المجموعة الثالثة:
س1: بيّن مع التثميل المراد بالمحكَم ومختلف الحديث، واذكر الكتب المؤلفة في هذا الباب.
الحديث المحكم هو الحديث الذي سلم من المعارضة.
ومختلف الحديث هو الذي له أحاديث تعارضه مع إمكانية الجمع بينها. فهو حديث اختلفت طُرقه مع إمكان الجمع بينها.
مثال ذلك حديث: ((لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ)) مع حديث ((فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ)). فهناك أحاديث تثبت العدوى وأخرى تنفي العدوى، وقد اختلف العلماء في هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض:
-فالحافظُ ابن حجرٍ يرى أنه ليس هناك تعارض أصلا، ويحمل الأحاديث التي فيها إثبات العدوى على أنها من باب سد الذَّريعة، خشية أن يصاب بالمرض – الذي هو أصلا من اللَّه - بدون عدوى، فيظن أن الذي أصابه بسبب العدوى؛ فيقع فيه إشكال في معتقده. إلا أن الصحيح هو ما ذكره ابن الْقيم: (الجميعُ كُلُّهُ مِن اللَّهِ؛ الذي حَصَلَ أوَّلاً والذي حَصَلَ بسببِ انتقالِ العَدْوَى، فالعَدْوَى سَبَبٌ، وليستْ هيَ الفاعِلَةَ).
والكتب المؤلفة في مختلف الحديث:
1-كتاب (اختلافُ الْحَدِيثِ) للشافعي.
2-كتاب (تَأْوِيلُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ) لابن قتيبة.
3-كتاب (مُشْكِلُ الآثارِ) للطحاوي.
س2: بيّن مع التمثيل المراد بكلّ من:
أ- المحفوظ
هو الراوي الذي خالف من هو أضعف منه في الضبط أو كثرة العدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، ويقابله الشاذ.
ومثال ذلك ما رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس: ((أنَّ رجُلاً تُوُفِّيَ في عهدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى هُوَ أَعْتَقَهُ)). وتابع ابن عيينة، على وصله ابن جريج وغيره، وخالفهم حماد بن زيد؛ فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة، ولم يذكر ابن عباس. فقال أَبو حاتم: (الْمَحْفُوظُ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ). وقد رجح رواية الأكثر عددا مع كون حماد بن زيد عدل ضابط.
ب- مُنكَر الإسناد
هو ما يرويه الضعيف مخالفا من هو أوثق منه، وبعض العلماء عرفه بما ينفرد بروايته من يعاني ضعفا يسيرا في حفظه.
فمن فحش غلطُه، أو كثرت غفلته، أو ظهر فسقه؛ فحديثُه منكر.
س3: بيّن الفرق بين المدلَّس والمرسل الخفي، وبم يُدرك هذا الفرق؟
الفرق هو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه به، وأما إن روى عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي. ويعرف عدم اللقاء بإخبار الراوي عن نفسه أو بجزم إمام مطلع، ولا يكفي أن يقع في بعض الطُّرق زيادة راو أو أكثر بينهما بما يدل على عدم اللقاء؛ لاحتمال أَن يكون من المزيد ولا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي؛ لتعارض احتمال الاتصال والانقطاع.
س4: عرف المقلوب واذكر أنواعه مع التمثيل.
هو ما أُبدل فيه لفظة مكان لفظة أخرى، وهنا تكون المخالفة بتقديم أو تأخير. ويكون هذا إما:
-في الإسناد، وحين ذلك يسمى مقلوب الإسناد، ومثاله حين روى يعلى بن عبيد حديث: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ)) عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر مرفوعا، قلنا: إن يعلى بن عبيد أَخطأَ في الإسناد، فأبدل عمرو بن دينار بدلا من عبدالله بن دينار، فانقلب عليه هذا الراوي، وتبين هذا عن الرواة الآخرين الذين رووا نفس الحديث عن سفيان الثوري. ويكثر الإشكال حين يشترك الراويان في نفس الطبقة ونفس الشيوخ والتلاميذ. ويخف أثر الإشكال لو كان كلا الراويين ثقة.
-في المتن، وحين ذلك يسمى مقلوب المتن، ومثاله حديث مسلم الذي فيه: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ -أَحَدُهُمْ- رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ))، فانقلب على أحد الرواة فقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. وأيضا في الحديث: ((إِنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ))، انقلب هذا على أَحد الرواة، فقال: ((إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلالٌ)).
س5: ما معنى قول الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب).
قال الترمذي في آخر كتابه: (ما قُلْنَا في كِتابِنا حَدِيثٌ حَسَنٌ فإِنَّمَا أَرَدْنَا به حُسْنَ إِسْنَادِهِ عندَنا؛ إذ كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى لا يكونُ راويه مُتَّهَمًا بِكَذِبٍ وَيُرْوَي من غيرِ وجْهٍ نَحْوَ ذَلِكَ ولا يكونُ شاذًّا فهو عندَنا حَدِيثٌ حَسَنٌ).
أَما الحديث الحسن الصحيح الغريب؛ فلم يعرفه، وكأنه ترك ذلك استغناء بشهرته عند أهل الفن، واقتصر على تعريف ما يقول فيه في كتابه حسن فقطْ، إما لغموضه، وإما لأنه اصطلاح جديد. ولذلك قيده بقوله عندنا، ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطَّابي، وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها.