تفسير سورة الانفطار من الآية (6) إلى الآية (11)
تفسير قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
سأرمز لابن كثير بـ(ك) ,والسعدي بـ(س) ,والأشقر بـ(ش).
المحور الأول : المفردات اللغوية
الكريم: العظيم ك
المتفضل بإكمال الخلق والحواس ش
سوّاك: جعلك سويًّا مستقيماً فعدلك: معتدل القامة منتصبها في أحسن الهيئات والأشكال ك س
فَسَوَّاكَ :رَجُلاً تَسْمَعُ وَتُبْصِرُ وَتَعْقِلُ
فَعَدَلَكَ: جَعَلَكَ مُعْتَدِلاً قَائِماً حَسَنَ الصُّورَةِ، وَجَعَلَ أَعْضَاءَكَ مُتَعَادِلَةً لا تَفَاوُتَ فِيهَا ش
رَكَّبَكَ: سلكك ك
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ( رَكَّبَكَ) أَيْ: رَكَّبَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَهَا من الصُّوَرِ المختلفةِ، وَأَنْتَ لَمْ تَخْتَرْ صُورَةَ نَفْسِكَ ش
بِالدِّينِ : المعاد والجزاء والحساب ك
هُوَ الْجَزَاءُ، أو دِينِ الإِسْلامِ س ش
لحافظين: الملائكة الحفظة ك س ش
كاتبين: يكتبون عليكم جميع أعمالكم ك ش
يكتبون أقوالكم وأفعالكم بمافيه من أفعال القلوب والجوارح س
المحور الثاني: التفسيري
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاء رَكَّبَكَ (8) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
يقولُ تعالَى معاتباً للإنسانِ المقصرِ في حقِّ ربِّه، المتجرئِ على مساخطهِ , ما غرّك يابن آدم بربّك العظيم، حتّى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق؟!
فالكريم الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا بإكمالِ خَلْقِكَ وَحَوَاسِّكَ، وَجَعَلَكَ عَاقِلاً فَاهِماً وَرَزَقَكَ وَأَنْعَمَ عَلَيْكَ بِنِعَمِهِ الَّتِي لا تَقْدِرُ ولاتعد ولاتحصى_ لايقابل بالأعمال القبيحة والأفعال السيئة.
أليسَ هوَ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ في أحسنِ تقويمٍ وركبكَ تركيباً قويماً معتدلاً، في أحسنِ الأشكالِ، وأجملِ الهيئاتِ، ولم يجعل صورتك على هيئة حمار أو كلب أو حيوان .....فهلْ يليقُ بكَ أنْ تكفرَ نعمةَ المنعمِ، أو تجحدَ إحسانَ المحسنِ؟
لكن الذي حملكم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصي هو التكذيب في قلوبكم بالمعاد والجزاء والحساب ,وأنتمْ لا بدَّ أنْ تحاسبُوا على مَا عملتُمْ، وقدْ أقامَ اللهُ عليكمْ ملائكةً كراماً يكتبونَ أقوالكمْ وأفعالكُمْ ويعلمون ما اقترفتم من آثام في قلوبكم وفي جوارحكم.
المحور الثالث: الآثار السلوكية
1- لانجعل الله تعالى أهون الناظرين إلينا ويتجلى ذلك في قوله تعالى:" ماغرّك بربك الكريم"
2- لاينبغي أن يقابل الإنسان الإحسان بالسوء , والجميل من الفعل بالقبيح من القول والفعل, ويتجلى ذلك في صفة واسم الله تعالى (الكريم) وسياق الآيات التي تليها
3- إياك وجحد نعمة الله تعالى حيث تفضل عليك بنعم لاتعد ولاتحصى بدءاً من خلقك في أحسن صورة ,ورزقك وعقلك......ويتجلى ذلك في قوله تعالى :"الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاء رَكَّبَكَ (8)"
4- إكرام الكرام الكاتبين واحترامهم وعدم مقابلتهم بالقبائح لأنهم يكتبون جميع الأعمال والأقوال ,ويتجلى ذلك من قوله تعالى : "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)"
ويتجلى ذلك في الحديث : عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّ اللّه ينهاكم عن التّعرّي، فاستحييوا من ملائكة اللّه الّذين معكم الكرام الكاتبين الّذين لا يفارقونكم إلاّ عند إحدى ثلاث حالاتٍ: الغائط، والجنابة، والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائطٍ أو ببعيره)).
5- الستر والاحتراز من العري والتكشف احتراما للملائكة الحفظة, قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أكرموا الكرام الكاتبين الّذين لا يفارقونكم إلاّ عند إحدى حالتين: الجنابة والغائط، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائطٍ أو ببعيره، أو ليستره أخوه)).
6- التحلي بصفة الأمانة تأسياً بالملائكة الحافظين المؤتمنين الذين يكتبون الأعمال بالصحف ويرفعونها إلى الله بكل أمانة
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ما من حافظين يرفعان إلى اللّه عزّ وجلّ ما حفظا في يومٍ فيرى في أوّل الصّحيفة وفي آخرها استغفاراً إلاّ قال اللّه تعالى: قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصّحيفة)).