المثال الثالث: تقديم النفع على الضرّ في قول الله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)}
في هاتين الآيتين بيان بديع لحال إبراهيم عليه السلام في دعوة قومه، وتمييز مدهش بين موقفه وموقفهم مما يعبدون بألفاظ وجيزة بديعة.
فقال: {هل يسمعونكم إذ تدعون} فذكر المفعول بلفظ المخاطَب ولم يحذفه لبيان اختصاصه بهم، ففيه مع الاستفهام الإنكاري بيان أنه لا حاجة له في دعائهم.
وفي قوله: {أو ينفعونكم أو يضرون} لمّا جرى ذكر النفع خصَّهم به لبيان أنه لا يرجو نفعهم أصلاً؛ فهي في معنى {يسمعونكم} قبلها، ولما جرى ذكر الضرّ حذف المفعول؛ فأفاد مع مراعاة الفاصلة الدلالة على العموم؛ فتلك الأصنام لا تملك ضرّاً لعابديها لو تركوا عبادتها، ولا تملك ضرّا لمن ينكر عبادتها كحال إبراهيم عليه السلام.
وحذف متعلّق النفع ومتعلّق الضرّ لإفادة العموم ولعدم تعلّق المراد بعينه، ليتبيّن أن تلك الأصنام ليس بيدها نفع ولا ضرّ مهما قلّ.
وقدّم ذكر النفع على الضرّ لمناسبة الآية قبلها، ولأنّ أعظم ما يرجوه الداعون تحقيق النفع، وتحقيق النفع يشمل جلب المصلحة ودفع المفسدة فبابها أوسع.
وتحصّل من دلالة الآيتين الإنكار على من يعبد الأصنام، وبيان أنّ ما يُعبد من دون الله تعالى لا يملك نفعاً لعابديه، ولا يملك أن يوقع بهم ولا بغيرهم ضررا.