مجلس مذاكرة خطر التعالم
السؤال الأول: بيّن معنى التعالم واذكر مظاهره.
التعالم هو ادّعاء العلم والتظاهر به.
والتعالم في اللغة هو ادّعاء العلم والتظاهر به وحقيقة المرء على خلاف ذلك.
مظاهر التعالم:
1-التوصية بمناهج تعليمية لم يجربوها وليس لديهم العلم الكافي بها وقد يكون فى ذلك متبعا لهواه أو جاهلا لا يدرى ما ينصح به
2-نقد العلماء وكتبهم والحديث فيهم بهوى أو بجهل
3-الفتوى بغير علم
4-التصدر للوعظ بغير علم مما يوقع المتعالم فى الأخطاء ومن أشهرها إيراد الأحاديث الضعيفة والفتاوى الفاسدة
5-التصدر للتدريس بدون التأهل لذلك ويكون ذلك مصيبة فى التدريس النظامى حيث توضع فيه الثقة فى غير محلها
6-التصدر للكتابة والتأليف والنقد مع عدم إكتمال ادواته لذلك فيقع فى فساد عظيم له ولغيره
7-الدخول على الناس من أبواب إجتماعية ثم يسمح لنفسه بغير علم ولا أدوات الحديث فى الدين والفتوى بغير علم مثل الراقى الذى يفتى بلا علم فقد يكون جيدا فى الرقيا ولكن ليس لديه العلم ليفتى
السؤال الثاني: بيّن أصناف المتعالمين.
أصناف المتعالمين:
1-جاهل جهلا مركبا قليل البضاعة فى العلم ضحل المعرفة ولكنه جريئ فى القول بغير علم والتقول على العلماء بغير ما قالوا لتقوية رأيه عند من لا يصدقه إلا بذلك ونسبته كلامه اليهم حتى أن منهم من ينسب الى كتب ومصنفات معتمدا فى ذلك على عدم قدرة السامع للتنقيب عما يقول.
2-ومن أمثلة هذا الصنف أبا جعفر الهاشمي المدني الذى كان يؤلف أحاديثا وينسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
3-جاهل قليل العلم ويفتى ويقول بغير علم ولكنه لا يتعمد الكذب ولكنه غير معزور فقد غر غيره بكلامه الذى لم يتثبت منه وكثيرا ما يصدقهم الناس لما يظهر لهم من صلاحهم ويظهر هذا الصنف كثيرا بين القصاص مثل صالح بن بشير المري
4-عليم اللسان جهول له من فنون الكلام كفاية ومن أدوات الجدال عناية ولا يطلع الا على مواضع الفتن والأغاليط يرى نفسه عالما كبيرا وهو متعالم جاهل بالأصول ولا يمكنه الاستدلال ذكى وماهر فى التدليس والدس وهؤلاء أضر على الأمة من أعدائها بل قل هم أعدائها ففيهم الحقد والضغينة على أهل العلم مما يدفعهم لترصد زلاتهم والفرح بها ومن أمثلة هؤلاء جهم بن صفوان و بشر المريسي ولا يتمكن هؤلاء الا بالآتى:
* فتنة العامة بمخاطبتهم بما يدهشهم.
* تصيد أخطاء أهل العلم والتشكيك فيهم.
* التقوي بأهل المال والسلطان
5-تعلم وعلم ولكن توقف فى منتصف الطريق واراد الوصول السريع ولم يكن هناك طريق الا التعالم والكلام فيما يعلم وفيما لا يعلم ويغش الناس بما عنده من العلم وطريقة كلام العلماء ولكنه لعدم كفاية علمه يبحث فى مواضع القصور والمواضع التى أختلف فيها أهل العلم وتحدث فيها حتى يجذب العامة ومن يريد الكيد لأهل السنة فيجدونه مفيدا لهم فيما يريدون
6-يطلبون العلم ولهم حظ فى التحصيل ولكنهم لا يتثبتون فى المسائل وليس لديهم الورع الكافى ليمنعهم من الكلام فيما لا يحسنون فيتجرأ على الإفتاء بغير علم فيغتر بهم الجهلة من عامة الناس وطلبة العلم المبتدئين.
7-علماء متخصصون فى فن من الفنون حتى أن أهل العلم أشادوا بهم فى إختصاصاتهم مما يدفع الناس لتصديقهم ولكنهم تكلموا فى فنون أخرى لا يحسنونها فضلوا وأضلوا فمنهم من إذا نبه عاد ومنهم من يتمادى فيعرض نفسه للسقوط حتى فيما يعلم.
السؤال الثالث: وضّح علامات المتعالمين
علامات المتعالمين:
1-السعي خلف أغراضهم الخفية التى تختلف تماما عن مقاصد أهل العلم فهم يريدون تعظيم أنفسهم وأهل العلم يريدون تعظيم الدين
2-وهو فرع من إنحراف المقاصد كالتشبع بما لم يعطوا والتزين بما ليس فيهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور)
3-قليل علمهم الذى استمالوا به الجهال أنبت فى قلوبهم العجب والزهو والكبر
4-رغبتهم فى إدهاش الناس جعلتهم يتوسعون فى الدعاوى العريضة ليغتر بهم العامة
5-لتلون أهوائهم وتعدد أطماعهم تراهم متناقضون ومضطربون فيما يقولون لتبرير هذه الأهواء والأطماع
6-مما يعينهم على لفت الأنظار اليهم تتبع زلات أهل العلم والتشغيب عليهم
7-انصاف همتهم للظهور فى الدنيا خالف بين قولهم وعملهم فغفلوا عما أوجب الله عليهم
8-تضطرهم صنعة التعالم إلى الكذب والتدليس والتلبيس والتصدر والتهويل والتشنيع فهذه هى أدواتهم
9-للظهور والتصدر يتسرعون فى الحديث والجرأة فيه بغير علم حتى لو كانت من النوازل
السؤال الرابع: بيّن دلالة الكتاب والسنة على التحذير من التعالم والمتعالمين.
من الآيات التي يستدل بها على النهي عن التعالم والتحذير منه ومن أهله:
قول الله تعالى(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
قول الله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)
وقول الله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117))
وقول الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم).
وقول الله تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)ومن أظهر صفات المتعالمين تزكيتهم لأنفسهم.
ومن الأحاديث المروية في التحذير من التعالم والمتعالمين:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان).
وحديث ثوبان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين).
وحديث أبي أميّة الجمحي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر).
وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار).وهذه هي عامّة مقاصد المتعالمين.
وحديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا هذه الآية (ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون)).
السؤال الخامس: عرّف بهدي السلف الصالح في التحذير من التعالم.
تأديب عمر بن الخطاب لصبيغ بن عسل التميمي وكان ممن يتتبع المتشابه وروى ذلك فى مواقع كثيرة صحيحة.
خبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع أبي يحيى المعرقب وقد رويت قصته من طرق أنه رآه يقصّ
فقال له: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟
قال: لا.
قال: (هلكت وأهلكت)
وقال عبد الله بن مسعود: (أيها الناس! من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل: لا أعلم والله أعلم فإن من علم المرء أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم وقد قال الله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)).
وقال يحيى البكاء رأى ابن عمر قاصاً يقص في المسجد الحرام ومعه ابن له فقال له ابنه: أي شيء يقول هذا؟
قال: (هذا يقول: اعرفوني اعرفوني).
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أخبرني نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يجبه حتى ظنَّ الناس أنه لم يسمع مسألته.
قال: فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟
قال: قال: (بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه!! اتركنا يرحمك الله حتى نتفهَّم في مسألتك فإن كان لها جواب عندنا وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به).
وقال أحمد بن محمد الأزرقي: حدثنا عمرو بن يحيى عن جده قال: سئل ابن عمر عن شيء فقال: لا أدري فلما ولى الرجل أفتى نفسه فقال: (أحسن ابن عمر سئل عما لا يعلم فقال لا أعلم).
وسُئل القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن مسألة فلم يجب فقال له يحيى بن سعيد: والله إني لأعظم أن يكون مثلك وأنت ابن إمامي الهدى تُسأل عن أمر ليس عندك فيه علم فقال: (أعظم من ذلك والله عند الله وعند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو أخبر عن غير ثقة).
وقال القاسم بن محمد: (إن من إكرام المرء لنفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه).
وقال سعيد بن جبير: (ويل لمن يقول لما لا يعلم إني أعلم).
وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: (لا يُؤخذ العلم إلا عمّن شُهد له بطلب العلم).
وقال أحمد بن حنبل: سمعت الشافعي قال:سمعت مالكا قال: سمعت ابن عجلان قال: (إذا أغفل العالم "لا أدري" أصيبت مقاتله) رواه الآجري والخطيب البغدادي
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد قال الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان).
السؤال السادس: وجّه رسالة لطالب علم توصيه فيها بالاجتهاد في طلب العلم وتحذّره من التعالم والمتعالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى علم بالقلم الحمد لله على أن هدانا لطريق العلم ونفعنا به
يا طالبا العلم جد فى طلبك وأسلك الطريق السليم فى ذلك ولا تتبع الهوى فكم من طالب علم ضل وكم من طالب علم أضل فكن على حذر وأتقى الله فيما آتاك الله من العلم فهو نعمة أنعم الله بها عليك فصنها وأرعها حق رعايتها وإياك إياك والركون وأحذر من التصدر قبل إكتمال أدواتك وإياك إياك والقول بغير علم فالله الله فى نفسك وفيمن يصدق قولك فلا تقل إلا بعلم ودليل ولا تفترى على الله ورسوله وأهل العلم ما لا يقولون وأحرص على التثبت والتأكد من كل ما تقول قبل أن تقوله فقولك لا أعلم والله أعلم بالدنيا وما فيها فى مقابلة أن تقول على الله بغير علم فقد تضل كثير من الناس بفتواك.
وفى الختام أوصيك ونفسي بالتقوى فهى السلاح الوحيد الذى يمكننا من مقاومة الشيطان الذى يدعونا للقول على الله ورسوله بغير علم وهى المعين على إستكمالنا لطريق العلم حتى نحصل على أدواته اللاذمة وهى المعين على إفادة الناس فيما يجهلون ويكون لنا ثواب الدعوة فى ذلك والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين