ويحضهم على القرآن، وكثرت كتابة المصاحف في الكوفة في عهده حتى جعل موضعا في المسجد لعرض المصاحف، وكان يمليها عن ظهر قلبه. ورزق أصحاب صدق حفظوا علمه، ونشروه، فكثرت الروايات عنه جداً، وهو من أكثر من يروى عنهم التفسير من الصحابة رضي الله عنهم. اجتاز بالمدينة فمرض بها أياما ثم توفي بها سنة 32هـ، فصلى عليه عثمان، ودُفن بالبقيع، رضي الله عنه. - قال أسود بن عامر: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حارثة قال: قرئ علينا كتاب عمر: « السلام عليكم أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عمارا أميرا، وعبد الله معلما ووزيرا، وإنهما من نجباء أصحاب محمد، وممن شهد بدرا، اسمعوا لهما وأطيعوا، وقد آثرتكم بهما على نفسي» . - قال أبو إسحاق السبيعي: أخبرني أبو عبيدة أن ابن مسعود إذا أصبح خرج أتاه الناس إلى داره فيقول: «على مكانكم»، ثم يمر بالذين يقرئهم القرآن، فيقول: «يا فلان بأي سورة أنت؟» فيخبرونه، فيقول: «بأي آية فيفتح عليه الآية التي تليها، ثم يقول تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض» قال: فيظن الرجل أنها ليست في القرآن آية خير منها، ثم يمر بالآخر فيقول له مثل ذلك حتى يقول لذلك كلهم). رواه عبد الرزاق في المصنف والطبراني في المعجم الكبير. |
4: حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي (ت:36هـ) رضي الله عنهما
من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب سِرّه، وأعلم الصحابة بالمنافقين وأحوالهم، وبالفتن وأنواعها والمخارج منها، منعه المشركون من شهود بدر، وشهد أحداً وما بعدها، وهو الذي ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب. وكان جليل القدر عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سعى في جمع القرآن في زمن عثمان بن عفان. أمّره عمر على المدائن فبقي أميراً عليها حتى توفّي بعد مقتل عثمان، وكان ينزل الكوفة. رويت عنه حروف في القراءة ومسائل في التفسير. |
5: عمار بن ياسر بن عامر المذحجي العنسي(ت:37هـ)
تولى إمارة الكوفة سنةً، وذلك في خلافة عمر، وهو من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي أنه قد عُصم من الشيطان فلا يضرّه، قتل في وقعة صفين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قتله علامة على أنّ أولى الطائفتين بالحق طائفة عليّ ومن معه. |
6: خباب بن الأرت التميمي(ت:37هـ)
من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بدراً، وما بعدها، ونزل الكوفة وبها توفي. |
7: صفوان بن عسّال المرادي(ت: قبل 40هـ )
غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وسكن الكوفة، روى عنه زر بن حبيش وعبد الله بن مسلمة المرادي وغيرهما. توفي في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. |
8: أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري(ت: 40هـ)
شهد بيعة العقبة، وكان أصغر السبعين سناً حينئذ، ولم يشهد بدراً، وإنما سمّي بالبدري لأنه نزل على ماء ببدر؛ فنسب إليه، وكان من فقهاء الصحابة، ممن يفتي، وذُكر أنّ عليّ بن أبي طالب استخلفه على الكوفة لما خرج إلى صفّين. |
9: قرظة بن كعب بن ثعلبة الخزرجي(ت:40هـ تقريباً)
وثعلبة هو بن عمرو بن الإطنابة، وكان له ذكر في الجاهلية. وأما قرظة فكان من فقهاء الصحابة بعثه عمر إلى الكوفة معلّماً ومقرئاً، وشهد بعض فتوح فارس وخراسان، ثم ولاه عليّ الكوفة في صدر خلافته، وشهد مع عليّ مشاهده، وبقي بالكوفة إلى أن توفي سنة 40هـ وقيل بعدها. |
10: حذيفة بن أسيد الغفاري(ت:42هـ)
يكني بأبي سَريحة، شهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي أوّل مشاهده، وروي عن الشعبي أنّه ممن بايع تحت الشجرة. سكن الكوفة، ومات بأرمينيا، وصلى عليه زيد بن أرقم. |
11: أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)
أسلم بمكة قديماً، ثم رجع إلى قومه، وقدم مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنين وتبوك وغيرها، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معلّماً لأهل اليمن، ثم استعمله على زبيد وعدن ورمع والساحل. ثم شهد فتوح الشام، وصحب عمر إلى بيت المقدس، وشهد معه خطبة الجابية، وشهد وفاة أبي عبيدة ابن الجراح بالأردن، ثم بعثه عمر أميراً على الكوفة والبصرة، وقاضياً ومعلماً لأهل البصرة، وقائداً لجيوش المسلمين فافتتح أصبهان وتستر والأهواز والسوس ونصيبين وهمذان، وغيرها زمن عمر. وكان حسن الصوت بالقرآن، عالماً مقرئاً فقيهاً قاضياً مجاهداً، علّم باليمن، والبصرة، والكوفة، وفتح عدداً من بلدان خراسان، ثم ولاه عثمان إمارة الكوفة؛ فبقي أميراً عليها حتى قتل عثمان، وكان أحد الحكمين في شأن علي ومعاوية. توفي في ذي الحجة سنة 44هـ، وقيل سنة 42هـ، والأول أرجح. قرأ عليه: حطان بن عبد الله الرقاشي وأبو رجاء العطاردي وغيرهما. |
12: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي(ت:50هـ)
شهد بيعة الرضوان، وهي أوّل مشاهده، وحنين، والطائف، وتبوك وله بها مناقب، وهو الذي هدم اللات بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رهطه من سدنة اللات في الجاهلية. وكان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره ويحمل وضوءه، وشهد دفن النبي صلى الله عليه وسلم وألقى خاتمه في قبره ثم استخرجه ليكون آخر الناس عهداً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الدهاة المذكورين لا يكاد يحزبه أمر إلا أعمل فيه حيلة بارعة، وكان صاحب فراسة ورأي. ثم شهد اليمامة واليرموك والقادسية ونهاوند وكان فيها على ميسرة النعمان بن مقرّن المزني. وكانت عينه قد أصيبت؛ واختلف في سبب ذلك؛ فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها فذهبت عينه). وروي أنها أصيبت في يوم الطائف، وقيل: اليرموك، وقيل: القادسية. وهذه الروايات قد جمعها ابن عساكر في ترجمته في تاريخ دمشق. وولاه عمر البحرين ولم تطل ولايته عليها، ثم استخلفه عتبة بن غزوان على البصرة لما قدم المدينة، ثم ولاه عمر البصرة نحواً من سنتين، وهو أوّل من دوّن بها الدواوين، وفتح ميسان وسوق الأهواز، إلى أن ولي أبو موسى الأشعري، ثم ولاه عمر الكوفة سنة 23هـ، وابتنى بها داراً في محلّة ثقيف، وكانت إمارته على الكوفة سنة واحدة في آخر خلافة عمر، ثم عزله عثمان وولى سعد بن أبي وقاص. واعتزل الطائفتين في الفتنة بين علي ومعاوية، وأقام في الطائف مدّة؛ ثم في زمان معاوية ولاه إمارة الكوفة فبقي بها أميراً إلى أن مات رضي الله عنه سنة خمسين، وهو ابن سبعين سنة، وكان من دهاة الناس وعقلائهم. كانت كنيته أبو عيسى فغيّرها عمر إلى أبي عبد الله. - قال أبو نعيم: (كان طوالاً، أصهب الشعر جعداً، ضخم الهامة، عبل الذراعين، أقلص الشفتين). رواه الخطيب البغدادي. |
13: المستورد بن شداد بن عمرو الفهري(ت: 50هـ )
له ولأبيه صحبة، شهد فتح مصر، واختطّ بها، ثم نزل الكوفة. روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعلي بن رباح وغيرهم. |
14: حنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي(ت:50هـ)
المعروف بحنظلة الكاتب، وكان من كتاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وعمّه أكثم بن صيفي حكيم العرب. وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حنظلة ساعة وساعة). شهد حنظلة مع خالد بن الوليد حروبه في العراق، ثم فتح دومة الجندل، نزل الكوفة ثم انتقل إلى قرقيسيا هو وعدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلي لما سمعوا شتم عثمان بالكوفة، وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. رثته امرأته بأبيات منها: تعجَّبت دعـــــــــدُ لمخزونـــــــتة ... تبكي على ذي شيبة شـــاحب إن تسألـــيني اليوم ما شفَّني ... أخبرك قولاً ليس بالكــــــــــاذب إنَّ سوادَ العين أودى بـــــــــــــه ... حزن على حنظلة الكـــــــــــــــاتب |
15: جرير بن عبد الله البجلي الأحمسي(ت:51هـ)
نسبة إلى بجيلة وهي قبيلة عظيمة من قبائل العرب كثيرة العدد، وقد اختلف أهل الأنساب في نسبتهم على قولين: أحدهما: نسبتهم إلى أمّهم بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة تزوّجها أنمار فنُسب ولدها إليها، وهي أخت باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة. والآخر: بجيلة هو ابن أنمار. واختلف في أنمار هذا على قولين: أشهرهما عند النسابة أنه أنمار بن نزار بن معد بن عدنان. والقول الآخر: هو أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن النبت بن مالك بن زيد بن كهلان. فعلى القول الأول تكون بجيلة من القبائل العدنانية، وعلى القول الآخر: من القبائل القحطانية. وقد كانت مساكنهم بتبالة قرب بيشة اليوم، تجاورهم خثعم، ونهد، وجرم، ومساكنهم تتجاور فيها قبائل من قيس عيلان، وقضاعة، وقحطان. وبجيلة معدودة من القبائل اليمنية، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في شأن جرير بن عبد الله: ((من خير ذي يمن )). وفد جرير على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأسلم، وكان سيد قومه، جسيماً جميلاً، بديع الصورة، وأسلم قومه معه. ولجرير بن عبد الله رضي الله عنه مناقب، فقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدم ذي الخلصة، وكانت وثناً يُعبد بتبالة فهدمه وحرّقه، وبعثه إلى اليمن يقاتل في سبيل الله ويدعو إليه، ووصفه بأنه من خير ذي يمن، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً حسناً، ودعا لقومه، ولخيلهم، وكان لبجيلة بلاء حسن في فتوح العراق؛ فقد كانوا أكثر قبائل العرب بها عدداً، حتى روي أنهم كانوا ثلاثة أرباع جيوش المسلمين، وقد جعل لهم عمر ثلاثة أرباع خراج العراق ثلاث سنين، ثمّ أخذها منهم وجعلها للمسلمين عامة. وأبلى جرير بلاء حسناً في فتوح العراق، وحاول الصلح بين علي ومعاوية؛ واجتهد في ذلك فلم يتمّ له الأمر، ثم اعتزل الفتنة، وسكن الكوفة، حتى سمع بها شتم عثمان فخرج منها إلى قرقيسيا، ومات سنة 51هـ. - قال إسماعيل بن أبي خالد البجلي: حدثني قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم». رواه البخاري ومسلم. - وقال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت قيساً يقول: سمعت جرير بن عبد الله البجلي يقول: (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي). رواه البخاري ومسلم. - وقال يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن المغيرة بن شبل بن عوف البجلي الأحمسي قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، ثم حللت عيبتي، ثم لبست حلتي، ثم دخلت المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني الناس بالحَدَق. قال: فقلت لجليسي: يا عبد الله! هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئا؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته فقال: (( إنه سيدخل عليكم من هذا الفجّ من خير ذي يمن، ألا وإنَّ على وجهه مسحة ملك )). قال جرير: (فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني). رواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي في الكبرى. - وقال خالد، عن بيان، عن قيس، قال: سمعته يقول: قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك». رواه البخاري في صحيحه. - وقال إسماعيل بن أبي خالد: حدثنا قيس، قال: قال لي جرير رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟!» وكان بيتاً في خثعم، [وهو نُصُب كانوا يعبدونه]، يسمَّى الكعبة اليمانية، فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال: «اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا» فانطلق إليها فكسرها وحرقها، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق، ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب، قال: (فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات). رواه البخاري ومسلم. - وقال الفضل بن دكين: حدثنا أبان بن عبد الله البجلي، قال: حدثني إبراهيم بن جرير، عن جرير، قال: (إن نبي الله بعثني إلى اليمن أقاتلهم وأدعوهم، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، حرمت عليكم أموالهم ودماؤهم).رواه ابن أبي شيبة. - وقال أبو عوانة اليشكري، عن عبد الملك بن عمير البجلي، قال: حدثني إبراهيم بن جرير: أن عمر بن الخطاب قال: «إنَّ جريراً يوسف هذه الأمة». رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة. |
16: أبو قتادة الحارث بن ربعي الخزرجي الأنصاري(ت:54هـ)
تقدّمت ترجمته، وذكر بعض مناقبه، سكن الكوفة مدة وشهد مع علي مشاهده كلها، ثمّ رجع إلى المدينة ومات بها سنة 54هـ. |
17: مجمع بن جارية بن عامر العوفي الأوسي الأنصاري(ت:55هـ)
كان ممن قارب جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بقيت عليه سورة أو سورتان حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وقد احتال عليه المنافقون فاتخذوه إماماً لمسجد الضرار، وكان شاباً حدَث السنّ لم يكن يعلم بشيء من أمرهم، وقد شهد بيعة الرضوان. ثمّ ولاه عمر إمامة مسجد قباء بعد سعد بن عبيد، وروي أنّ عمر بعثه إلى الكوفة معلّماً ومقرئاً مع ابن مسعود، وتوفي في المدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان. رويت عن مجمّع حروف في القراءة، والرواية عنه في كتب التفسير المسندة عزيزة. روى عنه أبو الطفيل عامر بن واثلة وابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، وابنه يعقوب. |
18: سمرة بن جندب بن هلال الفزاري(ت: 59هـ )
ترجمته في أهل البصرة، وقد تولى إمارتها مدة. - قال ابن سعد: (ثم أتى الكوفة فاشترى بها دورا في بني أسد بالكناسة فبناها فنزلها ومات بها، وله بقية وعقب). |
19: عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي(ت:68هـ)
وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع للهجرة، فأسلم، وحسن إسلامه، وثبت بقومه في زمن الردة، وجاهد مع خالد بن الوليد في العراق، وقدم معه الشام، وبعثه بالأخماس إلى أبي بكر، ثم إنه نزل الكوفة مدّة، فلما كان في آخر حياته سمع شتم عثمان بها فخرج إلى قرقيسيا، وقال: لا أقيم في بلد يُشتم فيه عثمان. وهو من المعمّرين بلغ مائة وعشرين سنة، وقيل أكثر من ذلك. |
20: زيد بن أرقم بن قيس الخزرجي الأنصاري(ت:68هـ)
نشأ يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة، ثم شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، وأول مشاهده "المريسيع"، وكان ممن استصغر يوم أحد، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول عبد الله بن أبي بن سلول: " لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل" وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد صدقك يا زيد). والخبر في الصحيحين. - وقال موسى بن عقبة: حدثني عبد الله بن الفضل أنه سمع أنس بن مالك يقول: حزنت على من أصيب بالحرة؛ فكتب إليَّ زيد بن أرقم - وبلغه شدة حزني - يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار». رواه البخاري في صحيحه. |
21: البراء بن عازب بن الحارث الأوسي(ت:72هـ)
أسلم مع أبيه وهو صغير وحفظ سوراً من المفصل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وشهد أحداً وما بعدها، وكان من علماء الصحابة، وشهد فتح الري وقزوين وكان قائد جيش بها، ثم شهد مع علي مشاهده، وقاتل الخوارج، وسكن الكوفة. |
22: جابر بن سمرة بن جنادة السوائي(ت:74هـ تقريباً)
من ولد سواءة بن عامر بن صعصعة، وكان أبو حليفاً لبني زهرة بن كلاب من قريش، وأمّه خالدة بن أبي وقاص أخت سعد، سكن الكوفة، وابتنى بها داراً في محلّة بني سواءة بن عامر، ومات في ولاية بشر بن مروان، وقيل: سنة 76هـ. - قال حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع، أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إليَّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: «لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش». وسمعته يقول: ": عصيبة: من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى «أو» آل كسرى". وسمعته يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم». وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته» وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض». رواه أحمد ومسلم. |
23: أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي(ت: 74هـ )
من بني سواءة بن عامر بن صعصعة، من طبقة صغار الصحابة من أسنان ابن عباس، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو مراهق، وكان صاحب شرطة علي، كان عليّ إذا خطب يقوم أبو جحيفة تحت منبره، وكان معه يوم الجمل على أهل المدينة. نزل الكوفة، ومات بها. |
الساعة الآن 03:00 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir