تكرر الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة:
ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه وسلم تكرر منه الإذن بالكتابة في أحوال متعددة:
1. ففي الصحيحين من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن، حدثني أبو هريرة قال: لما فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحلّ لأحد كان قبلي، وإنها أُحِلَّت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحلّ لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل))
فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر»
فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن - فقال: اكتبوا لي يا رسول الله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه».
قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟
قال: «هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم».
2: وقال سليمان الشيباني، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ««نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا، وأن يخلط البسر والتمر جميعا، وكتب إلى أهل جرش ينهاهم عن خليط التمر والزبيب» رواه أحمد وابن أبي شيبة ومسلم، النسائي في السنن الكبرى وبوّب له: (الكتاب بالعلم إلى البلد النائي).
3. وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي والبيهقي وغيرها من طرق عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه (أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم).
4. وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده».
قال عمر: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا؛ فاختلفوا وكثر اللَّغَط، قال: «قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع» فخرج ابن عباس يقول: «إنَّ الرزية كلَّ الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه».
تنبيه:
- أما ما رواه الإمام أحمد في المسند من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: كنا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فخرج علينا، فقال: «ما هذا تكتبون؟»
فقلنا: ما نسمع منك.
فقال: «أكتاب مع كتاب الله؟!»
فقلنا: ما نسمع.
فقال: «أكتاب غير كتاب الله؟! امحضوا كتاب الله، وأخلصوه»
قال: (فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد، ثم أحرقناه بالنار).
ففي إسناده عبد الرحمن بن زيد، وهو ضعيف الضبط جداً، ترك حديثه بعض الأئمة.
- وأما ما رواه الترمذي من طريق الخليل بن مرة، عن يحيى بن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: (كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيسمع من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استعن بيمينك))، وأومأ بيده للخط).
لكن هذا الحديث ضعيف الإسناد جداً، وقد قال الترمذي عقبه: (هذا حديث إسناده ليس بذلك القائم، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: الخليل بن مرة منكر الحديث).