بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الضحى
اسم السورة: سورة الضّحى
نزول السورة: مكية
سبب النزول:
رواه البخاريّ، ومسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، من طرقٍ، عن الأسود بن قيسٍ، عن جندبٍ، هو ابن عبد الله البجليّ ثمّ العلقيّ به، وفي رواية سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيسٍ سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال المشركون: ودّع محمّدٌ. فأنزل الله تعالى: {والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى}.
التكبير:
- فهذه سنّةٌ تفرّد بها البزّي من رواية ابن كثير المكي, وكان إماماً في القراءات.
- اختلف القرّاء في موضع هذا التكبير وكيفيّته؛ فقال بعضهم: يكبّر من آخر {واللّيل إذا يغشى}. وقال آخرون: من آخر {والضّحى}.
- كيفيّة التكبير: بعضهم يقول: الله أكبر، ويقتصر. ومنهم من يقول: الله أكبر، لا إله إلاّ الله، الله أكبر.
- وذكر القرّاء في مناسبة التكبير من أوّل سورة الضّحى: أنه لمّا تأخّر الوحي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفتر تلك المدّة، وجاءه الملك، فأوحى إليه: {والضّحى واللّيل إذا سجى} السورة بتمامها، كبّر فرحاً وسروراً.
المحور اللغوي:
والضحى: النهار إذا انتشر ضياؤه (ك- س)
اسْمٌ لِوَقْتِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ ( ش)
واللّيل إذا سجى: أي سكن فأظلم وادلهمّ (ك- س)
غطى الليل النهار (ش).
ما ودّعك ربّك: أي ما تركك وماقطعك , وما قلى: أي وما أبغضك , وما أهملك (ك- س- ش)
وللآخرة خيرٌ لك من الأولى: وللدّار الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار. (ك)
كلُّ حالةٍ متأخرةٍ منْ أحوالكَ، فإنَّ لهَا الفضلُ على الحالةِ السابقةِ. (س)
الْجَنَّةُ خَيْرٌ لَكَ من الدُّنْيَا (ش)
ولسوف يعطيك ربّك فترضى: أي في الدار الآخرة يعطيه حتّى يرضيه في أمّته، ومن العطايا نهر الكوثر. ( ك)
لا تسألْ عنْ حالهِ في الآخرةِ، منْ تفاصيلِ الإكرامِ، وأنواعِ الإنعامِ (س)
الْفَتْحَ فِي الدِّينِ، والثَّوَابَ وَالحَوْضَ وَالشَّفَاعَةَ لأُمَّتِهِ فِي الآخِرَةِ (ش)
ألم يجدك يتيماً فآوى: أوجدكَ لا أمَّ لكَ ولا أبَ، بلْ قدْ ماتَ أبوهُ وأمهُ وهوَ لا يُدبِّرُ نفسهُ، فآواهُ اللهُ، وكفلهُ جدُّهُ عبدُ المطلبِ، ثمَّ لما ماتَ جدُّهُ كفّلهُ اللهُ عمَّهُ أبا طالبٍ، حتى أيدهُ اللهُ بنصرهِ وبالمؤمنينَ. (ك- س- ش).
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى: وجدكَ لا تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ، فعلَّمكَ ما لمْ تكنْ تعلمُ، ووفّقكَ لأحسنِ الأعمالِ والأخلاقِ (ك- س- ش).
ووجدك عائلاً فأغنى: كنت فقيراً ذا عيالٍ، فأغناك الله عمّن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغنيّ الشاكر(ك)
فقيرا فأغناك بمَا فتحَ اللهُ عليكَ منَ البلدانِ، التي جُبيتْ لكَ أموالُها وخراجُهَا. (س).
وَجَدَكَ فَقِيراً ذَا عِيَالٍ، لا مَالَ لَكَ، فَأَغْنَاكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ، والفتوحِ , والتجارة (ش)
فأما اليتيم فلا تقهر: تقهر اليتيم، أي: لا تذلّه وتنهره وتهنه، ولكن أحسن إليه، وتلطّف به, وكن كالأب الرحيم لأولاده
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْسِنُ إِلَى اليتيمِ وَيَبَرُّهُ وَيُوصِي بِاليَتَامَى (ك- س- ش)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ: لا تَنْهَرْهُ إِذَا سَأَلَكَ سائل, ولاتبغضه, ولاتكن جباراً عليه, فَقَدْ كُنْتَ فَقِيراً؛ فَإِمَّا أَنْ تُطْعِمَهُ وَإِمَّا أَنْ
ترده ردّاً ليِّناً (ك- س- ش)
وأمَّا بنعمة ربّك فحدَّث: أي كما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله، فحدّث بنعمة الله عليك. (ك).
وقال مجاهدٌ: يعني: النّبوّة التي أعطاك ربّك. وفي روايةٍ عنه: القرآن.
وقال الحسن بن عليٍّ: {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} قال: ما عملت من خيرٍ فحدّث إخوانك.
وأما بِنِعْمَةِ رَبِّكَ: أي النعمَ الدينيةَ والدنيويةَ, فَحَدِّثْ: أي أَثْنِ على اللهِ بهَا،وخصِّصهَا بالذكرِ (س ش)
وقيل النعمة هنا القرآن (ش)
المسائل التفسيرية
1-بماذا أقسم الله في سورة الضحى؟
المقسم به : هوالنهار إذا انتشر ضياؤه , والليل إذا ادلهم وأظلم, والله عزوجل لايقسم إلا بعظيم (ك-س), وقال مجاهد وقتادة
2-ماهو المقسم عليه في سورة الضحى؟
المقسم عليه هو اعتناءِ اللهِ برسوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} (ك )
وأن الله عزوجل مَا تركه منذُ اعتنى به، ولا أهمله منذُ رباه ورعاه، بلْ لمْ يزلْ يربيه ويعليه درجةً بعدَ درجةٍ. (س)
وما قطع عنك الوحي منذ أن نزل عليك (ش)
وقال :{وَمَا قَلى} : أي أن الله ما أبغضه منذُ أحبَّه, وهو في دوام الاعتناء به (ك-س -ش)
3-كيف كانت حال الرسول الماضية والحاضرة والمستقبلية؟
كانت أكمل حال وأتمها باستمرار في محبة الله , ترتقي في درجات الكمال, في دوام اعتناء من الله عزوجل به ، ويمكَّنُ لهُ اللهُ دينهُ، وينصرُهُ على أعدائِهِ، ويسددُ لهُ أحوالهُ، حتى ماتَ، وقدْ وصلَ إلى حالٍ لا يصلُ إليهَا الأولونَ والآخرونَ، منَ الفضائلِ والنعمِ، وقرةِ العينِ، وسرورِ القلبِ , وكل حال من أحواله لها الفضل على الحالة السابقة لتلك الحالة (س)
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزهد الناس في الدنيا، وعندما خُيِّر بين الدنيا الفانية وماعند الله تعالى ,اختار ماعند الله تعالى , وكان يقول صلّى الله عليه وسلّم: ((ما لي وللدّنيا؟! ما أنا والدّنيا؟! إنّما مثلي ومثل الدّنيا كراكبٍ ظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها)). (ك –ش)
4-ماهو العطاء الذي وعد الله به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) ؟؟
-في الدار الآخرة يعطيه حتّى يرضيه في أمّته، وفيما أعدّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر (ك)
-وقال ابن عباس من طريق الأوزاعي: أعطاه الله في الجنة ألف ألف قصر, في كل قصر ماينبغي له من الأزواج والخدم.
وقال ابن عبّاسٍ من طريق السدي: من رضى محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم ألاّ يدخل أحدٌ من أهل بيته النار.
-وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة.
-هذه عبارة جامعة شاملة لكل تفاصيل الإنعام والإكرام للرسول عليه الصلاة والسلام (س)
-الفتح في الدين والثواب والشفاعةلأمته والحوض (ش)
5-ماهو نهر الكوثر؟
ومن تفاصيل الاكرام والإنعام نهر الكوثر، الذي حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، وطينه مسكٌ أذفر, وقد قال الرسول بحديثه عن الكوثر:( ((فإنّه نهرٌ وعدنيه ربّي عزّ وجلّ، عليه خيرٌ كثيرٌ، وهو حوضٌ ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد النّجوم.............................))
6-ما تفسير قوله تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) )؟؟
الله عزوجل يعدد نعمه على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم , وكيف أحاطه بعنايته ورعايته وهيأ له الاسباب كلها من وقت كانت أمه حاملا به إلى وقت انتقاله إلى الرفيق الأعلى ,وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره
حيث أنه ولد لا أمَّ له ولا أبَ، بلْ قدْ ماتَ أبوهُ وأمهُ وهوَ لا يُدبِّرُ نفسهُ، فآواهُ اللهُ، وكفلهُ جدُّهُ عبدُ المطلبِ، ثمَّ لما ماتَ جدُّهُ كفّلهُ اللهُ عمَّهُ أبا طالبٍ، حتى أيدهُ اللهُ بنصرهِ وبالمؤمنينَ , وكف عنه أذى قومه , ورفع من شأنه وقدره (ك-س-ش)
ومن حفظ الله له وكلاءته وعنايته به أن وجده لايدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ، لايدري ماهو أمر النبوة وماهي تكاليف الشرع , فعلَّمه ما لمْ يكنْ يعلمُ، وهداه لذلك ,ووفّقه لأحسنِ الأعمالِ والأخلاقِ). (ك-س-ش)
ومنهم من قال: إنّ المراد بالآية(ووجدك ضالاّ فهدى) أنّه عليه الصلاة والسلام ضلّ في شعاب مكّة، وهو صغيرٌ، ثمّ رجع. وقيل: إنه ضلّ وهو مع عمّه في طريق الشام، وكان راكباً ناقةً في الليل، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخةً ذهب منها إلى الحبشة، ثمّ عدل بالراحلة إلى الطريق. حكاهما البغويّ).
ومن محبته عزوجل بالرسول وعنايته به جمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر, فقد أغناه الله بعد أن كان فقيرا ذا عيال (ك)
وفتح الله عليه من البلدان ,وجبيت له أموالها وخراجها (س)
وأعطاك الله من الرزق الواسع بداية من تجارتك بأموال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (ش)
وقد قابل الرسول هذه النعم كلها بالشكران
7-ماهي الوصايا التي أوصى الله بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى؟
1-كما كنت يتيماً فآواك الله، فلا تنهر اليتيم , وأحسن إليه، وتلطّف به (ك –س-ش)
2-كما كنت ضالاًّ فهداك الله، فلا تنهر السائل إن كان سائلا للعلم , ولاتبخل عليه به (ك).
وولاتنهرالمسكين إن كان سائلاً للمال, وعامله بلطف ولين ورفق (س-ش).
3-كما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله، فحدّث بنعمة الله عليك إن كانت دينية أو دنيوية, (ك-س-ش).
المحور السلوكي
بعض المحاور السلوكية التي نستخلصها من سورة الضحى:
1-عناية الله سبحانه وتعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم, فقد كان يتيماً فرعاه, وضالّاً فهداه’ وفقيرا فأغناه.
2- إكرام اليتيم ,وعدم ظلمه أو إيذائه, وذلك كما كان يفعل سيدنا محمد صلوات الله عليه ولنا به أسوة .
3-إعطاء السائل للمال أو ردّه رداً جميلاً, وعدم زجره.
4- قد يكون السائل هو سائل علم فلا نبخل عليه بهذا العلم , ونعامله بحسن خلق فنحن مأمورين بذلك, وزكاة العلم نشره.
4-شكر الله تعالى على نعمه ,والثناء عليه والتحدّث بها لأنه وحده سبحانه المتفرد بالعطاء ,ووعد بالزيادة لمن شكر " لئن شكرتم لأزيدنَّـكم"
5- شكر الناس ,فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((لا يشكر الله من لا يشكر النّاس)).