3: أبو مسلم عبد الله بن ثُوَب الخولاني(ت: 52هـ تقريباً ):
أصله من اليمن، واختلف في اسمه على أقوال أصحها: عبد الله بن ثُوَب.
أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وروي أنّ الأسود العنسي لما ادّعى النبوة وظهر باليمن أنكر عليه أبو مسلم؛ فأوقد له ناراً وقذفه فيها؛ فخرج أبو مسلم منها لم يمسسه سوء؛ فأخرجه الأسود من اليمن، فوفد إلى المدينة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم ارتحل إلى الشام، وسكن داريا.
روى عن: عمر، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت، وعوف بن مالك الأشجعي، وغيرهم.
وروى عنه: أبو إدريس الخولاني، وعمير بن هاني العنسي، وعطية بن قيس الكلابي، ومكحول الدمشقي، وغيرهم.
كان قارئاً فقيهاً حكيماً مجاب الدعاء، تروى عنه كرامات، وأخبار عجيبة، ووصايا نافعة.
وكان معاوية يدنيه ويسمع مواعظه، ويقبل منه.
- قال الوليد بن عتبة الدمشقي: حدثنا أبو مسهر قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول:(اسم أبي مسلم الخولاني عبد الله بن ثُوَب). رواه يعقوب بن سفيان.
- قال إسماعيل بن عياش: حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني أنَّ الأسود بن قيس بن ذي الخمار تنبَّأ باليمن؛ فبعث إلى أبي مسلم الخولاني؛ فأتاه فقال له: أتشهد أني رسول الله؟
قال: ما أسمع.
قال: أتشهد أنَّ محمداً رسول الله؟
قال: نعم.
قال: فأمر بنار عظيمة ثم ألقى أبا مسلم فيها؛ فلم تضرَّه.
فقيل للأسود بن قيس: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك؛ فأمره بالرحيل؛ فقدم المدينة، وقد قُبض النبي صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر؛ فأناخ راحلته بباب المسجد، ودخل المسجد؛ فقام يصلّي إلى ساريه؛ فبصر به عمر بن الخطاب؛ فقام إليه فقال: ممن الرجل؟
فقال: من أهل اليمن.
فقال: ما فعل الذي حرّقه الكذاب بالنار؟
قال: ذاك عبد الله بن ثوب.
قال: فنشدتك بالله أنت هو؟
قال: اللهم نعم.
قال: فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر الصديق؛ فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم خليل الرحمن.
قال ابن عياش: فأنا أدركتُ رجالاً من الأمداد الذين مدّوا من اليمن من عنس وخولان؛ فكان الخولانيون يقولون للعنسيين: (صاحبكم الكذاب الذي أحرق صاحبنا بالنار فلم تضرَّه). رواه ابن عساكر.
- قال محمد بن إسماعيل البخاري: (عبد الله بن ثوب أبو مسلم الخولاني قارئ أهل الشام).
- قال سليمان بن المغيرة القيسي: حدثنا حميد قال: قيل لأبي مسلم الخولاني حين كبر: إنك قد كبرت ورققت فلو رفقت بنفسك!
قال: (إذا أرسلت الحلبة قيل لفرسانها ارفقوا بها وسددوا بها، فإذا دنوتم من الغاية فلا تستبقوا منها شيئاً؛ فقد رأيتُ الغاية؛ فدعوني). رواه يعقوب بن سفيان.
- وقال سليمان أيضاً: حدثنا حميد قال: قال أبو مسلم الخولاني: (ما عملت عملاً أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائط). رواه يعقوب بن سفيان.
مات أبو مسلم غازياً في أرض الروم، واختلف في تاريخ وفاته:
- فقال أبو زرعة الدمشقي: مات في خلافة معاوية، وجزم به ابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (توفي في خلافة يزيد بن معاوية).
- وقال المفضل بن غسان: حدثنا أبي قال: (وفي سنة اثنتين وستين مات علقمة وأبو مسلم الخولاني).
- قال ابن عساكر: (هذا وهم، بل مات قبل ذلك).
- قال ابن عائذ: حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز أنَّ أبا مسلم الخولاني كان ممن شتى مع بسر بن أبي أرطأة؛ فأدركه أجله بها؛ فأتاه بسر في مرضه؛ فقال له أبو مسلم: (اعقد لي على من مات معك من المسلمين في هذه الغزاة فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن عائذ أيضاً: حدثني عبد الأعلى بن مسهر عن سعيد بن عبد العزيز أن أبا مسلم الخولاني قال لبسر بن أبي أرطأة وقد حضرته الوفاة بأرض الروم: (اعقد لي على من مات هاهنا).
قال: (رجاء أن يبعث عليهم). رواه ابن عساكر.
- قال أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز (أن أبا مسلم الخولاني توفي بأرض الروم، وعلى الناس بسر بن أبي أرطأة، بحُمَةِ بسر). رواه أبو زرعة الدمشقي، وقال: (في خلافة معاوية).
- قال إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن سعيد بن هانئ قال: قال معاوية بن أبي سفيان: (إنما المصيبة كلّ المصيبة لموت أبي مسلم الخولاني، وكريب بن سيف الأنصاري). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- قال هشام بن عمار: حدثنا ابن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانئ قال: توفي ابن لعتبة بن أبي سفيان؛ فقام ناس إلى معاوية؛ فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، أعظم الله أجرك في ابن أخيك، وجعل ثوابك من مصيبتك به الجنة؛ فأسكت عنهم.
فردوا عليه الكلام؛ فقال: (إن موتَ غلام من آل أبي سفيان قبضه الله إلى جنته وكرامته ليس بمصيبة، إنّ المصيبة كلَّ المصيبة على مثل أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأزدي). رواه ابن عساكر.
- وقال الذهبي: (فعلى هذا يكون أبو مسلم مات قبل معاوية، إلا أن يكون هذا هو معاوية بن يزيد).
قلت: لو كان معاوية بن يزيد لقالوا ابن عمّك، وكذلك في رواية أبي زرعة النصّ على أن القائل هو معاوية بن أبي سفيان.
وقد ذكر أصحاب المغازي والتاريخ أن بسر بن أبي أرطأة شتى بأرض الروم سنة ثلاث وأربعين، وقيل: أربع وأربعين، وشتى سنة اثنتين وخمسين، وهو أقرب التواريخ.