دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 16 شعبان 1443هـ/19-03-2022م, 07:06 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {كمشكاة فيها مصباح}

معنى المشكاة
لا ريب أنّ المشكاة هي الموضع الذي يكون فيه المصباح، وهذا منصوص عليه في الآية في قوله تعالى: {كمشكاة فيها مصباح}.
والمشكاة في اللغة اسم جنس للموضع المجوَّف الذي ينبثق منه ضوء المصباح، ويقع ذلك على معانٍ:
أحدها: الكوّة غير النافذة في جدار الغرفة
والكوّة بفتح الكاف وضمّها قد تكون نافذةً كحال النوافذ المعروفة في جدران البيوت كبيرة كانت تلك النوافذ أو صغيرة، وهي ثقب واسع في جدار الغرفة يدخل منه الهواء.
وقد تكون الكوّة غير نافذة، وإنما هي تجويف من داخل الجدار كان يوضع فيه قديماً مصباح الزيت ليضيء الحجرة، وقد يوضع فيه غيره، وإذا كانت الكوّة غير نافذة كانت أجمعَ لنور المصباح وأقوى إنارة.

والثاني: القنديل
وهو إناء مجوَّف له فتحة في أعلاه، فيوضع الزيت في تجويفه، وتوضع الفتيلة في أعلاه، ثم تُشعل فتضيء.
وكانت بعض القناديل قديماً يوضع فيها نحاس - ويُسمّى الصُّفر - يحيط برأس الفتيلة، وذلك والله أعلم ليحفظها من الهواء أن يطفئها.
وبعض القناديل يوضع في أعلاها زجاجة تحيط بالفتيلة من جوانبها لتحفظها من الهواء ولتزداد إضاءة المصباح، ويكون للزجاجة منفذٌ من الأعلى يخرج منه دخان نار الفتيلة، ويدخل منه الهواء فلا تنطفئ الفتيلة.

والثالث: حامل القنديل
وكانت بعض القناديل تحمل في أعمدة أعلاها مجوّف مفتوح من الأعلى فيحيط التجويف بالقنديل؛ ليحفظ قوّة الشعلة، ويخرج الدخان من الأعلى.
فالمشكاة اسم يشمل هذه الأنواع.



اشتقاق المشكاة
المِشكاة، اسم آلة على وزن مِفْعَلة، لأنَّ أصلها "مِشْكَوَة"، وقد رُسمت كذلك بالواو في المصحف بالواو {كمشكَوة} إلماحاً إلى الأصل، والله أعلم.
والأظهر أن اشتقاق المشكاة من شَكوتُ، أو شكأت، وكلاهما يدلّ على إبراز ما كان محجوباً.
والشَّكْوة وعاء من جلد يشبه الدلو، وكان يقال: تشكّت المرأة إذا اتخذت شكوةً، ويقال: شَكِئَت أصابعُ الرجل؛ إذا تقشّر ما بين اللحم والظفر، والشَّكّ بالرمح: الطعن به حتى ينفذ في الجلد ويُحدث فيه فتقاً، والشكّ بالإبرة: إنفاذها في الجلد أو القماش.
و"شكّه" قريب المعنى من "شقّه"، إلا أنه شقٌّ فيه دقّة وسرعة، وهذا ظاهر في الأمور الحسية.
وفي الأمور المعنوية: يقال شكا يشكو إذا بثّ ما كان مكتوماً في نفسه.
- قال الراغب الأصفهاني: (وأصل الشَّكْوِ فتح الشَّكْوَةِ وإظهار ما فيها، وهي: سقاء صغير يجعل فيه الماء، وكأنه في الأصل استعارة، كقولهم: بثثت له ما في وعائي، ونفضت ما في جرابي؛ إذا أظهرت ما في قلبك)ا.هـ.
فالظاهر أنّ المشكاة سُمّيت بذلك لأن الضوء يُشكَأُ فيها، أي يُوقَد فينبثق منها ويضيء ما كان خارجها.
وانبثاق النور من القنديل والكوّة متّسق مع هذا الاشتقاق.
وترتيب الحروف في الكلمة وصفاتها يوافق ما استُخرج بالاشتقاق؛ فالميم تدلّ على الجمع وهو أصل اجتماع أدوات الإيقاد من الزيت والفتيل وغيرهما، ثم حرف الشين فيها دالّ على التفشي، وهو حكاية معنى انتشار الضوء، والكاف المهموسة المنفتحة بعدها ألف يدلان على حكاية انبثاق الضوء.

أقوال المفسّرين في معنى المشكاة
اختلفت عبارات المفسرين في معنى المشكاة في اللغة على أقوال لا تعارض بينها:
القول الأول: الكوَّة غير النافذة
وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وسعد بن عياض الثمالي، وأبي مالك الغفاري، والضحاك بن مزاحم، والحسن البصري، وقتادة، ورواية عن مجاهد، وقال به ابن جريج، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، والفراء، وأكثر أهل اللغة.
- قال قرّة بن خالد السدوسي، عن عطيّة العوفي عن ابن عمر قال: (المشكاة: الكوّة في البيت الّتي ليست بنافذةٍ). رواه يحيى بن سلام البصري، وابن جرير، ولم يذكر ابن جرير قوله: (في البيت ليست بنافذة).
- وقال عمرو بن أبي قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، في قوله عزّ وجلّ: [الله نور السّموات والأرض مثل نور من آمن بالله كمشكاةٍ] قال: «وهي القبّرة: يعني الكوّة». وقال: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
- وقال عاصمٍ الجحدريّ، عن سليمان بن قتّة، عن ابن عبّاسٍ قال: (المشكاة: الرّوزنة في البيت). رواه يحيى بن سلام.
والروزنة هي الكوّة.
- وقال سعد بن عياض الثمالي: (المشكاة: الكوّة بلسان الحبشة). علّقه البخاري في صحيحه، ورواه وكيع في تفسيره من طريق أبيه وإسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي عنه كما في تغليق التعليق لابن حجر، ورواه ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عنه ولم يذكر قوله: (بلسان الحبشة). وتصحّف اسمه عنده إلى سعيد.
وسعد بن عياض من كبار التابعين بالكوفة من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كان قليل الحديث، مات بأرض الروم.
- وقال مسدّدٌ: حدثنا هشيمٌ عن حصينٍ عن أبي مالكٍ، قال: (المشكاة: الكوّة الّتي ليس لها منفذٌ). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال أبو سعيد الأشجّ: حدثنا عبدة عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {كمشكاةٍ} قال: (الكوّة). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {اللّه نور السّموات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ} قال: (ككوّةٍ). رواه ابن جرير.
- وقال معمر عن قتادة: (المشكاة: الكوّة). رواه عبد الرزاق، وابن جرير.
- وقال شبل بن عبّادٍ المكي، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه: {كمشكاةٍ} قال: (المشكاة: الكوّة بلغة الحبشة). رواه ابن أبي حاتم.
- قال أبو إسحاق الزجاج: (قيل إنها بلغة الحبش، والمشكاة من كلام العرب).
- وقال ابن جريج : ({كمشكاة}: (كوّة غير نافذة). رواه ابن جرير.
- وقال في العين: (المِشْكاةُ: طويق صغير في حائط على مقدار كوة، إلا أنها غير نافذة).


القول الثاني: القنديل
وفي تفصيله ثلاث روايات عن مجاهد.
- قال هشيم بن بشير: حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن مجاهدٍ، قال: (المشكاة: الحدائد الّتي يعلّق بها القنديل). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
- وقال أبو عاصم النبيل: حدّثنا عيسى [بن ميمون]، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {كمشكاةٍ} قال: (القنديل، ثمّ العمود الّذي فيه القنديل). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وتصحّفت اللفظة الأخيرة في طبعة تفسير ابن أبي حاتم إلى "الفتيل"، وهو خطأ، فإنّ الفتيل داخل القنديل، والقنديل معلّق بالعمود الحامل له.
- وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ({كمشكاةٍ} الصّفر الّذي في جوف القنديل). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
- وقال ابن جرير: (هي عمود القنديل الّذي فيه الفتيلة؛ وذلك هو نظير الكوّة الّتي تكون في الحيطان الّتي لا منفذ لها. وإنّما جعل ذلك العمود مشكاةً، لأنّه غير نافذٍ، وهو أجوف، مفتوح الأعلى، فهو كالكوّة الّتي في الحائط الّتي لا تنفذ).

القول الثالث: المشكاة موضع الفتيلة
وهو رواية عن ابن عباس، وقال به محمد بن كعب القرظي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ويزيد بن أبي حبيب المصري.
- قال معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: {كمشكاةٍ} يقول: (موضع الفتيلة). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
- وقال أبو سعيدٍ الأشجّ: حدثنا ابن فضيلٍ، عن عاصم بن محمّد بن كعبٍ قال: (المشكاة: موضع الفتيلة من القنديل). رواه ابن أبي حاتم، وقد وردت العبارة فيه هكذا: عاصم بن محمد بن كعب، وهو تصحيف، إنما هو: عاصم بن كليب الجرمي، عن محمد بن كعب.
- قال ابن وهب: قال ابن زيد: (المشكاة الّتي فيها الفتيلة الّتي في المصباح). رواه ابن جرير.
والقول الثالث أعمّ هذه الأقوال لأنه يشمل الكوّة، والقنديل.

المراد بالمشكاة في الآية
المشكاة مثل مضروب يُراد به صدر المؤمن أو جوفه على قولين متقاربين مأثورين عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
- قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب: {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} قال: (مثل المؤمن قد جُعل الإيمان والقرآن في صدره {كمشكاةٍ} قال: (المشكاة: صدره). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
- وقال عامر بن الفرات: حدثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ} قال: (فالزّجاجة هي القلب، والمشكاة هي الصّدر). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال سنيد: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، وابن عبّاسٍ جميعًا: (المصباح وما فيه مثل فؤاد المؤمن وجوفه، المصباح مثل الفؤاد، والكوّة مثل الجوف). رواه ابن جرير.
وذهب كعب الأحبار إلى أن المراد به صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر، إلا أن يقال إنه من باب التمثيل بأفضل ما يصدق عليه هذا المثل.
ويصلح أن يُراد بالمشكاة المؤمنون الذين يذكرون الله تعالى في البيوت الذي ذكرها الله تعالى في قوله: {في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه}
- قال ابن وهبٍ: قال ابن زيدٍ: (المشكاة: الّتي فيها الفتيلة الّتي فيها المصباح) قال: (المصابيح في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع). رواه ابن جرير.
وقد اختلف في المراد بهذه البيوت:
- فقال أكثر المفسرين: هي المساجد.
- وقال سفيان بن حسين الواسطي: (قال الحسن هو بيت المقدس لأنّه يسرج فيه كلّ ليلةٍ عشرة آلاف قنديلٍ). رواه ابن جرير.
- وقال حكّام بن سلمٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عكرمة: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} قال: (هي البيوت كلّها). رواه ابن جرير.
- وقال مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، عن محمد ابن سوقة، عن عكرمة في قول الله تعالى: {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع} قال: (البيوت كلّها). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال أبو سعيدٍ الأشجّ: حدثنا ابن فضيلٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ {في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه} قال: (هي بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم).
ليث ضعيف، والرواية المعروفة عن مجاهد من طرق عدة أنها المساجد.

والمقصود أنّ هذا المثل الكريم صالحٌ لوصف أمرين:
أحدهما:
نور الإيمان والهدى في صدر المؤمن.
والآخر: ونور المؤمنين في البيوت التي يُذكر فيها اسم الله جلّ وعلا.
فيكون البيت بمثابة المشكاة، ونور المؤمن فيه بمثابة المصباح.
ولا يُنكر أن يكون هذا النور حقيقيٌّ لا يُبصره الناس، ويُبصره من شاء الله أن يُبصره من الملائكة وغيرهم، كما تقدّم بيانه.
وقد جاء في حديث مرسل ما يقرّب هذا المعنى.
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عباد بن عباد، عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن زيد أنَّ أشياخ أهل المدينة حدثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟
قال: «فلعله قرأ بسورة البقرة».
قال: فسُئل ثابت؛ فقال: (قرأت سورة البقرة).
وجرير بن زيد الجهضمي معروف بالرواية عن سالم بن عبد الله بن عمر، وعامر بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، وكلّهم من أهل المدينة، ومن أئمة التابعين؛ فإن كانوا هم المقصودين بالأشياخ فهو مرسل قويّ لتعددهم وإمامتهم، لكن لما لم يصرّح بأسمائهم في هذه الرواية لم يكن لنا أن نجزم بذلك.
وعلى تقدير صحة هذا الخبر؛ فظهور هذا النور حتى أبصره الناس كرامة ومنقبة لثابت بن قيس رضي الله عنه تدلّ على أنّ له نوراً لم يكن يُبصر من قبل؛ فأُبصر تلك الليلة كرامة له.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir