(3) الكتب المؤلفة في طبقات المفسرين
تأخّر التأليف المفرد في طبقات المفسرين، ولعل من أسباب ذلك أن الأئمة المفسرين في القرون الأولى مذكورون في كثير من كتب التراجم المتقدمة للقراء والمحدثين والفقهاء.
وقد كان لبعض العلماء المتقدمين كلام متفرّق في ذكر أئمة المفسرين من الصحابة والتابعين وذكر مراتب أصحابهم لو جمع ونُظّم لكان فيه مادّة حسنة عن تصلح للحديث عن طبقات المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، كما نقل عن ابن سيرين، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان الثوري، وعليّ ابن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد القاسم بن سلام.
- وقد عرض ابن جرير الطبري(ت:310هـ) في مقدمة تفسيره للكلام على بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وما قيل في بعضهم من ثناء حسن ونقد.
- ثم كتب ابن عطية (ت:542هـ) في مقدمة تفسيره باباً في مراتب المفسرين حبّر فيه كلام ابن جرير وزاد عليه إلى القرن الرابع الهجري، وإن لم يتقصّ ولم يفصّل في تراجمهم.
- وعرض شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ) في مقدّمة تفسيره لذكر أصحاب ابن مسعود وابن عباس ومفسري الأمصار بكلام موجز نافع.
- ثم كتب ابن جُزيء الكلبي(ت:741هـ) مبحثاً في طبقات المفسرين في مقدمة تفسيره جوّد فيه كلام ابن عطية وزاد عليه زيادات حسنة.
- ثم كتب بدر الدرين الزركشي(ت:794هـ) باباً في معرفة التفسير في كتابه "البرهان في علوم القرآن" ذكر فيه أسماء عدد من مفسري التابعين وتابعيهم والمصنفين في التفسير إلى عصر ابن عطية.
- ثمّ ذكر ابن قاضي شهبة الدمشقي(ت:851هـ) في كتابه "تراجم طبقات النحاة واللغويين والمفسرين والفقهاء" أسماء عدد من المفسرين مع من ذكر من الفقهاء والنحويين واللغويين، وترجم لهم، ورتّب الأسماء على حروف المعجم، واشتمل كتابه على نحو ألف ترجمة.
- ثم كتب جلال الدين السيوطي(ت:911هـ) باباً في طبقات المفسرين في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" ذكر فيه المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعددا من أصحاب التفاسير المصنفة على اختلاف مذاهبهم إلى قريب من عصره، وله في التحبير كلام موجز عن المفسرين رتبهم على الطبقات.
فهذا بعض ما ذُكر في طبقات المفسرين مضمَّنا في كتب أهل العلم إلى عصر جلال الدين السيوطي الذي كان هو أوّل من عرف عنه التأليف المفرد في طبقات المفسرين، وقد قال في مقدمته: (هذا المجموع فيه طبقات المفسرين إذْ لم أجد من اعتنى بإفرادهم كما اعتُنيَ بإفراد المحدثين والفقهاء والنحاة وغيرهم).
وسأعرف بالكتب المؤلفة في طبقات المفسرين خاصة مبتدئاً بكتابه.
1: طبقـات المفسرين، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي (ت: 911هـ)، وهو كتاب مختصر اشتمل على 136 ترجمة، رتبها على حروف المعجم، ولم يكمله.
- قال تلميذه الداوودي بعد أن نسخ كتابه: (علقت ذلك من مسودة في أوراق لم يتمها شيخنا، وكان عزمه أن يكون مؤلفاً حافلاً).
2: طبقات المفسرين، لشمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي (ت: 945هـ) ، وهو تلميذ السيوطي، وعدد التراجم فيه: 704 ترجمة، جمع مادّة كتابه من نحو عشرين كتاباً في السير والتراجم والطبقات.
4: طبقات المفسرين، لأبي سعيد بن صنع الله الكوزه كرانى (ت:980هـ)، قيل: اسمه كنيته، وكوزه كراني قرية من قرى تبريز، ذكره في كشف الظنون، ولم يطبع فيما أعلم.
5: طبقات المفسرين،لأحمد بن محمد الأدرنوي (ت: بعد 1095هـ)، نسبة إلى أدرنه بتركيا وكتابه مطبوع، وعدد التراجم فيه 638 ترجمة، مرتبة على الطبقات، وقد وقع في أخطاء في تواريخ الوفيات، وتراجمه مختصرة جداً.
6: معجم المفسرين من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر، للأستاذ عادل نويهض، مطبوع، جمع فيه تراجم نحو ألفي مفسّر، واختصر الكلام في تراجمهم، ورتّبهم على حروف المعجم.
7: نيل السائرين في طبقات المفسرين، لمحمد طاهر الفنج فيري (ت: بعد 1386هـ) ، من أهل باكستان، ترجم فيه لنحو 688 مفسراً، ورتبهم على الطبقات، ووقع في أخطاء في الوفيات، وختم كتابه بالترجمة لنفسه، وهو من مظانّ الكشف عن مفسري بلاد الهند والسند وما جاورهما، وذكر في مقدمة كتابه أنه أفرده من كتاب له آخر سمّاه "مرشد الحيران إلى أصول القرآن".
8: الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة، لجماعة من الباحثين في ثلاث مجلدات كبار، وهو من إصدارات مجلة الحكمة.
9: التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا،للدكتور محمد بن رزق طرهوني، وهو رسالة دكتوراه.
10: التفسير في اليمن، للدكتور علي بن حسان بن علي حسان، رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1424هـ.
وغيرها من الكتب، وبلغني أن بعض الجامعات لها عناية بالتعريف بأعلام المفسّرين وذكر طبقاتهم في رسائل علمية، ولم أطّلع بعد على شيء منها غير ما ذكر، فلعلّ فيها ما يفيد الباحثين.
والتأليف في تراجم المفسرين ينبغي أن يُعتنى فيه بذكر ما ينفع طالب علم التفسير، من ذكر شيوخ المفسّرين، وتلاميذهم، وأخبارهم في تعلّم العلم وتعليمه، وتدارس التفسير، وآثارهم العلمية، ومواردهم في تفاسيرهم، ووصف مناهجهم فيها، وتحقيق وفياتهم، ونحو ذلك مما ينتفع به طلاب التفسير وعلوم القرآن، وهذا أمر ممكن لو تصدّى له جماعة من الباحثين يأخذ كلّ واحد منهم ترجمة المفسّرين في قرن فيحسن الترجمة لهم ويجوّدها، وينتج من مجموع أعمالهم مشروع علميّ قيّم يحوي فوائد ما أُلِّفَ في طبقات المفسرين ويزيد عليها، وينبّه على ما في بعضها من أخطاء وأوهام وبالله التوفيق.